شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أصالة تغني

أصالة تغني "أز كفوكم" والأكراد يردّون... تراثنا ليس مالاً سائباً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 28 يوليو 202212:33 م

أطلقت الفنانة السورية أصالة نصري، مساء الأحد 24 يوليو/تموز، أغنيات من ألبومها الجديد "شايفة فيك" ومنها الأغنية "أز كفوكم" الكردية التي حظي أداؤها باستحسان كبير من الجمهور الكردي خلال الساعات الأولى من صدورها، لا سيما أنها المرة الأولى التي تغني أصالة باللغة الكردية في مسيرتها الفنية منذ تسعينيات القرن الماضي.

بيد أن الاستحسان لم يمنع الغضب الذي أظهرته شريحة واسعة من الكرد بسبب نسب اللحن والكلمات إلى الموزع الموسيقي الشاب "آري جان سرحان" وهو موسيقي وعازف بزق كردي سوري من مواليد 1986 في الحسكة سوريا، أطلق أول ألبوم له في العام 2017.

أصالة سارقة أم مخدوعة؟ 

كثيرون اتهموه بخداع أصالة في حال جهلها أصل الأغنية المشهورة التي تنتمي للفولكلور الكردي، معتبرين ما قام به "سرقة ملكية فكرية" إذ كُتب في وصف الأغنية "إعداد الكلمات واللحن آري جان" وأضيفت جملة "تراث كردي" بين قوسين على وصف الأغنية في قناة أصالة نصري.


قال الناشط الكردي مسعود عكو على حسابه في فيسبوك: "لا أعرف لماذا يستهتر البعض بسرقة آري جان لأغنية الفنان الكردي الكبير حسن جزيري (Kevokim lê lê) وهي أشهر أغانيه وإعطائها للفنانة أصالة لتغنيها. لهذه الأغنية مؤلف وملحن واضح ومسجلة بصوته في القسم الكردي لإذاعة بغداد في خمسينيات القرن المنصرم، وموثقة في اليونسكو كإرث ثقافي كردي".


وكتب الكاتب الكردي حليم يوسف على صفحته في فيسبوك: "لفتة جميلة من الفنانة أصالة نصري أن تغني بالكردية، إلا أنها لم تكن خطوة مدروسة كما يجب، الأداء رائع، إلا أن الكلمات التي تظهر مكتوبة في الفيديو لا تتطابق مع الكلمات المسموعة في الأغنية، عدا عدم ذكر المصدر الأصلي لكلمات الأغنية وللحنها، أتمنى أن يتم تجاوز مثل هذه الأخطاء في أغنية قادمة. شكرا أصالة، ولكن كان يمكن أن تكون "الحمامة" أجمل".

خلطة كردية جزراوية سريانية عربية أرمنية

 

جاءت الأغنية مزيجاً من ثلاث أغنيات: الأغنية الكردية التراثية "Ez Kevokim" وتعني (أنا حمامة) والأغنية الجزراوية "خلونا الليلة نغني" للفنان ابراهيم كيفو، مع مقطع من الزجل الشعبي السرياني المغنى باللغة العربية "على ضوك يا قمر تفاح حلو حشنا ومن المسا للصبح خدود حمر بسنا" إلا أنها سميت على اسم الشق الكردي فقط.

تعود أغنية "أز كافوكم" للفنان الكردي الراحل حسن فتاح أحمد المعروف باسم حسن جزيري، وهو ولد في جزيرة بوتان في كردستان تركيا عام 1917 ومات عام 1983 في زاخو بكردستان العراق. 

كان حسن جزيري صاحب الأغنية الكردية الأصلي ضريراً ويتأتئ في الكلام ولكنه طليق لدى الغناء

سجل أول أغنية له عام 1933 بمدينة قامشلي على أسطوانة فونوغراف. في عام 1942 امتهن الفن وسجل أول ألبوم له في القسم الكردي من إذاعة بغداد، وتعد أشهر أغانيه (Kevokim lê lê Ez - Lȇ Dȋnȇ ). 

أما الجزء العربي من الأغنية التي غنتها أصالة فهو من أغنية من التراث الجزراوي ويعود للفنان ابراهيم كيفو من قرية دوكر بمحافظة الحسكة، وهو ملحن وعازف ومغن سوري أرمني الأصل، إضافة إلى كونه باحثاً في التراث الموسيقي.

