انتشرت في مصر إعلانات مراكز اللغة والتخاطب لتحسين النُطق بصورة كبيرة، إذ تظهر اللافتات معلّقة أعلى المباني وعليها اسم "الطبيب المعالج"، فيقصدها من يحتاج لاستشارة أو علاج. لكن في ظل تعدد المرجعيات المانحة للتراخيص لهذه المراكز، كيف يمكن للأهل أو للمريض التأكد أن المعالج مؤهل طبياً؟ أو إن كانت مرحلة العلاج تستدعي وجود الطبيب أم المعالج؟
التخاطب مجال واسع تحتاجه فئات محددة ممن يعانون من تعذّر الأداء النطقي في مرحلة الطفولة أو المراهقة، كالمصابين بطيف التوحد، أو الصعوبات السمعية، أو متلازمة داون، أو الشلل الدماغي، بالإضافة لمن يتم تشخيصهم بـ"تأخر الكلام" أو "التلعثم" من الأطفال، أو من يتعرضون للجلطات من الكبار.
المشكلة كما يراها أصحاب الاختصاص الطبي هي عدم وجود مرجعية قانونية_طبية صارمة في الحصول على تراخيص لفتح المراكز التي تقدم خدمات العلاج أو التأهيل، إذ من الممكن أن يحصل الشخص في مصر على دبلوم أو دورة تأهيلية في فترة قصيرة تمكنه من أن يُسمّى "أخصائي تخاطب" دون أن يمتلك شهادة طب.
التخصص طبي لكن الحصول على الترخيص ليس كذلك
يقول أستاذ أمراض التخاطب والبلع في كلية الطب جامعة المنصورة وسكرتير عام الجمعية الدولية لطب التخاطب الدكتور تامر أبو السعد لرصيف22: "تخصص أمراض التخاطب هو تخصص طبي إكلينيكي يشمل تشخيص وعلاج أمراض الصوت واللغة والكلام والبلع وصعوبات التعلم، ويتم التشخيص والعلاج بمعرفة الطبيب ومسؤوليته من خلال رسم استراتيجية العلاج ووصف العقاقير و/أو إجراء الجراحات، وقد تم الاتفاق بين أعضاء الجمعية المصرية للتخاطب وعلاج الكلام في اجتماعات سابقة على أن يكون المسمى الوظيفي الخاص بالطبيب المتخصص بأمراض التخاطب هو (طبيب اخصائي) أو )استشاري امراض التخاطب( بينما من هو مؤهل للقيام بتدريبات التأهيل التخاطبي من غير الأطباء يسمى (معالج كلام ولغة)".
من الممكن أن يحصل الشخص على دبلوم أو دورة تأهيلية في فترة قصيرة تمكنه من أن يُسمّى "أخصائي تخاطب" دون أن يمتلك شهادة طب
ويشير إلى أن الجمعية تقدمت بطلب لوزيرة التضامن الاجتماعي بشأن بعض الحضانات التي تقوم بفتح مراكز تخاطب دون اختصاص، والتي قد تعتمد تقنيات خاطئة مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات النطق قد تصل إلى حد كتابة وصفات الأدوية، وتنصح الجمعية الدولية لطب التخاطب الأهل بضرورة التأكد من كون من يقوم بتأهيل أطفالهم يحمل بكالوريوس طب على الأقل لا دورة تأهيلية.
ويضيف أبو السعد قائلاً: "في مصر هنالك 122 حضانة مرخصة من قبل وزارة التضامن الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة، ولا يشترط أن تضم الحضانة طبيباً لأمراض تخاطب، ما يحدث أنه واعتماداً على هذا الترخيص يتم فتح مركز لتحسين لتخاطب، هناك بحسب معلوماتنا مئات الحضانات تدعي هذا الاختصاص دون أي ترخيص".
أما مدير الأكاديمية المصرية للتربية الخاصة الدكتور وليد نادي فيرى أن ظاهرة انتشار مراكز التخاطب والتربية الخاصة ذات المرجعية غير الطبية خطيرة لأنها تمس بالأطفال ذوي الإعاقة ومن لديهم احتياجات خاصة، وقد يؤدي الشخص غير المؤهل إلى انتكاسات وعرقلة تطورهم أو الإساءة إليهم.
