فصل جديد يشهده تدبير شؤون الطائفة اليهودية في المغرب، بالإعلان عن إحداث هيئات جديدة لفائدة إعادة تنظيم اليهود المغاربة، تبعاً لتوجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس، "الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وتكريساً للرافد العبري كمكون للثقافة المغربية"، حسب بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية.
في عرض أمام مجلس وزاري ترأسه العاهل المغربي يوم 13 تموز/ يوليو الجاري، كشف وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أن المنظومة الجديدة للطائفة اليهودية المغربية تشمل ثلاث هيئات هي "المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية" الذي يتولى الإشراف "على تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة"، ثم "لجنة اليهود المغاربة في الخارج" التي تعمل على "تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين في الخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة"، وأخيراً "مؤسسة الديانة اليهودية المغربية" التي تضطلع بالعمل على "النهوض والاعتناء بالتراث اللا مادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته"، حسب البيان الرسمي.
التزامات واعتراف دستوري
منذ اعتلائه العرش عام 1999، أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس، دفعةً جديدةً لالتزامات ملوك وسلاطين المغرب تجاه الطائفة اليهودية المغربية، إذ سهر على تعزيز مكانة التراث اليهودي المغربي والحفاظ عليه كجزء من التراث الثقافي المغربي المتعدد.
وقد اعترف الدستور المغربي سنة 2011، بالرافد العبري كجزء من مكونات الهوية الوطنية، متحدثاً عن كون المملكة المغربية "دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة (...) بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبريّة والمتوسطية".
أعاد المغرب تنظيم المجالس الخاصة باليهود المغاربة. سياسة تقول الدولة إنها جزء من إصلاح المنظومة القانونية والإدارية الخاصة بالطائفة التي تعتبر الأكبر في شمال إفريقيا
وقبلها تكرست الأبعاد الثقافية للوجود اليهودي المغربي عام 1997، بإنشاء متحف خاص للتراث اليهودي تدعمه الدولة، يُعدّ الأول من نوعه في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط أُنشِئ في مدينة الدار البيضاء.
إلى جانب ذلك، أُطلِق في العام 2010، برنامج خاص بترميم مئات المعابد والمقابر ومواقع التراث اليهودي، أعاد أيضاً الأسماء الأصلية لبعض الأحياء اليهودية التي تغيّرت خلال الحماية الفرنسية وبعدها.
اليوم، يُقدّر عدد اليهود المغاربة المقيمين في المملكة بنحو ثلاثة آلاف شخص غالبيتهم من المسنّين، وهم بذلك أكبر طائفة يهودية في شمال إفريقيا.
ترحيب محلّي
أشاد مجلس الجماعات الإسرائيلية في المغرب، بما أسماه "وجاهة وحكمة التدابير التي تم إعدادها"، من أجل إنشاء تنظيم جديد للطائفة اليهودية المغربية، قادر على ضمان تدبير فعال ومتناغم لها على التراب الوطني.
ورأى بيان المجلس أن هذا التنظيم القانوني الجديد، سيسمح بـ"ضمان الحفاظ على القيم المقدّسة لليهودية المغربية، وإعادة التأهيل والارتقاء بالتراث الثقافي المادي واللا مادي للرافد العبري كمكون للحضارة المغربية الغنية بتعدد روافدها".
كما أنها حزمة تدابير، أُعِدّت بتشاور مع ممثلين مؤهّلين عن الطائفة اليهودية، "تستجيب لتطلعات اليهود المغاربة، هنا وفي أماكن أخرى، لاستعادة مكانتهم من أجل المساهمة في بناء مغرب موحد ومسالم وديناميكي ومزدهر"، يردف بيان المجلس.
إلى جانب ذلك، يشير المصدر نفسه، إلى أن المؤسسات المزمع إحداثها ستمنح لليهود المغاربة في العالم إطاراً "سيسمح لهم بتعزيز الروابط مع المملكة مع الانخراط بحماسة في عملية الدفاع عن القضايا الوطنية".
ارتباط وجداني
تبعاً لذلك، يتضح أن "علاقة اليهود المغاربة في الخارج بوطنهم الأم علاقة وطيدة جداً، ولهم ارتباط وجداني بثوابته، كما أنهم على استعداد دائم للدفاع عن مصالحه والمساهمة في تنميته"، يقول عبد الله بوصوف، المؤرخ والأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج (مؤسسة رسمية استشارية تعنى بالمغتربين المغاربة).
