انتشرت في الآونة الأخيرة مطالبات بإعدام محمد عادل، قاتل الطالبة نيرة أشرف، على الهواء مباشرة؛ لكي يكون عبرة وعظة لمن يقتل نفساً، وردعاً لأي شخص يحاول ابتزاز أي فتاة وتنفيذ جريمة القتل، لكن ماذا عن الأثر النفسي الكامن وراء مشاهدة الإعدام؟ كيف تؤثر مشاهدة الإعدام على أهل المتهم أو أهل الضحية؟ وماذا عن نفسية "عشماوي" المنفذ لحكم الإعدام؟
تأثير مشاهدة الإعدام على أهل الضحية
قد يعتقد البعض أن مشاهدة أهل الضحية نيرة أشرف لإعدام قاتلها محمد عادل، سيمثل ترياقاً لآلامهم النفسية، ويشفي صدورهم بالقصاص ممن قتل حبيبتهم الغالية، لكن للطب النفسي رأي آخر.
تقول الدكتورة نهلة برهام، استشارية الطب النفسي والأعصاب، في حوارها مع رصيف22: "قد يشاهد أهل الضحية إعدام المتهم في بعض الدول، ومن الضروري حضورهم لهذه الجلسات؛ لكي يعلموا بتحقيق العدالة ونيل المجرم العقاب الأمثل له، لكن حضور أهل الضحية يُنشئ مشاكل أكبر لديهم، فلن يملأ الفراغ العاطفي والوجداني للضحية المفقودة جراء القتل".
انتشرت في الآونة الأخيرة مطالبات بإعدام محمد عادل، قاتل الطالبة نيرة أشرف، على الهواء مباشرة؛ لكي يكون عبرة وعظة لمن يقتل نفساً، وردعاً لأي شخص يحاول ابتزاز أي فتاة وتنفيذ جريمة القتل، لكن ماذا عن الأثر النفسي الكامن وراء مشاهدة الإعدام؟
وأضافت: "يظل الأهالي في آلام نفسية حتى بعد مشاهدتهم لحكم الإعدام، فعلى الرغم من سعادة البعض منهم بالقصاص، لكنهم يعانون بعد ذلك من الفراغ الذي تركته الضحية في قلوبهم، فلن يجد ابنه أو ابنته في غرفتهم ولن يتحدثوا معه/ا مرة أخرى ويسمعوا صوته/ا، وعلى العكس، قد يرغبون بعدها بعدم إعدام المتهم، بل معاناته لمدة طويلة بدلاً من إنهاء حياته بسهولة".
تقول ابتهال (اسم مستعار) 50 عاماً، ربة منزل: "فقدت ابنتي الصغيرة وهي في العاشرة من عمرها، كانت طفلة جميلة للغاية وروحها مرحة، حاول القاتل أخذها بالعنف واغتصابها لكنها ماتت بين يديه، واستطاعت الشرطة القبض على القاتل المغتصب، وحُكم عليه بالإعدام"، وأضافت لرصيف22: "أنا لا أرفض إعدامه، فهو يستحق ذلك وأرغب في إعدامه بنفسي كل يوم إن أمكن، لكن هل أعاد الإعدام ابنتي للحياة؟".
بمعنى آخر، لا يتمكن أهل الضحية من التعامل مع فقدان أحبائهم حتى بعد إعدام المتهم، فهذا لن يحلّ مشكلتهم في الحياة، فكل ركن وكل لحظة تذكرهم بالعزيز/ة الذي فقدوه/ا وكذلك لن تنغلق جراحهم بمشاهدة الإعدام.
تأثير مشاهدة الإعدام على أهل المتهم
هل فكرتم/نّ يوماً ما هي مشاعر أهل المتهم عند مشاهدتهم للحظة الإعدام؟
على الرغم من ارتكاب المتهم جريمة شنيعة كالقتل أو غيرها من التهم، يظل لدى الأهل مشاعر تجاهه تجعلهم يتأثرون للغاية عند سماع الحكم، ومع كل جلسة حكم أو استئناف يتجدد لديهم الأمل بتخفيف الحكم.
وقد تبيّن أن تكرار الزيارات للمتهم من قبل أهله والمحادثات وبثّ الآمال في توكيل أكبر المحامين، ومحاولتهم جمع أدلة لتبرئته أو تخفيف الحكم عليه، يجعل الأهل يعانون لفترات طويلة ويجعلهم أكثر تشبثاً بالأمل، ما يسحق نفسيتهم عند تنفيذ الحكم بالإعدام.
وفقاً لتقرير صدر عن مشروع تكساس بعد العنف، اتضح أن مشاهدة أهل المتهم للإعدام له آثار سلبية على الصحة النفسية من إصابتهم بأمراض نفسية مثل:
• القلق والتوتر.
• الاكتئاب.
• اضطراب ما بعد الصدمة.
قد يعاني أهل المتهم من صعوبات لجهة الحصول على العلاج النفسي، ويترددون في طلب المساعدة، سواء من أفراد الأسرة أو من الطبيب النفسي؛ لأنهم يولون أهمية أكبر لمساعدة المتهم ودعمه نفسياً بدلاً من مساعدة أنفسهم.