تنصح الجمعية الدولية لطب التخاطب الأهل بضرورة التأكد من كون من يقوم بتأهيل أطفالهم يحمل بكالوريوس طب لا دورة تأهيلية
يقول: "إن من يستحق لقب طبيب تخاطب هو خريج كلية الطب المتخصص في أمراض الصوت والسمعيات وغيرها، ويجوز لطبيب أمراض التخاطب أن يحوّل المريض إلى معالج اللغة والكلام الذي يقوم بتقديم وتطوير وسائل التأهيل التدريبية وبالاستعانة بالأجهزة الإيضاحية والتعويضية المناسبة، لكن ليس للمعالج أن يقرر التشخيص والعلاج من تلقاء نفسه".
وينوه إلى وجود دورات متخصصة في كلية الطب جامعة عين شمس وفي معهد السمع والكلام يطلق على من يأخذها لقب معالج اللغة والكلام لا طبيب.
ويضيف نادي الذي يعمل أيضا مسؤولاً عن الخطط والبرامج بالإدارة العامة للتمكين الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة في وزارة الثقافة: "رخصة مزاولة المهنة قضية جدلية وعبارة عن اجتهادات تحدث دون تدخل الدولة، من لا يحصل عليها من وزارة الصحة يتقدم لوزارة التضامن الاجتماعي تحت مسميات جمعية أو مؤسسة لذوي الاحتياجات الخاصة، ثم يتم فتح مركز للتخاطب أو التربية الخاصة على أساس أنه أحد أنشطة الجمعية، ويحصل على ترخيص من الجمعية التابعة للوزارة، فلا يوجد رقابة على الإطلاق".
موجهاً دعوة لجميع الجامعات المصرية بضرورة إنشاء مراكز لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة على غرار جامعة عين شمس والتى تعد نموذجاً إيجابياً في هذا الحقل.
أما أخصائية النفسية وتعديل السلوك الدكتورة سهام حسن، فتقول: "العمل بدون دراسة يؤثر سلبًا على الطفل والأهل الذين يمرون بتجربة فاشلة مع شخص غير متخصص فتترك التجربة لديهم أزمة ثقة بالعلاج ككل، في بعض الحالات قد يكون "المعالج" غير قادر على التعامل مع المريض فيلجأ إلى تعنيفه بل وضربه أو الصراخ في وجهه الأمر الذي قد يفزع الطفل، بعض هؤلاء الأطفال يتبولون على أنفسهم بسبب فشل الأخصائي غير المؤهل بحسب القصص التي تصلنا".
"العمل بدون دراسة يؤثر سلبًا على الطفل والأهل الذين يمرون بتجربة فاشلة مع شخص غير متخصص فتترك التجربة لديهم أزمة ثقة بالعلاج ككل
وتشير إلى ضرورة أن يكون هناك نقابة للمهن الخاصة بالتخاطب وتنمية المهارات وأن يكون المعالج مسجلاً بها ومقيداً بشروطها لتجنيب الأطفال التجارب السيئة، وتشدد على عدم ترك الأطفال في جلسات خاصة مع أشخاص غير مؤهلين.
الفقر والإعاقة... خليط صعب للغاية
تقول نائبة مدير مجمع خدمات الإعاقة الشامل في عين شمس الدكتورة أماني مرسي: "يجب عدم الاستهانة بالعبء المادي المترافق مع العلاج، بعض الأهل قد يلجأ لمن هو أرخص بغض النظر عن اختصاصه".
(نورا محمد) من محافظة كفر الشيخ هي من العائلات التي تعاني بسبب الكلفة المالية للعلاج، تقول لرصيف22: "خضعت ابنتي لعملية زرع قوقعة منذ عام، ولاستكمال العلاج تحتاج لجلسات تخاطب تفوق قدرتنا المالية تبدأ من 80 وتصل إلى 200 جنيهًا، أوقفت الجلسات منذ فترة ولا زلت أبحث عن مكان ضمن امكانياتنا المادية".
يجوز لطبيب أمراض التخاطب أن يحوّل المريض إلى معالج اللغة الذي يقوم بتقديم وتطوير وسائل التأهيل التدريبية بالاستعانة بالأجهزة الإيضاحية والتعويضية، لكن ليس للمعالج أن يقرر التشخيص والعلاج من تلقاء نفسه
أمّا (غادة سيد) من محافظة الجيزة وهي أم لابن مصاب التوحد فتقول عن ارتفاع أسعار هذه المراكز: "بدأت معاناتي مع مراكز التخاطب بسبب إصابة ابني بالتوحد، أسعار المراكز لا تتناسب مع حالتنا، وسعر الجلسة قد يصل أحياناً إلى 250 جنيه، أما الأماكن المدعومة من الحكومة فبعيدة جداً عنا".
