ينهمك المحامي الموريتاني محمد ولد أمين، هذه الأيام، في الجولة الثانية من قضية موكّله الخليل خيري، المعروف بالحسن سليمان بيدي وبالحسن الصالحي، المحكوم عليه قبل فترة من القضاء الموريتاني بالسجن أربع سنوات، نصفها نافذ وونصفها الآخر مع وقف التنفيذ.
صدر الحكم من محكمة ولاية نواكشوط الغربية، وكانت مع العقوبة السجنية، غرامة مالية تصل إلى 4 ملايين أوقية قديمة ودفعه للرسوم القضائية لصالح الخزينة العامة للدولة.
أوقِف الكاتب إثر شكوى بسبب مقاطع صوتية على الواتساب وكتابات يشكّك من خلالها في انتماء بعض القبائل والأسر الموريتانية إلى "آل البيت"، وتم توقيفه الشهر الماضي، واتُّهم بالتحريض على التمييز ضد جماعة بسبب انتمائها والمساس المتعمّد بالحياة الشخصية عبر نظام معلوماتي بغية إلحاق الضرر بهؤلاء الأشخاص، وقد صدر هذا الحكم حضورياً في تاريخ 23 حزيران/ يونيو 2022.
خلاف شخصي أصبح قضيةً مجتمعيةً
بدأت قضية الحسن الصالحي، كخلاف شخصي بين شخصين، يقول المحامي محمد ولد أمين في حديثه إلى رصيف22، عن قضية موكله، ويضيف: "أحدهما اشتكى على الآخر ولم يكن للقضية هذا البعد الذي أخذته، ويرى الشخص المشتكي في دعواه أنه شريف، بينما الآخر له رأي مخالف. هكذا بدأت القصة ومن هذه النقطة البسيطة، فأرسل وكيل الجمهورية إلى الشرطة للتحقيق في القضية، ووجدوا أن هناك إدعاءً بالشتم ولم يكن هناك ما يسوّغ هذا الادعاء، لكنهم كيّفوا القضية على ذلك الأساس، وطُلِب من قاضي التحقيق أن ينظر فيها، ولم يجد فيها أي سباب، لكنه رأى أن فيها تمييزاً ودعوةً إلى التمييز والتحريض والقذف، ووضعها في دائرة مواد قانونية لا ترابط بينها وبين التهمة الأصلية. حين وصل الأمر إلى القضاء، حكم عليه بشكل مغاير ولم يكن متوقعاً ما حدث، إذ تمت إعادة التكييف، وحكموا عليه بأربع سنوات، سنتان منها نافذتان، واشترط عليه تقديم اعتذار مكتوب أو منطوق عمّا قاله".
أوقِف الحسن سليمان بيدي إثر شكوى بسبب مقاطع صوتية على الواتساب وكتابات يشكّك من خلالها في انتماء بعض القبائل والأسر الموريتانية إلى "آل البيت"
يؤكد المحامي قائلاً: "باختصار، النومنكلاتورا (الفئة) العربيّة التي تدّعي الشرف (الانتماء إلى آل البيت)، في موريتانيا، تريد أن تفرض رأيها في موضوع تاريخي غابر، وهو يتشبث بحقه الدستوري في أن يكون مزعجاً وأن يكون كاتباً ومشاغباً".
وأشار إلى أن الأمر تم تحويله إلى نوع من التحريض، ويقول: "أنا لم أفهم ذلك، فالتحريض يكون مثلاً حين تحرّض جماعةٌ ضد أخرى، أو شخصٌ ضد شخص. باختصار، ما حدث ليس له أساس قانوني، لكن هناك نوعاً من التوتر في القضاء في هذا الزمن، ولا أعرف إن كان هناك انزعاج من هذه الحرية الموجودة في الإنترنت".
حول مسار القضية وتطوراتها، قال المحامي ولد أمين: "حالياً، طلبنا في هذا الملف حريةً مؤقتةً من محكمة الاستئناف، وهو محل طعن أمامها أيضاً، لأنه حالياً في الدرجة الثانية، وما زلنا ننتظر رأي النيابة فيه وكيف ستبت فيه محكمة الاستئناف، وأعتقد أنهم سجنوه في هذه الفترة لكي يتصادف مع العطلة القضائية لإطالة فترة مكوثه في السجن، والعطلة القضائية تبدأ في شهر تموز/ يوليو، وتنتهي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ويذهب نصف القضاة إلى العطلة، وتالياً يكون هذا عذراً لإطالة أمد السجن العقابي التأديبي الخارج عن القانون. هذا باختصار فهمي للأمر".
طلبنا في هذا الملف حريةً مؤقتةً من محكمة الاستئناف، وهو محل طعن أمامها أيضاً، لأنه حالياً في الدرجة الثانية، وما زلنا ننتظر رأي النيابة فيه وكيف ستبت فيه محكمة الاستئناف
وأكد المتحدث على أن "القضية مؤشر يؤكد على حالة التردي التي أمست فيها المؤسسة القضائية، وعلى تدجينها، ففي الماضي كان من يريد ظلمَ شخص لا يذهب به إلى القضاء، بل يفعلها وحده وبطرقه الخاصة، مثل السجون المظلمة وغير المعلنة، لكن إدخال القضاء وتمكين القبائل من التنفّذ فيه، أمر مقلق جداً، خصوصاً أن بعض الشكاوى التي تم التقدم بها ضد موكلي في خضم هذه القضية، وقّعها بعض الأشخاص نيابةً عن قبائل، في حين أن القانون الموريتاني يحظر القبائل ولا يعترف بها شخصيات معنويةً مؤهلةً للتقاضي، وهذا من الأمور الغرائبية في هذه القضية".