شارك كيفو في أغلب دورات مهرجان الأغنية السورية، وله مشاركات واسعة عل المهرجانات العالمية والأوروبية خصوصاً، وحصل على عدة جوائز عالمية كجائزة شارل كروز في باريس عام 2010. 

عبّر كيفو عن أسفه على حسابه على فيسبوك ممزوجاً بالقهر والغبن بحسب وصفه، واعتبر أن أغنيته تمت سرقتها لعدم وجود استئذان أو تنويه لاسمه، يقول: "أنا لدي أغنية من أجمل ما غنيت بمشواري الفني تحمل اسم (خلونا الليلة نغني) وهي أغنية عربية باللهجة الجزراوية من كلمات صديقي العزيز عزت الحديدي وضعت عليها اللحن وأديتها للمرة الأولى في مهرجان الأغنية السورية عام 1998 في قلعة حلب ولاقت استحسان الجمهور على مستوى سوريا، وما زالت موجودة بأرشيف الإذاعة والتلفزيون السوريين، وإلى يومنا هذا تعرض بين حين وآخر. نُقلتُ هذه الأغنية إلى المهرجانات العالمية ومع عدة فرق موسيقية مهمة وبتوزيعات موسيقية مختلفة وغنيتها مئات المرات".

جاءت الأغنية مزيجاً من ثلاث أغنيات: الأغنية الكردية التراثية "Ez Kevokim" وتعني (أنا حمامة) والأغنية الجزراوية "خلونا الليلة نغني" للفنان ابراهيم كيفو، مع مقطع من الزجل الشعبي السرياني المغنى باللغة العربية

وتساءل كيفو متى أعطى الإذن لأصالة لتغني أغنيته، وكيف لشركة بحجم روتانا ألا تبحث عن حقوق الأغنية؟ ومتى أخبر آري جان سرحان بأن يُعد الكلام نفسه واللحن نفسه بدون أي تغيير ثم ينسبه إلى نفسه بدون ذكر أي حق من حقوقه كملحن وكمغنٍ  للأغنية وبدون إذن ولا دستور، متسائلاً: "هل ضاع حقي والعمل أصبح لغيري وأنا طلعت برا؟".

لم يصدر أي تصريح من شركة روتانا أو الفنانة أصالة أو الموسيقي آري جان سرحان حول الموضوع حتى لحظة نشر هذا المقال. 

هل تعفي كلمة "إعداد" من حقوق الملكية الفكرية؟

يقول الموسيقار الكردي عازف العود رشيد صوفي لرصيف22: "من الخطأ أن يكتب آري جان اسمه فقط على وصف الأغنية، فأين كان عندما سُجّلت أز كافوكم قبل خمسين عاماً، ومع ذلك فإن ما أُثير حول الأغنية ليس له معنى. نعم الأغنية من الفلكلور الكردي، وكثيراً ما غنى مطربو حلب أغنية (غنوا معنا الليلة يا حبايب واي واي) وهي على لحن أز كافوكم، ومع هذا لم تثر ضجة أو مطالبة بحق الملحن الأساسي".

من جهته يقول الموزّع الموسيقي ريناس كرداغي لرصيف22: "بالنسبة للضجة التي حصلت بشأن إعداد اللحن والكلمة، فالإعداد لا يعني ملكية اللحن أو الكلمة وإنما إعادة ترتيب لبعض الجمل اللحنية أو ألحان كاملة وينطبق ذلك على الكلمات وغيرها من الأمور، مثال بسيط على ذلك: كثير من أساتذة الموسيقى يقومون بإعادة تنويت بعض الأغنيات لغايات التدريس ويكتبون إعداد المدرس الفلاني ولكن يحافظون على ذكر المؤلف أو الملحن أو المصدر،  وهذا ما لم يفعله آري ويعتبر خطأ منه، وبغض النظر بقصد أو بدون قصد فعدم ذكره لمصدر الأغنيات التي أعدها أثار غضب المستمع الكردي، إضافة لكونه يُعتبر تهميشاً للملحن والكاتب. هذه النقطة تحتسب عليه". 