ضعف في تنفيذ التشريعات وليست ثغرة قانونية
يحسم الجدل التشريعي حول فوضى التراخيص دكتور القانون العام وعضو المجلس الأعلى لحقوق الإنسان د. عادل عامر في تصريحه لرصيف22، يقول: "قانون الصحة النفسية الصادر في العام 2018 ينص على أن من يقوم بأداء الخدمة الخاصة بالصحة النفسية أو أخصائي التخاطب يجب أن يحصل على ترخيص من وزارة الصحة حتى يقوم بمزاولة المهنة، وذلك بعد أن يقوم بتقديم الاوراق المطلوبة".
من يقوم بمزاولة المهنة دون ترخيص من وزارة الصحة يحبس لمدة عامين
ويضيف: "التراخيص التي يحصل عليها أصحابها من وزارة التضامن الاجتماعي تكون تابعة لجمعية ويكون مجالها النشاط الطبي، وهي للدقة تعني الموافقة على فتح المركز فقط وليس ممارسة النشاط الطبي، ولذلك يجب أن يعود أصحابها لوزارة الصحة".
ويشدد عامر على البند القانوني الذي ينص على أن "من يقوم بمزاولة المهنة دون ترخيص من وزارة الصحة يحبس لمدة عامين" وعلى ضرورة إنفاذ القانون وسيادته على الجميع.
في بعض الحالات قد يكون "المعالج" غير قادر على التعامل مع المريض فيلجأ إلى تعنيفه أو ضربه أو الصراخ في وجهه الأمر الذي قد يفزع الطفل، بعض هؤلاء الأطفال يتبولون على أنفسهم بسبب فشل الأخصائي غير المؤهل
ويختم "أصحاب المراكز غير المرخصة من وزارة الصحة يلجؤون لوزارة التضامن حتى يتم إعفائهم من جميع المصاريف، والحل التشريعي في هذه القضية هو أن يتم تنفيذ القانون، وعلى المتضرر من أي مركز أن يتقدم بشكوى ضده ليتم تنفيذ الضبطية القضائية ومراقبة هذه المراكز المخالفة".
أبرز الاضطرابات التي تؤدي لتأخر النطق
تعذر الأداء النطقي لدى الأطفال
لا يمكن القول في هذه الحالة إن العضلات المسؤولة عن النطق ضعيفة فهي تتحرك جيدًا خلال المضغ والبلع، إنما يواجه الطفل صعوبة في إخراج الأصوات بطريقة سليمة لأن أجزاء الدماغ المسؤولة عن تخطيط وبرمجة هذه الحركات لا تعمل بكفاءة.
طيف التوحد
يبدأ اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة ويتسبب بصعوبات على مستوى الأداء الاجتماعي سيما في المدرسة والعمل.
متلازمة داون
يحتاج الأطفال المصابون بمتلازمة داون وبغض النظر عن حدّة الإصابة إلى استشاري التخاطب لعلاج مشاكل تأخر الكلام، فجميع المصابين بها يعانون من إعاقة ذهنية وتأخر في النمو مدى الحياة.
الإعاقات السمعية
كل طفل يعاني من صعوبات سمعية سيحتاج لمساعدة في مشكلة تأخر الكلام، وقد توصل العلم إلى وضع الغرسات القوقعية في الأذن، لعلاج فقدان السمع الحاد وخاصةً للرضع والأطفال الذين يتعلمون التحدث واستخدام اللغة.
الشلل الدماغي
وهو مجموعة اضطرابات تؤثر على التوتر العضلي أو وضعية الجسد أو الحركة، ويحدث نتيجة تلف بالدماغ قبل اكتمال نموه وغالبًا قبل الولادة.
التلعثم
ويُسمى أيضًا بالتأتأة أو اضطراب الطلاقة، ويبدأ في مرحلة الطفولة، المصاب بهذا الاضطراب يعرف ما الذي يريد قوله لكنه يجد صعوبة في الحديث، قد يتحول إلى مشكلة مزمنة ويستمر حتى البلوغ، ويفيد في هذه الحالة العلاج السلوكي المعرفي أو استخدام بعض الأجهزة الإلكترونية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...