خلص المتحدث قائلاً: "يجب على الحقوقيين أن يغتنموا هذه الفرصة لتقوية الضغط داخلياً وخارجياً من أجل تغيير قانون العقوبات الموريتاني، لأن قانون العقوبات الموريتاني وقانون الرموز هذه، قانونان ظلاميان جداً ويتنافيان مع الدستور، خصوصاً قانون العقوبات، لأنه أُعِدّ في زمن الحرب الباردة وعهد جعفر النميري وضياء الحق في باكستان، وقالوا إنه من الشريعة الإسلامية والشريعة منه براء".
وكانت موريتانيا قد بدأت مؤخراً بتطبيق قانون "حماية الرموز الوطنية"، الذي "يجرّم المساس برموز الدولة وشرف المواطن"، وهو قانون مثير للجدل ولقي الكثير من الرفض من قبل الحقوقيين والصحافة والمهتمين بحرية التعبير وحقوق الإنسان عموماً، إذ عُدّ عند نقاشه واعتماده نكسةً حقيقيةً في مجال الحريات في موريتانيا، وهو القانون الذي حوكم من خلاله الحسن الصالحي، إذ طُبّقت عليه المادة04 من ذلك القانون بعد إعادة التكييف، وقد حُكم قبل أيام على العديد من الأشخاص بأحكام مشابهة، ما أثار الجدل.
نقاش واسع
أعادت هذه القضية إلى الأذهان التعامل مع التاريخ وإثارة موضوع الأنساب في موريتانيا ونقاشها، إذ شهدت الدولة في السابق بعض الحوادث والانزعاج مما يُكتب حول تاريخ الدولة والشعب والقبائل، وقد تم تهديد بعض الكتّاب والباحثين بل التعدي عليهم حين تناولوا أنساب بعض القبائل وتاريخها بما لا ترى هي أنه حقيقة، وكذلك نقاش الكتابة بشكل عام والتعامل معها، وانقسم الناس حول هذه القضية الجدلية، ورأى البعض أن قضية حسن الصالحي اعتداء على حرية التعبير وتكميم لها وفضيحة وسابقة في الدولة، وأن الكتابة تجابَه بالكتابة لا غير، وهذا المجال مكانه البحوث والكتب والدراسات وليس المحاكم والسجون. أما السجن وتقييد الحرية، فهما ميزتان قمعيتان وديكتاتوريتان، ومن وجد أن الكاتب أوغل في سب الناس والقبائل في كتاباته والصوتيات الصادرة منه، ولم يكن يكتب كتابةً أكاديميةً، ولا يعطي آراءً بل كان يسبّ ويشتم من لا يروق له هو شخصياً، يحاول بكل جهده والطرق أن يثبت شرفه هو وعائلته ومجتمعه، أو من يروقون له من المجتمع، وينسف من دون إنصاف شرف الغير وكأن لديه ثأراً مع بعض مكونات الشعب الموريتاني.
أعادت هذه القضية إلى الأذهان التعامل مع التاريخ وإثارة موضوع الأنساب في موريتانيا ونقاشها، إذ شهدت الدولة في السابق بعض الحوادث والانزعاج مما يُكتب حول تاريخ الدولة والشعب والقبائل
وكتب الأستاذ عبد الله همت، على صفحته على فيسبوك، عن جدل الأنساب ونقاشها وكتابات الحسن الصالحي: "قرأت بعض ردود الأستاذ الحسن الصالحي المنتسب إلى آل البيت من طريق الحسن الجون، وقرّ في نفسي أن الرجل ارتقى مرتقى صعباً حين تعرّض لنفي أنساب حازها أهلها، والنسب يثبَت بالحيازة ولا يشترَط فيه اليقين، وبدا لي أن التاريخ كان يكتَب من جهة واحدة، من جهة زوايا أصحاب الأقلام، وقد انتشر القلم وأصبح لكل مجموعة سعي إلى الخروج من التصنيف الذي حشرها فيه المجتمع، ولذا نرى كل يوم مجموعةً تتحلى بالشرف وتعزز ذلك بشهادة بعض فقهاء العصر، وبذلك تبدأ معركة اعتراف المجتمع بالنسب الجديد، وما يصاحبه من تحول في الوظيفة، وهذه الظاهرة قد وسمها البروفسور عبد الودود ولد الشيخ بلقب "خصخصة الأنساب".
أضاف ولد همت قائلاً: "لا شك في أن كتَبَة التاريخ قد أحاطوا قومهم بهالة من التقديس ترهب الخصوم، وهي سلاح معنوي في مقابل سلاح العنف الذي تحتكره طبقة العرب ومن سار على منهجهم، وربما كان كلام الرجل قد لاقى بعض القبول لو لم يحصر الشرف في أبناء منطقة جمهور سكانها من غير العرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...