غضب وحزن عارمان خلفهما حادث حريق كنيسة الشهيد مرقوريوس أبو سيفين، بمنطقة إمبابة في محافظة الجيزة، صباح الأحد 14 آب/ أغسطس الجاري، بعدما أدى إلى وفاة 41 شخصاً وإصابة العشرات. الحادث أثار نقاشات عديدة حول "تدابير الأمن والسلامة في الكنائس المصرية" و"التغطية الإعلامية المحلية" للحوادث الجسيمة وحقوق المواطنة للمسيحيين.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول من سلّط الضوء على الحادث إذ غرّد في الساعة 11:45 ظهر الأحد: "أتابع عن كثب تطورات الحادث الأليم بكنيسة المنيرة بمحافظة الجيزة، وقد وجهت كافة أجهزة ومؤسسات الدولة المعنية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة، وبشكل فوري للتعامل مع هذا الحادث وآثاره وتقديم كافة أوجه الرعاية الصحية للمصابين". كما تقدّم "بخالص التعازي لأسر الضحايا الأبرياء الذين انتقلوا لجوار ربهم في بيت من بيوته التي يُعبد بها".
وبتوجيهات منه، شرعت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في عملية ترميم وإصلاح مبنى الكنيسة بعد عدة ساعات من الحريق.
ووجّه شيخ الأزهر أحمد الطيب بسرعة صرف إعانات نقدية عاجلة لعائلات ضحايا الحادث بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية. علاوة على فتح أبواب مستشفيات جامعة الأزهر أمام المصابين.
وكما هو معتاد في مثل هذه الحوادث، أمر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بصرف 100 ألف جنيه إعانة لكل أسرة من ضحايا الحريق و20 ألف جنيه للمصابين.
لا تدابير سلامة
حتى الآن، تُشير التحقيقات الأولية إلى حدوث "ماس كهربائي"، ولا شُبهة لوقوع عمل إرهابي، وإن كان وقوع خطأ بشري وارد وفق الملابسات المعلنة، في ما وصفه معلقون بـ"الإهمال الكنسي الشديد".
وفاقمت عدة عوامل الكارثة، من أبرزها ضيق الكنيسة وعدم وجود مخرج طوارئ، ما ترتب عليه أن معظم الضحايا وقعوا جراء التدافع. عامل آخر هو وجود عدد كبير من المصلين ورجال الدين داخل الكنيسة لأجل قداس الأحد. وعامل ثالث هو وجود الكنيسة في شارع ضيق، في الدور الثالث بعمارة سكنية، وحضانة الكنيسة في الدور الثاني، وصعوبة بلوغ رجال الحماية المدنية مركز الحريق لضيق مدخل العمارة.
"الحادث إهمال شديد واضح وضوح الشمس يجب أن تعترف به الكنيسة"... 41 قتيلاً وعشرات الجرحى في حريق كنيسة أبو سيفين في #مصر. انتقادات لافتقار الكنيسة إلى تدابير السلامة، واتهامات بتأخر "النجدة"
وعزا معلقون ومسؤولون الحصيلة الضخمة للضحايا لا سيّما من الأطفال إلى طبيعة المنطقة التي توجد فيها الكنيسة وعدم مراعاة مبناها لاشتراطات الأمن والسلامة، وهو الأمر المرتبط بالقيود على إنشاء الكنائس في البلاد.
وكتبت الصحافية مريانا سامي عبر فيسبوك: "طبعاً المبنى غير مؤهل تماماً لأي معايير أو شروط السلامة العامة وبسهولة جداً يتحول فيه حريق بسيط لانفجار وكارثة إنسانية أكبر حتى من اللي حصلت النهاردة، لأنك ببساطة في مكان مليان بشر سواء في القداس أو قاعات الاجتماعات ومدارس الأحد أو حضانة الأطفال كل ده مع عدم وجود حماية مدنية، عدم وجود فتحات تهوية، عدم وجود مخارج للطوارئ، السلالم زي ما الصور موضحة محدودة ومساحتها ضيقة وأسقف المكان كذلك".
وأضافت: "الحادث إهمال شديد واضح وضوح الشمس يجب أن تعترف به الكنيسة بل وتحاسب كل مجرم كان جزء من بناء مبنى بهذا الشكل بدون وعي ولأجل وجود مبنى خدمات وحضانه هنا وقاعة هناك ويالا نمشي الأمور ماهو ربنا بيستر بقا!".