يضيف بوصوف في حديثه إلى رصيف22: "هذا ما خلصنا إليه خلال لقاء لليهود المغاربة في الخارج نظمه مجلس الجالية المغربية سنة 2018، في مراكش بحضور أكثر من 300 مشارك".
إعادة تنظيم المجالس اليهودية في المغرب يريد "ضمان الحفاظ على القيم المقدّسة لليهودية المغربية، وإعادة التأهيل والارتقاء بالتراث الثقافي المادي واللا مادي للرافد العبري كمكون للحضارة المغربية الغنية بتعدد روافدها"
شدد المتحدث على أن لجنة اليهود المغاربة المقيمين في المهجر التي أُعلِن عن تأسيسها خلال المجلس الوزاري برئاسة ملكية، "ستعمل على تقوية هذه الأواصر الثقافية والخاصة بالهوية بين المغرب ومواطنيه من الديانة اليهودية أينما كانوا، وستشكل منصةً للتبادل والحوار ونقل المعارف بين المغاربة اليهود والمسلمين، بالإضافة إلى كونها ستشكل منصةً للترافع من أجل مصالح المغرب العليا".
إلى جانب ذلك، فإن "لهذه الالتفاتة الملكية في اتجاه الطائفة اليهودية رمزيةً تاريخيةً وأخرى دينية؛ إذ إنها من الناحية التاريخية استمرار للعناية الخاصة التي أولاها جميع السلاطين المغاربة للمكوّن اليهودي في المجتمع المغربي على مَرّ التاريخ، فيما تجسد الخطوة على المستوى الديني أهمية إمارة المؤمنين في السهر على حسن ممارسة الشعائر الدينية لجميع المغاربة"، يضيف المصدر نفسه.
تعزيز للتعايش؟
في سياق التعايش هذا وحرية ممارسة الشعائر الدينية، يذهب الباحث في التاريخ الاجتماعي لليهود في منطقة الأطلس الصغير في سوس، الحسن تيكبدار، إلى أن "مختلف الأبحاث في مجال الوجود اليهودي في المغرب، كشفت عن مبادئ التسامح والعيش المشترك واحترام الآخر لذاته ولإنسانيته، كونها أساساً ثابتاً استمر مع الإسلام، وما زالت قائمةً إلى يومنا هذا، إذ يُعد الحديث اليوم عن التاريخ المشترك لليهود والأمازيغ، حالةً من حالات التعايش على أرض المغرب".
وتابع تيكبدار في تصريحه لرصيف22، أن "الذاكرة الجماعية اليهودية جزء لا يتجزأ من ذاكرة الأمازيغ في المغرب؛ فقد أكدت مختلف الروايات الشفوية لمن عايش اليهود المغاربة، أن تعايشاً لغوياً وثقافياً ومجتمعياً قوياً حصل بالفعل ووصل إلى حد الانصهار".
لقد سجل وجود اليهود المغاربة إلى جانب المسلمين في المغرب، "أشكالاً استثنائيةً من التعايش والعيش المشترك، حتى أنهم تقاسموا الأضرحة وتمازجوا في عادات دينية واحتفالية كثيرة"، يوضح المتحدث نفسه.
ويعتقد تيكبدار، أن استمرارية التراث اليهودي والعبري المغربي، "يجد تفسيره بشكل كبير في التجذر العميق لهذه الجماعة في أرض المغرب طوال ما يزيد عن ألفي سنة، وفي وزنها الديموغرافي (قبل خمسينيات القرن الماضي)، ومساهمتها التاريخية في التراث الوطني كما جاء في الدراسات التاريخية الرصينة".
يُذكر أن المغرب، خلال السنوات الأخيرة، ضاعف من الإشارات إلى المكون اليهودي المغربي في سياساته العمومية، وهي خطوة يرى فيها البعض تعزيزاً للـ"ثقافة" المغربية المتعددة المشارب، فيما يرى فيه آخرون خطوةً قد لا تعني الكثير على أرض الواقع، بحكم أن اليهود المقيمين في المغرب يتناقصون مع مرّ السنوات، وأن غالبية من يعيشون في المغرب في عمر متقدم، ما يؤشر على انحسار الوجود اليهودي "الحيّ" داخل المملكة في المقبل من الأعوام، وتحوله إلى مجرد شعارات و"متاحف".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...