لم يعتبر حدث طعن الكاتب البريطاني الهندي سلمان رشدي في إيران الصاخبة سياسياً واقتصادياً، حدثاً عابراً، إذ أن البلاد معقل فتوى أباحت هدر دمه، أصدرها مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني عام 1989، بل وعرضت إيران مكافأة قدرت بـ3 ملايين دولار لقاتل المسيء للإسلام والنبي محمد في روايته "آيات شيطانية".
وفي أول رد رسمي من طهران على الحادث وبعد ثلاثة أيام من وقوعه، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اليوم الاثنين في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، وجود أي علاقة لبلاده بمنفذ الهجوم على رشدي، وقال ناصر كنعاني: "ننفي بشكل حاسم ورسمي أي علاقة بمنفذ الهجوم"، مؤكداً: "لا يحق لأحد أن يتّهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
عنونت صحيفة "جَوان" المقربة من الحرس الثوري تقريرها بـ"سَهم الغيب"، ورسمت صحيفة "جام جَم" كاريكاتيراً من سلمان رشدي تظهر إحدى عينيه مصابة، تحت عنوان "عميت عين الشيطان"
وقال كنعاني: إن بلاده "لا تعتبر أن أحداً يستحق اللوم أو الإدانة غيره ومؤيديه"، وأضاف: "سلمان رشدي عرّض نفسه لغضب الناس جميعاً، وليس المسلمين فقط، بل أيضاً أتباع الديانات السماوية الأخرى، من خلال الإساءة للمقدسات".
واعتبر متحدث الخارجية الإيرانية أن حرية التعبير لا تبرر إساءة سلمان رشدي للدين في كتاباته، مشيراً إلى أن إيران ليس لديها معلومات أخرى عن مهاجم رشدي غير ما ظهر في وسائل الإعلام.
مقابل رد الفعل الرسمي الإيراني، أشادت الأوساط المحافظة في إيران بالحادث علنياً. "إنا من المجرمين لمنتقمون"؛ بهذه الآية القرآنية علق الباحث السياسي الإيراني المحافظ ياسر جبرائيلي، على محاولة طعن سلمان رشدي في نيويورك قبل أيام.
كما شهدت إيران احتفاءً إعلامياً من جانب وسائل إعلام التيار المحافظ، وخصصت الصحف الإيرانية المحافظة صفحاتها الأولى بخبر وصور الحادث، وعنونت صحيفة "جَوان" المقربة من الحرس الثوري تقريرها بـ"سَهم الغيب"، تفسيراً لطعنات سلمان رشدي. ورسمت صحيفة "جام جَم" كاريكاتيراً من سلمان رشدي تظهر إحدى عينيه مصابةً، تحت عنوان "عميت عين الشيطان".
أما صحيفة "كَيهان" التابعة لمكتب المرشد الأعلى فرفعت السقف عالياً، ووعدت بقتل آخرين، قائلة: "سلمان رشدي ابتلي بالانتقام الإلهي وسيأتي دور ترامب وبومبيو"، اللذين تهددهما إيران دائماً بالانتقام بسبب عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني في مطار بغداد مطلع عام 2020.
عملية رادعة لمن يفكر بإهانات المقدسات
وفي سياق ردود الفعل المحافظة، وصف الباحث الإيراني في الشؤون الإسلامية علي رضا كُميلي، عبر مقال في صحيفة "إيران" التابعة للحكومة، عملية طعن سلمان رشدي بأنها تدل على وجود الحماس الإسلامي والغيرة على المعتقدات والأحكام الإسلامية لدى المسلمين، حسب تعبيره.
واعتبر كُميلي العمليةَ رادعةً أمام الأشخاص الذين وجهوا الإهانات للإسلام، وأحرقوا القرآن، مؤكداً أن نتائج محاولة اغتيال رشدي إيجابية رغم ما ينفقه الغرب في سبيل الإساءة للدين الإسلامي.
وعبر مدير مسؤول صحيفة "هَمْشَهري" المحافظة عبد الله گَنجي، عن فرحته تجاه "المغردين الشباب الذين لم يروا الخميني لكنهم ملأوا منصات التواصل بنص فتواه عن سلمان رشدي"، كما أكد أن هذه العملية ليس لها أي علاقة بالجمهورية الإسلامية.
أما وسائل الإعلام الإصلاحية والمعتدلة اتخذت لهجة أقل حدة من نظيراتها المحافظة، لم ترحب ولم تندد بالحادث، بل طرحت بعضها تساؤلات عن سبب الحادث، وبعضها الآخر عن توقيت الحادث حيث أنه تزامن مع مرحلة حساسة من المفاوضات النووية.
وعنونت صحيفة "آرمان امروز" الإصلاحية تقريراً لها بـ"مرحلة جديدة من الإيرانوفوبيا تحت عنوان سلمان رشدي"، وناقشت في ملفها اليومي مع المعنيين في هذا الشأن تأثير حادث نيويورك على تعزيز مشروع الإيرانوفوبيا، حسب تعبيرها.
من جانبها تطرقت صحيفة "دنياي اقتصاد" المعتدلة، إلى استهداف رشدي واتهام إيران بالتخطيط لاستهداف مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، بالتزامن مع نهاية المفاوضات النووية، وفسرت ذلك ضمن نظرية المؤامرة ضد إيران.
وقال الباحث السياسي الإصلاحي عباس عبدي: "لست من يؤمن بنظرية المؤامرة، ولكن تزامن أخبار التخطيط لقتل بولتون واستهداف سلمان رشدي، على مشارف الانتهاء من المفاوضات النووية، بالنسبة لي غير قابل للتصديق".