قصص مأسوية
بُعد أكثر مأسوية اتخذه الحادث بالإشارة إلى بعض القصص الإنسانية للضحايا الذين قضوا خلاله. كانت قصة وفاة ستة أفراد من أسرة واحدة (ثلاثة أطفال توائم ووالدتهم وخالتهم وجدتهم) الأكثر قسوة.
وأوضح صحافيون أن رب الأسرة (الأم وأطفالها التوائم) كان قد توفي قبل عام، ليزداد الألم على عائلة اختفت من الوجود في حادث واحد.
أسرة أخرى فقدت ثلاثة من أطفالها وجدتهم وخالتهم بينما بقيت أم الأطفال في حالة يرثى لها. وفقدت أسرة اثنين من أطفالها وظهرت الأم وهي تلوم نفسها على إحضارها إياهم إلى القداس.
وأشادت تقارير إعلامية ومعلقون بـ"بطولة" شاب مسلم يُدعى محمد يحيى أُصيب في الحريق لإصراره على دخول المبنى ومحاولة إنقاذ الأطفال.
وعبّر كثيرون عن تقديرهم لموقف كاهن الكنيسة، الأب عبد المسيح، الذي رفض مغادرة المبنى وحاول إنقاذ المصلين حتى قضى في الحادث، وأطلقوا عليه اسم "الراعي الصالح".
لكن مقطع فيديو تُداول لاحقاً أظهر الكاهن وقد أصر على استكمال الطقس رغم انتشار الدخان، معتبرين أنه "مسؤول أمام الله عن معظم النفوس اللي ماتت، على الأقل اللي كانوا معاه في القداس في الدور الأول".
إلى ذلك، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، القمص موسى إبراهيم يعقوب، أن الفيديو المتداول لا يُثبت أن الأب استمر في الصلاة رغم علمه بحدوث حريق، قائلاً إن الراحل "ساعد في حماية وإجلاء المصلين من الكنيسة".
تأخر "النجدة"
وشكا مواطنون - بمن فيهم ضحايا كانوا داخل الكنيسة - تأخر وصول "النجدة" للأهالي الذين حاولوا إنقاذ من يمكنهم إنقاذه بجهود تطوعية. يُطلق المصريون على قوات الشرطة والحماية المدنية اصطلاح "النجدة" بسبب دور الإنقاذ الذي تقوم به في حالة الحوادث والجرائم.
قال شاهد عيان في مقطع متداول عبر الإنترنت: "مشفناش رجال الحماية المدنية، مشفناش رجال المطافي. رجال المطافي جات لنا بعد ساعة ونص، بعد ما الكنيسة اتصفّت (تدمرت)، بعد ما الناس ماتت".
لكن وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار نفى ذلك بقوله إنه في لحظة وقوع الحادث هرعت قوات الحماية المدنية لمكان الحادث، مردفاً بأن "أول سيارة إسعاف وصلت حريق كنيسة أبوسيفين بعد دقيقتين" من الإبلاغ بوقوع الحادث وذلك في تمام الثامنة و59 دقيقة صباحاً.
بعض الأمور أضفت بُعداً مأسوياً على الحادث بعد فقدان أسرتين تقريباً، والمشهد الفوضوي لتشييع الجثامين التي وزعت بين الكنائس لاستيعابها. ووجهت انتقادات للبابا تواضروس لتأخر حديثه لشعبه، وللإعلام المحلي وإعلام الكنيسة عن تغطية حريق كنيسة المنيرة
وأضاف الوزير أنه جرى الدفع بـ30 سيارة إسعاف لموقع الحادث، ونقل 55 حالة إلى مستشفى إمبابة العام ومستشفى العجوزة الحكوميين.
وتكلّم البابا
وانتقد معلقون مسيحيون تأخر حديث البابا تواضروس الثاني إلى شعبه في هذا المصاب الأليم، وعدم فتح أبواب الكاتدرائية لتشييع الضحايا عوضاً عن توزيعهم بين الكنائس للتيسير على أهالي الضحايا الذين ظهروا في مقاطع متداولة غير قادرين على بلوغ صناديق جثامين ذويهم من شدة الزحام.
قال الصحافي سامح حنين عبر حسابه في فيسبوك: "وكالعادة البابا تواضروس في حتة تانية من اللي بيحصل. يعني الكاتدرائية ماكنتش تفتح أبوابها لصلاة الجنازة عشان هي اللي ممكن تستوعب العدد ده من الجثامين والمصلين… فكان يخفف شوية ع الناس البهدلة شوية؟ وكان ممكن يصلي هو كمان ويقول كلمتين".
