شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الحالة الحزينة لمعجبات كاظم الساهر... تأملات في الخيط الرفيع بين الحُب والهوَّس

الحالة الحزينة لمعجبات كاظم الساهر... تأملات في الخيط الرفيع بين الحُب والهوَّس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الأحد 21 أغسطس 202201:49 م

على الرغم مما تثيره صور معجبات كاظم الساهر، وهن يخترقن المسرح لاحتضانه من رغبة في السخرية، إلا أنها أيضا تدعو للحزن والتأمل، فوراء ذلك الهيام المجنون تذكرة برجل آخر: متجبر، قاسي القلب، غير مهتم أو داعم، عنيف، متسلط، طاغية من دون جاذبية الطغاة، ينبش في قمامة الزمن عن استحقاقات متوهمة، طفل متنطع، مجرم قد لا يتورع عن التهديد، ومؤخراً إذا ما تم رفضه قد يلجأ للقتل. يظن أن هويته كذكر وحدها تكفي لينال كل شيء على الطاولة، من دون أن يدفع ثمنه، بل ومن دون أن يملك هذا الثمن.

 أما صورة كاظم البراقة التي صنعها بإصرار على مدار عقود؛ فهي صورة عاشق خرافي بالغ التهذيب والرقة، حياته مكرسة للاهتمام بالتفاصيل، كأن الحب عنده هو عمل بدوام كامل، منتجه الوحيد هو الغزل، داعم فقط، حبيبته هي "الأشهى والأبهى"، بلا شوائب، هي النقاء ذاته، أما العيوب - إن وجدت- فيلصقها بنفسه، رغم أن صفات حبيبته هي أمنياته عما يرغب أن يكونه، صورته التي يسعى إليها داخل نفسه، لا صورتها الحقيقية، وهي الصورة الكلاسيكية لأغاني الحب وتصوراته، وربما يتماس في ذلك مع الإيمان أيضاً.

صورة ذلك العاشق إذن قد تكون بدورها نبشاً في قمامة الزمن، بحثاً عن رجل غائب، لم يوجد قط إلا في أغنيات عبد الحليم حافظ، فهل يقبل الزمن استنساخ صورة حليم؟

لكن هل ما يقدمه كاظم هو الحب حقا؟ أم أنه صار بحكم الزمن شيئاً مائعاً، غير مفهوم؟ وهل تقبل المرأة العصرية مفهوم الغرام بوصفه انتشاء لا ينتهي بالمحبوب؟ صورة ذلك العاشق إذن قد تكون بدورها نبشاً في قمامة الزمن، بحثاً عن رجل غائب، لم يوجد قط إلا في أغنيات عبد الحليم حافظ، فهل يقبل الزمن استنساخ صورة حليم؟

رومانسية كتلك، تشترك مع القتلة في شيء واحد مخيف: الهوس، وكل ما يبدأ بالوعود الأبدية للحب، قد ينتهي بالتهديدات المخيفة عند الفقد

في المقابل؛ إن وجدت المرأة مثل ذلك العاشق فسوف يأسرها في الصورة التي خلقها لها، مصانة خلف زجاج بحيث لا يمكن لمسها أو تحريرها، وعليها أن ترعى تلك الصورة التي رُسمت لها بالخدمة والعناية. ألا يستحق ذلك العاشق المهذب، الذائب تماماً ذوباناً مماثلاً، مكافأة لا تقل عن أن تمنحه المرأة نفسها بالكامل؟ أن تقيض له وجودها كله طيعاً مستسلماً؟ بل أن يكون هو هدف ذلك الوجود مقابل بضع كلمات جميلة؟

لا تحرر أغاني كاظم المرأة في المجتمع؛ بل تختص المرأة التي كرست تحررها له وحده. هل يمكن لتلك المرأة أن تتخطى حدوداً معينة أمام المجتمع في التعبير عن الحب، هل يمكن لها أن تتخطى الخِفْر؟ هل يمكن لها أن تجد وسيلة تعبر بها عن الغنج، بخلاف صورة المرأة المهذبة التي كل ما تملكه من وسائل الدلائل العلني هو التصريح بمحبة الشيكولاتة وسعاد حسني، حتى لو لم تكن تحبهما فعلاً؟

أما صعود معجبات كاظم للتعبير عن حبهن له بعناق مفاجئ مجنون، حلمن به طويلاً، فلن يُرى كخرق لحد فرضه المجتمع، بل تعبير عن هيام مستسلم غير مشروط، مصان كله لرجل واحد لمرة واحدة وإلى الأبد، كما يقبل الرجل، كما أنه في النهاية عناق لصورة في أذهانهن.

مجنونات كاظم لسن نساء ممحونات، لكنهن يحتجن شيئاً. لا فارق هنا في الطبقات، الفارق إنهن لا يشبهن محبوبات زمن عبد الحليم حافظ، فجزء من صورة عبد الحليم كان سارياً شائعاً، أو من الممكن أن يسري في عقل رجل ذلك الزمن أيضاً، حيث يمكن لإيقاع أقل شراسة أن يحقق تلك الصورة ويجسدها، على الأقل احترام فكرة الهيام كان حاضراً. لكن الحب الآن إذا ما تشكك مقدار خردلة في حصوله على المتعة كاملة غير منقوصة من دون شوائب، من دون توتر التفاوض؛ سينهار طرفاه، لأن أملاً في تلك المتعة الكاملة يوحي به شخص آخر.

مجنونات كاظم لسن نساء ممحونات، لكنهن يحتجن شيئاً. لا فارق هنا في الطبقات

إذا ما حدث ووجدت النساء عاشقها على صورة كاظم في الواقع، لن يفعلن إلا رفضه، الشك فيه وفي أنفسهن. فرومانسية كتلك، تشترك مع القتلة في شيء واحد مخيف: الهوس، وكل ما يبدأ بالوعود الأبدية للحب، قد ينتهي بالتهديدات المخيفة عند الفقد.

هذا العاشق الذي يخبرها بكرم مجاني" أيتها الوردة والريحانة والياقوتة والسلطانة والشعبية والشرعية بين جميع الملكات..."، ذلك الذي يأخذ مهمة الحب بكل تلك الجدية، حتى إنه لا يمكن له أن يتفوه حوله بنكتة، لأن ذلك سيفسد صورة العاشق المولَّه مسلوب الإرادة والعقل، المتذلل، اللحوح، الذي يعد بضياع كامل إذا ما ضاعت محبوبته، الذي يرغب في "عاصمة النساء" بديلاً، يطلق علامات إنذار قد تدعو في الحقيقة للفرار.

رومانسية كاظم دليل اتهام موجه إلى الرجال، لكنه أيضا موجه إلى النساء. عشق كهذا، خرافي ولا وجود له؛ يستلزم قوة هائلة تدّعي الرضوخ الإيجابي لعاطفة الآخرين. لكن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا عبر ذات مرنة، تعلمت أن تحب نفسها أولاً، كي يتم تقديرها أو العرفان لها. قوانين الواقع تخبرنا شيئاً آخر، الضغوط تخبرنا شيئاً آخر، كراهية الذات تخبرنا شيئاً آخر، وكذلك الأشباح التي تسكن عقولنا وأجسادنا، تخبرنا أشياءً أُخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image