وذهب الناشط السياسي الإصلاحي فريد مدرسي إلى أكثر من ذلك، وغرد: "حادث طعن سلمان رشدي خطة إسرائيلية بتنفيذ منظمة مجاهدي خلق المعارضة، وقد باتت أمريكا غير آمنة كي يزداد الصراع بين إيران والولايات المتحدة لصالح إسرائيل".
كما تساءل مستشار الوفد المفاوض الإيراني محمد مرندي، في تغريدة باللغة الإنكليزية عن هذه المزامنة التي تحدث عنها الخبراء، ولكن لم تمر تغريدته بسلام من بين أنصار الحكومة المتشددين، لتنهال عليه الشتائم علناً، واصفة موقفه بغير المسؤول تجاه فتوى الخميني.
"من المخجل أن مستشار الوفد المفاوض الإيراني مَرَندي، يتحدث بنفس الأسلوب السلبي ومنطق الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، إذ يرى إحياء الاتفاق النووي مبدأ تُضايِقه فتوى الإمام الخميني"؛ كان هذا نقداً لاذعاً من الناشط الإعلامي المتشدد أمير حسين ثابتي والذي تلقى ترحيباً كبيراً من السياسيين المتشددين والمعارضين لمفاوضات إحياء الاتفاق النووي، والتي يبدو أنها دخلت محطتها الأخيرة.
اغتيال ترامب وبومبيو وجان بولتون
وجاء في تعليق آخر من الباحث في الشؤون الأمريكية أمير علي أبو الفتح، في محاولة لعدم تحميل النظام الإيراني المسؤولية عن فتوى أصدرها مؤسس النظام قبل 33 عاماً: "هذه من النقاط الملفتة للنظر في عالم السياسة، حيث أن طاعن سلمان رشدي لم يكن من مواليد أو مواطني الدول الإسلامية، بل من مواليد ومواطني الولايات المتحدة، حيث استهدف سلمان رشدي".
عسكرياً تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي تصريحات قائد قوة القدس في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني، التي هدد بها ترامب وبومبيو سابقاً: "على ترامب وبومبيو أن يتعلما العيش كما يعيش سلمان رشدي. لا يمكن أن يقوما بتنفيذ جريمة اغتيال الشهيد سليماني ويتمتعا في نفس الوقت بحياة هانئة".
كما غردت الصحافية في مجال الشؤون الأمنية بالتلفزيون الإيراني آمنة سادات ذبيح پور: "ظِلُّ الانتقام بات كابوساً لقاتلي الجنرال سليماني. إنهم لم يروا الطمأنينة بعد مقتل حاج قاسم"؛ مستخدمة وسم #جان_بولتون.
تحدي إيراني بشتم السعودية وإيران
واشتعل موقع تويتر بتغریدات ناریة ومسيئة بين الإعلاميين في القنوات الناطقة بالفارسية في خارج البلاد كقناة "بي بي سي فارسي" و"إيران إنترنشنال" وبين نظرائهم من التيار المحافظ في داخل البلاد، وذلك حول التنديد باستهداف سلمان رشدي.
وبينما اتهم الصحافيون في الخارج، النظامَ الإيراني بدعم العمليات الإرهابية والتحريض على قتل الآخرين، رد الناشطون الإعلاميون في داخل إيران أنه لا يحق لمن يعمل في القنوات الممولة من قبل السعودية التي تقتل الصحافيين أمثال جمال خاشقجي في سفاراتها، أن يتفوه بكلمات عن حقوق البشر والإرهاب.
ردّ المنشد الديني الإيراني محمد حسين پُويَانْفر على تغريدة فرَحزاد قائلاً: "إذا كنتَ تملك شرفاً فاكتبْ عن جريمة قتل جمال خاشقجي أيها المرتزق السعودي!"
"الدولة الوحيدة التي تحرض رسمياً على قتل كاتب وتدافع عن ذلك هي الجمهورية الإسلامية، أي دولة أخرى ومهما كانت مستبدة ورجعية، على الأقل ولو لحفظ الظاهر تدين اغتيال الكاتب"؛ هكذا صرح المذيع في قناة "إيران إنترنشنال" الممولة سعودياً فَرداد فَرَحزاد.
وردّ المنشد الديني الإيراني محمد حسين پُويَانْفر على تغريدة فرَحزاد قائلاً: "إذا كنتَ تملك شرفاً فاكتبْ عن جريمة قتل جمال خاشقجي أيها المرتزق السعودي!".
فردّ عليه فرحزاد: "من أمَر بقتل جمال خاشقجي وكلّ من شارك في هذه الجريمة الشنعاء، ليسوا بشراً، وآمل أن ينالوا عقابهم، كما أن السعودية إحدى أبرز الدول الرجعية في العالم. والآن أنت إذا كنت تملك شرفاً وجرأة قل هذا في حق الخميني والجمهورية الإسلامية".
لم تتلق هذه التغريدة رداً من پویانْفر، ونالت إعجابات بنحو 10 آلاف، واستمر هذا التحدي حيث توالت مئات التعليقات المسيئة لأنصار الطرفين أسفل التغريدات.
وإلى جانب ردود الفعل الإيرانية التي ذُكرت، حرص القليل من المفكرين والناشطين داخل البلاد على التقبيح والتنديد بعملية استهداف سلمان رشدي تحسباً لأي ردة فعل من عامة الناس وخاصة الفئة المتشددة دينياً، منهم الصحافي والسياسي البارز أحمد زيد آبادي الذي نشر مقالاً كتب فيه: "يمكننا أن ندين اغتيال رشدي، كما ونقوم بتقبيح نشر كتاب آيات شيطانية"، و أردف هذا الناشط الإصلاحي: "من منظار إنساني يمكن التعاطف مع رشدي لما تعرض له من جروح جسدية، ولكن هذا الأمر ليس له تأثير على صحة أو عدم صحة سلوك الرجل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...