ويعتبر كرداغي أن ما فعله المُعد هو خطوة ذكية جداً مهنياً لجذب انتباه المستمع في العالم العربي، كون هذه الأغنية لها بصمة قوية في بعض الدول، وغنتها الكثير من الفرق الغنائية، أما إعلامياً فقد نجح بإثارة الجدل حول موضوعه، وهي طريقة يعتمدها أغلب المستثمرين في السوشال ميديا لجذب انتباه الجمهور. الأذكى من ذلك اختيار العنوان أو ما نسميه المانشيت الذي يجذب المتابع. 

وحول نمط عمل آري جان وأسلوبه في التوزيع الموسيقي يوضح كرداغي: "في ظل تطور الموسيقى الإلكترونية وكثرة فروعها ظهر الكثير من القوالب الموسيقية والغنائية الحديثة وأهمها ما يسمى بالـ "Mashup" والتي تصدرت وبرزت كثيراً في الموسيقى الكردية، وهذا ما اعتمده آري كقالب في إنتاج أعماله، إذ لاقت أعماله نجاحاً باهراً من ناحية نسبة المشاهدات والمتابعة على منصات التواصل".

لا ملكية فكرية والتوثيق بالكاد يذكر

غالباً ما تعرض الفن الشعبي الكردي والموسيقى الكردية للسرقة، دونما ذكر لأسماء أصحاب القطع الموسيقية.

يرى بعض المختصين أنه أسلوب لتدمير الثقافة الكردية في المنطقة من خلال تكييف الألحان بما ينسجم مع ثقافة الجهة التي تسرقها بعد إضافة تعديلات عليها. 

يقول الفنان صوفي: "تحدث السرقات كثيراً والكل سرق من الفلكلور الكردي سواء الأتراك أو العرب، وبالمناسبة توجد محكمة فنية بمصر تحاسب السارقين. أما لدينا فحدّث ولا حرج، وربما فضح هذه الممارسات عبر وسائل الإعلام ومراكز التواصل يمكن أن يثمر نتيجة".

أما كرداغي فيعلق على هذه النقظة بالقول: "برأيي، المكتبة الموسيقية الكردية أغنى مكتبة في العالم من ناحية الأغنية الإيقاعية والملاحم والرقصات والقوالب الغنائية، فبكل تأكيد ستكون الوجهة المثالية لكل لص، إلا أن تمييز الأغنية المسروقة ممكنٌ ولو من بين ملايين الأغاني وذلك لخصوصيتها اللحنية". 

وأرجع السبب في السرقات إلى "عدم وجود مؤسسات مختصة للحفاظ على هذا الإرث العظيم، كما أن الحفاظ على هذا المخزون الهائل لم يحصل إلا بشكل شفهي، وتم تدوين جزء بسيط منه حديثاً وهذا بحد ذاته معجزة". 

ويلفت إلى غياب القوانين التي تعالج مسألة تثبيت الملكية الفكرية أو الإنتاجية بقوله: "أغلب دعاوينا ومحاكمنا تحدث على فيسبوك ومواقع التواصل التي لا تقدم ولا تؤخر من هذه الناحية، وبكل تأكيد إذا لم تثبت الملكية فلا حق لك بالمطالبة، فلا يوجد فقرة من القانون تحميك أو تأخذ لك حقك". 

لم يصدر أي تصريح عن شركة روتانا أو الفنانة أصالة أو الموسيقي آري جان سرحان حول الموضوع حتى لحظة نشر هذا المقال

ويختم كرداغي حديثه لرصيف22 بدعوة الجميع إلى التهدئة ودعم فنانيهم وعدم الوقوف كحجر عثرة في طريق المجتهدين، لأن الشعب الكردي هو الداعم الأول والأخير لفنانيه، لعدم وجود شركات ومؤسسات إنتاج، أو مؤسسة كردية تهتم بالمسألة الفنية والموسيقية، "رغم كل المآسي والآلام نشكر أنفسنا لأننا حافظنا على إرث عظيم"، يقول.

ريناس كرداغي هو موزع موسيقي وصاحب مشروع  STRANÊN KURDAXÊ أي (أغاني كرداغ) الذي أطلقه بالتعاون مع فنانين ومختصين، إذ قام المشروع بجمع ما يقارب 200 أغنية إيقاعية من تراث جيايي كرمينج – عفرين وتسجيلها تباعاً ونشرها على القناة التي تسمى بنفس اسم المشروع، إضافة إلى تسجيل 56 أغنية إلى الآن بهدف أرشفة الأغنية الفلكلورية الإيقاعية بشكل أكاديمي والحفاظ عليها من الضياع.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image