تأثير مشاهدة الإعدام على السجان
هل تعتقدون/ن أن السجان أو ضابط الإصلاحية لا يتأثر بإعدام المسجون؟
في الواقع، يتأثر السجان وضباط الإصلاحية وكذلك الحراس بمشاهدة لحظات الإعدام أو تنفيذها، ولكن لا تظهر هذه الأمور للعامة من الناس، فغالباً يُعرف منفّذ حكم الإعدام في مصر بـ"عشماوي" وينظر عليه كأنه "عزرائيل البشري"، لكن ماذا عن مشاعره ونظرة المجتمع له؟
نظراً لوجود تأثير نفسي سلبي خطير على منفذي حكم الإعدام من إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة والتوتر والقلق، وقد يصل الأمر أحياناً للإصابة بالكوابيس المفزعة ليلاً والأرق، حاولت السلطات في الولايات المتحدة الأميركية تقليل التدمير النفسي على هؤلاء الأشخاص جراء عملهم الصعب.
"أنا لا أرفض إعدامه، فهو يستحق ذلك وأرغب في إعدامه بنفسي كل يوم إن أمكن، لكن هل أعاد الإعدام ابنتي للحياة؟"
يُجرى الإعدام في أميركا بعدة طرق، أهمها الإعدام بجرعة سامة تقتل المتهم، لذلك يستخدمون عدداً من الحراس لتنفيذ الحكم وليس فرداً واحداً، و3 حقن مختلفة منها حقنة واحدة سامة.
يحقن كل فرد مسؤول عن تنفيذ الإعدام أحد الجرعات دون علمه بأي الجرعات هي المميتة؛ بغية التقليل من وطأة الاضطرابات النفسية التي تصيبهم، فكل فرد لديه احتمال بحقن المتهم بحقنة فارغة.
ولكن اتضح أنه عند تنفيذ فكرة الـ 3 حقن، لم تقلّل هذه التجربة من شعور منفذي الإعدام بالذنب، ومع تكرار عمليات الإعدام تسوء حالتهم النفسية ويحتاجون لعلاج نفسي يدوم لسنوات.
تنشأ داخل السجن علاقات وتعاملات بين الحراس والسجناء، وقد ينشأ تعاطف مع قصصهم وحالاتهم الفردية، ما يصعب الأمر على الحارس إذا كان هو المسؤول عن تنفيذ حكم الإعدام.
في هذا الصدد، تقول الدكتورة نهلة برهام: "لم تقابلني حالة لسجان أو ضابط إصلاحية يعاني من تنفيذ حكم الإعدام حتى الآن في حياتي العملية، قد يرجع السبب لعدم اهتمام ووعي الأفراد بأهمية العلاج النفسي، لكن ذلك لا ينفي أن بعضاً منهم يعاني من اضطرابات نفسية بسبب عمله".
وأضافت: "لدي صديقة طبيبة نفسية جاء إليها سجان بالفعل لحضور جلسة واحدة فقط ولم يأت مرة أخرى ليكمل العلاج، وقد جاء بعد إلحاح شديد من أشد المقربين له، بحيث كان يعاني من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ويحتاج لعلاج مكثف، لكنه يخشى نظرات المجتمع له، ويهاب علم زملائه في العمل بأمر علاجه النفسي، فهذا يعد لديهم وصمة عار".
قد تخفف خطوات بسيطة من التأثير النفسي والتعاطف عند السجان مع المتهم مثل: أخذ المحكوم عليه بالإعدام إلى مكان تنفيذ الحكم وتغطية وجهه، لكن يتأثر السجان نفسياً بالأمر أيضاً، مع العلم بأنه لا يتأثر جميع السجانين والضباط بمشاهدة الإعدام، فأحياناً يعتادون على مشاهدته يومياً، ويصبح أمراً سائغاً كمشاهدة فيلم سينمائي مسلٍّ.
هذا ينقلنا لنقطة هامة، وهي تأثير مشاهدة العنف والقتل على النفس البشرية، حيث أشارت الدكتورة نهلة برهام إلى أن: "كثرة مشاهدة العنف أياً كانت صورته، من قتل عمد أو دون قصد إلى إعدام المتهمين، يجعله مستساغاً تدريجياً لدى بعض الأفراد، والبعض الآخر يتحطم داخلياً وتصيبه الاضطرابات النفسية، وبكل حال من الأحوال يفضل عدم إجراء الإعدام على الهواء حفاظاً على نفسية الشعب وأهل المتهم".
ختاماً، بعد عرض كل ما سبق من حقائق نفسية تخص تأثير مشاهدة الإعدام من قِبل الأفراد المعنية بالقضية فقط، سواء أهل الضحية أو أهل المتهم، بالإضافة إلى منفذي حكم الإعدام، هناك حقيقة مشتركة بينهم جميعاً، وهي التأثير النفسي السلبي عليهم جميعاً، وهذا يعني عدم جدوى تنفيذ الحكم علناً على الهواء، فهذا لن يطفئ نيران الفراق لمن يتعلق الأمر بهم كأهل الضحية، ولن يعوض غياب ابنهم/ابنتهم عنهم، ولن يشفي صدورهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين