تواصل الميليشيات المدعومة من إيران والمتمثلة في مجموعات من حزب الله اللبناني ولواء فاطميون، إنشاء التحصينات العسكرية في المواقع التي تمركزت فيها مؤخراً في محافظة درعا في جنوب سوريا بالقرب من الحدود مع الأردن، حيث قامت بحفر سلسلة من الأنفاق، لوصل جميع النقاط التابعة لها، وتستخدم هذه الأنفاق لأغراض متنوعة.
كما أرسلت تعزيزات عسكريةً جديدةً قادمةً من دمشق، تتضمن آليات وسيارات مزودةً بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وتم توزيع عناصرها على عدد من النقاط، بالقرب من القاعدة الجوية غرب مركز الجمارك القديم في درعا، وثلاثة من المخافر الحدودية في المنطقة، بالقرب من بلدة تل شهاب وبلدة خراب الشحم على طول الشريط الحدودي بين سوريا والأردن، بلباس جيش النظام. كما عززت مواقعها بالقرب من الحدود السورية-الأردنية بآليات ثقيلة من بينها دبابات ورشاشات ثقيلة، وتمت العملية بإشراف من الحرس الثوري الإيراني.
ومنعت الميليشيات الإيرانية التي انتشرت في المنطقة، قوات الأمن العسكري والفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري، بالإضافة إلى عناصر التسويات من أبناء المنطقة، من التمركز في تلك النقاط، وعهدت إلى قادة فصائلها بالإشراف المباشر عليها، وفق ما يذكر تجمّع أحرار حوران الذي يتابع أخبار المنطقة الجنوبية ويتخذ من العاصمة الأردنية عمّان مقراً له.
سلب الأراضي
وبدأت عمليات التحصين التي تقوم بها القوات المدعومة من إيران، منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي، وذلك بالتزامن مع منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في منطقة الرحية الزراعية، في أقصى جنوب شرق درعا البلد، بحجة أن المنطقة تشهد عمليات عسكريةً مستمرةً بالقرب من الحدود الأردنية.
بدأت عمليات التحصين التي تقوم بها القوات المدعومة من إيران، منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي، وذلك بالتزامن مع منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم
يروي أحد المدنيين الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، لرصيف22، كيف "منعته القوات الإيرانية من دخول المنطقة لزراعة أرضه بحجة أن المنطقة أصبحت عسكريةً، بالرغم من أنها ليست قريبةً من الحدود، لكن هذا الإجراء تم اتّباعه مع جميع أصحاب الأراضي في المنطقة لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، إذ لم يقتصر الأمر على أصحاب الأراضي القريبة من الحدود، وذلك لأن القوات الإيرانية تقوم بحفر الخنادق والأنفاق، وتقوم بتعزيز نقاطها في المنطقة، ولذلك تخشى من كشف مواقعها وحجم التعزيزات وعدد العناصر المتواجدة هناك".
ويُقول: "بحسب المعلومات المتداولة والموثقة من أكثر من جهة تتابع ما يحصل، تعمل القوات الإيرانية على تخزين المخدرات داخل الأنفاق التي حفرتها في المنطقة، وذلك من أجل سهولة نقلها وتهريبها إلى الأردن عند توافر الظروف المناسبة، كما أنها بدأت أيضاً بزراعة الحشيش في الأراضي التي استولت عليها، وشوهدت سيارات القوات الإيرانية المتوجهة إلى المنطقة، وهي محملة بآليات تصنيع الحبوب المخدرة، ما يدل على أنها تعمل على إنشاء مكبس حبوب مخدرة، وهذا يعني أن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لن تعود إلى أصحابها".
يضيف: "يتكبد جميع أبناء المنطقة خسائر كبيرةً بسبب التمدد الإيراني، إذ خسرنا مصدر رزقنا في الاستمرار في زراعة أراضينا في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية سيئة، كما أنه وبسبب عدم قدرة القوات الإيرانية على تهريب المخدرات إلى الأردن تقوم ببيعها داخل سوريا، وباتت سوريا بأكملها وبشكل خاص مدن الجنوب السوري بؤرةً لتصريف الحبوب المخدرة، وبات معظم الشباب يتعاطون المادة المخدرة، إذ يجدون في تلك الحبوب حلاً سهلاً للهرب من ضغوط الحياة والتخلص من أعبائها".
ملء الفراغ الروسي
استثمرت إيران في الانسحاب الروسي من نقاط تواجده في الجنوب السوري على الحدود الأردنية بعد الحرب الأوكرانية، وعززت نقاطها في المنطقة من خلال إنشاء كتائب جديدة لتكون بمثابة أداة لها في تكريس نفوذها الجديد، بعد اضطرارها إلى الانسحاب من نقاطها في ريف دمشق على الحدود مع إسرائيل، وذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية من تجارة المخدرات.
تعمل القوات الإيرانية على تخزين المخدرات داخل الأنفاق التي حفرتها في المنطقة من أجل سهولة تهريبها إلى الأردن، كما بدأت بزراعة الحشيش في الأراضي التي استولت عليها
لكن يبدو أن الانسحاب الروسي من المنطقة لم يكن بسبب الحرب الأوكرانية، وإنما للضغط على حلفاء الولايات المتحدة، الذين يعتقدون أن القوة الوحيدة القادرة على وقف نشاط القوات الإيرانية هي روسيا، في حين لم تستطع روسيا منذ 2018 ممارسة أي ضغط حقيقي لإيقاف تمدد الميليشيات الإيرانية، وإنما استغلت تلك المخاوف لمصالح سياسية.
وفي هذا السياق، يقول أيمن أبو نقطة، الناطق الرسمي باسم تجمع أحرار حوران: "على الرغم من التحذيرات الشديدة التي أطلقها الأردن، مؤخراً، بسبب خشيته من قيام إيران بملء الفراغ الذي ستخلّفه القوات الروسية في حال انسحابها من الجنوب السوري، وانعكاس ذلك على سياسة الأردن إزاء دمشق، تواصل الميليشيات الإيرانية نشاطاتها المشبوهة في المنطقة غير عابئة بتأثيراتها السلبية على العلاقة بين دمشق وعمان، وهذا يعكس مدى قلق طهران من وجود تحركات خفية قد تأتي عبر الحدود أو عبر قاعدة التنف يجري التجهيز لها لتغيير واقع المنطقة".
ويتابع في حديثه إلى رصيف22: "تقوم الميليشيات الإيرانية بالتحرك بشكل استباقي في الجنوب ضمن محافظاته الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء، عبر إرسال التعزيزات العسكرية المتمثلة في مئات العناصر، الذين يجري نقلهم من دمشق إلى درعا بعد منتصف الليل، بهدف منع رصد تلك التعزيزات، واستهدافها من قبل إسرائيل، وتتم العملية على مراحل، إذ يتم نقل المجموعات على دفعات عدة مزوّدةً بأسلحة خفيفة ومتوسطة. كما تقوم بإنشاء التحصينات بشكل مستمر، بهدف تأمين شحنات المخدرات والأسلحة التي يتم تهريبها إلى الأرضي الأردنية".
القلق الأردني
يقول الملك عبد الله الثاني، إن بلاده تواجه المزيد من المشكلات مع الميليشيات الشيعية على حدودها مع سوريا، وتتمثل في تهريب المخدرات والأسلحة
وجاءت الخطوة الإيرانية هذه بعد تصاعُد التصريحات الأردنية خلال الفترة الماضية ضد قواتها جراء تواصل عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين. ووجهت تلك التصريحات اتهامات مبطنةً إلى النظام السوري بالتواطؤ مع القوات الإيرانية وفتح المجال أمام عمليات التهريب التي تشهدها المنطقة، والتي توشك أن تصير دائمةً، إذ لا يمضي يوم من دون ضبط شحنة مخدرات قادمة من الأراضي السورية، ما دفع الأردن إلى فرض قواعد جديدة للاشتباك وإعلان النفير شبه الدائم على طول خط الحدود مع سوريا.
وأعلن مدير الإعلام العسكري الأردني، مصطفى الحياري، في مقابلة تلفزيونية على قناة المملكة الحكومية، في 23 أيار/ مايو الماضي، أن القوات الأردنية تواجه حرب مخدرات على الحدود الشمالية الشرقية للأردن، مشيراً إلى أن "السنوات الثلاث الأخيرة شهدت زيادةً مضاعفةً لعمليات التهريب والتسلل. والمجموعات المهربة تتلقى دعماً أحياناً من مجموعات غير منضبطة من حرس الحدود السوري، ومن مجموعات أخرى، وتالياً هي عمليات ممنهجة".
أما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فقال في 24 حزيران/ يونيو الماضي، في مقابلة مع قناة CNBC الاقتصادية، إن بلاده تواجه المزيد من المشكلات مع الميليشيات الشيعية على حدودها مع سوريا، وتتمثل في تهريب المخدرات والأسلحة وعودة تنظيم "داعش"، بسبب تراجع نفوذ روسيا في سوريا بسبب انشغالها في الحرب الأوكرانية. وتابع: "الأردن ينظر إلى الوجود الروسي في سوريا كعنصر إيجابي، إذ كان مصدر استقرار وشكّل عامل تهدئة".
وأحرق الجيش الأردني الغطاء النباتي الذي يفصل الحدود السورية عن الحدود الأردنية في وادي اليرموك، بواسطة القنابل والرصاص خلال الفترة الماضية، بهدف تأمين رؤية أكثر وضوحاً ومنع مهربي المخدرات من الاختباء فيه، على خلفية تزايد عمليات تهريب المخدرات نحو العمق الأردني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...