وخلال مداخلة هاتفية مع برنامج "مساء الخير" على قناة مار مرقس القبطية، في ساعة متقدمة من مساء الأحد، قدّم البابا التعزية لأسر الضحايا، قائلاً إنه كأب يشعر بالألم لفراق الأبناء، فكلهم أبناؤنا وبناتنا وشعبنا، وأضاف أن طبيعة الحادث تزيد من هذا الألم.
مع ذلك، شدد البابا على أهمية التحلي بالإيمان بأن الله هو الذي يعطينا الحياة وهو الذي يحدد موعد نهايتها، وكذلك الطريقة التي تنتهي بها حياتنا، وحتى لو كانت الطريقة مؤلمة إلا أننا تعودنا أن نشكره على كل حال.
وبيّن البابا أنه كان يتابع التطورات أولاً بأول مع الآباء أساقفة الجيزة والجهات المعنية، وأنه أمر بتوزيع الجثامين على عدة كنائس لتتاح فرصة مناسبة للصلاة عليهم. وختم بأن الكنيسة لن تتأخر عن تلبية احتياجات أسر الضحايا والمصابين.
انتقادات للتغطية الإعلامية المحلية
وانتقد كثيرون التغطية الإخبارية المحلية للحادث، معتبرين أنها لا تتناسب مع جسامة الفاجعة، لافتين إلى أن الإعلام المحلي لم ينشر عن الحادثة إلا بعد مرور أكثر من ساعتين على وقوعها، وتحديداً بعد نشر الرئيس المصري عنها. كما أشار المنتقدون إلى اعتماد الجمهور على وسائل إعلام عربية وأجنبية في متابعة الحادث، عازين ذلك إلى فقدان الثقة في الإعلام المحلي.
طالت الانتقادات أيضاً "إعلام الكنيسة" الذي وصف بأنه كان "خارج الخدمة" ومشغول بأخبار تقليدية بينما تغطي الصحافة العربية والأجنبية الحادث.
كتب الصحافي المصري أحمد شوقي العطار على حسابه في فيسبوك: "أخطر حاجة عملها الإعلام المصري في الكام سنة اللي فاتوا أنه قضى على مصداقيته تماماً وفقد ثقة الجمهور المصري فيه، ودفعه دفعاً لمتابعة الإعلام الأجنبي والحصول على المعلومات منه".
"إحنا مش اتنين، إحنا شعب واحد"... استياء من استخدام تعابير "شركاء الوطن" و"الأخوة الأقباط" في التعزية في ضحايا حريق كنيسة المنيرة، وآمال بأن تكون الفاجعة بداية لتمتع مسيحيي مصر بحقوق مواطنة كاملة
وأردف: "الجزيرة والعربية وسكاي نيوز من الدوحة والرياض ودبي، قدموا تغطيات استثنائية لحادث كنيسة المنيرة بالجيزة. أما القنوات الإخبارية المصرية فتحس أنها كانت بتغطي حدث حصل في تيمور الشرقية، اللي هي بلد مفيش بينا وبينها أي علاقات أساساً".
"شركاء الوطن… الأخوة الأقباط"
وأبدى فريق كبير من المعلقين على الحادث استياءً من تقديم التعزية في الضحايا باستخدام تعابير مثل "الأخوة الأقباط" و"شركاء الوطن"، معتبراً أن فيها "تمييزاً" و"فوقية" و"انقساماً وتحزباً" و"انتقاصاً من حقوق ومكانة المسيحيين"، وشدد على أن المصاب مصاب وطن بأكمله وليس مصاب فريق من مواطنيه. وأعرب مواطنون مسيحيون عن استيائهم من هذه التعابير أيضاً.
غرّدت الصحافية نانسي صليب: "معندكمش أي فكرة والله كل التعزيات اللي المشاهير كتبوها واللي بتبتدي بـ‘كل التعازي لأخواتنا الأقباط‘ ضايقت الواحد أد إيه. بتعزيني في مين بجد؟ ما تعزيني وتعزي نفسك ما دول مصريين زيي وزيك... هو أنا هندي وهم هنود ماتوا على أرضك بتعزيني فيهم؟!". وكتبت الصحافية رشا الشامي: "عزي أهالي الضحايا عادي من غير ما تميزهم بإخواتنا الأقباط، إحنا مش اتنين، إحنا شعب واحد".
وانتهز معلقون الفرصة وأعربوا عن أمنيتهم أن تكون هذه الحادثة دافعاً إلى حصول المواطنين المسيحيين على حقوق مواطنة كاملة تسمح لهم بإقامة الكنائس وفق الاشتراطات اللازمة للسلامة، وغيرها من الحقوق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 21 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت