شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تمارا الزين أوّل امرأة على رأس

تمارا الزين أوّل امرأة على رأس "الوطني للبحوث العلمية"... ماذا تقول عن خطتها و"توقعاتها"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 19 يوليو 202204:23 م

ترى الدكتورة تمارا الزين، "تسلّم مواقع المسؤولية في المؤسسات العامة أشبه بعملية انتحارية، خاصةً إن كانت في مجالات لا تُصنَّف خدماتيةً وفق المفهوم المادي البحت، كمجال البحوث"، وذلك بعد تعيينها رسمياً أمينةً عامّةً للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان.

ويهدف المجلس الوطني للبحوث العلمية-لبنان، الذي تأسس في العام 1962، إلى تشجيع البحث العلمي ودعم تنمية الموارد البشرية على طول السياسات العلمية العامة التي تتبناها الحكومة، كما يصوغ المقترحات والاقتراحات للحكومة وينفّذ المسوحات وقوائم الجرد للأنشطة البحثية الجارية في المؤسسات الخاصة والعامة في الدولة.

تقول الزين لرصيف22: "لا شك في أن هذا التعيين هو اعتراف بمسيرتي البحثية وبالكفاءة والخبرة اللتين أدرت بهما العديد من المشاريع والبرامج، وبطبيعة الحال هو أيضاً نوع من الإقرار بقدرة المرأة على قيادة مؤسسات علمية وبحثية".

ويأتي تعيين الزين أمينةً عامةً للمجلس الوطني للبحوث العلمية، بعد انضمامها رسمياً إلى المجلس عام 2014، للعمل على مشروعها البحثي حول ضرورة الحد من الأثر السلبي للإشعاعات على النظام البيئي، والموارد الطبيعية، وصحة الإنسان، بعد 15 عاماً قضتها في فرنسا كأستاذة في علوم المادة في جامعة إلزاس العليا في ميلهاوس، شمال شرق فرنسا، وهي الجامعة التي حصّلت فيها شهادة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية في العام 2002.

وحازت الزين أيضاً على جائزة لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم ضمن إقليم المشرق العربي ومصر في العام 2016، كما فازت بالجائزة العالمية للمواهب الواعدة من البرنامج ذاته، في العام 2017.

حازت الزين على جائزة لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم ضمن إقليم المشرق العربي ومصر في العام 2016، كما فازت بالجائزة العالمية للمواهب الواعدة من البرنامج ذاته

تشكيك في قدرات المرأة

أظهرت دراسة لمرصد "دوركنَ" أن السيدات يشكّلن الغالبية في مرحلة الدكتوراه (60%)، بينما يصبحن فقط 32% من إجمالي أعداد الباحثين في الجامعات والمراكز البحثية، ويتقلص حضورهن أكثر فأكثر كلما صعدن في الهرم الوظيفي.

تقول الزين: "يزخر العالم العربي بالمواهب النسائية الجديرة بتسلّم أعلى المهام، ولكن للأسف في أغلب الأحيان تكون المشكلة في آليات الوصول إلى الوظائف ومواقع القرار والتي تتأثر في غالبيتها بضمور حضور المرأة في دائرة القرار السياسي. للأمانة، لا أعتقد أن التشكيك هو في قدرات المرأة العلمية بل في قدرتها على الإدارة، وهذا له جذور اجتماعية تحتاج وحدها إلى بحوث مطوّلة، ولنكن واقعيين، هذه آفة تعاني منها حتى الدول الأكثر تقدماً".

أما في ما يخص وجود النساء في مجال البحث العلمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فبرأيها، "إذا ما نظرنا إلى المؤشرات الكمية، سنجد أن حضور المرأة في مجال البحث العلمي في غالبية الدول العربية يوازي حضور قريناتها في دول الغرب، وفي بعض الأحيان يتفوق عليه. أما في مواقع القرار العلمي، فكما هو معروف، الحضور يبقى ضعيفاً جداً".

وتضيف: "الأرقام وحدها لا تكفي، ونحن في حاجة إلى دراسات اجتماعية-اقتصادية تحلّل لنا الخلفيات والأسباب الكامنة وراء هذه النِسب، وعندها فقط يمكننا أن نقدّم تحليلاً وافياً لهذا الواقع الذي يختلف عن العديد من الدول العربية. أما من ناحية المجالات العلمية، فلم يعد هناك أي مجال عصيّ على الباحثات ونجدهن اليوم في العلوم الهندسية والفيزيائية تماماً كما نجدهن في مجالات العلوم الإنسانية".

أهمية البحث العلمي

"نحن في العام 2021، وما زلنا في حاجة إلى الدفاع عن قضية البحث العلمي"؛ هكذا قالت تمارا الزين خلال تكريم فرنسا لها العام الماضي من خلال منحها وسام السعفة الأكاديمية من رتبة فارس، تقديراً لمسيرتها العلمية والمهنية بين لبنان وفرنسا.

تقول الزين عن واقع البحث العلمي في المنطقة: "من دون الغوص فيه، هو واقع غير متجانس ولا يمكن الحديث عنه عموماً. لا يمكن إلا أن نحيي تجارب بعض الدول الرائدة في السعي نحو تشكيل منظومة بحث علمي متكاملة. أما في لبنان، وهو البلد الذي بنى فرادته على تميزه التربوي والجامعي، فنحن اليوم، في ظل هذه الأزمات المتلاحقة، في حاجة إلى إقناع المجتمع وأهل السياسة بضرورة البحث العلمي وبأنه مسألة سيادية بامتياز وبأن ثروتنا الحقيقية تكمن في الكوادر العلمية والبحثية التي تشكلت على مر السنوات".

وتضيف: "يعاني القطاع البحثي في لبنان اليوم من أزمة مالية ستنعكس أولاً في ضعف النتاج البحثي خلال السنوات القادمة، وثانياً في هجرة الكثير من العلميين بحثاً عن فرص أفضل. حينها سندخل في حلقة مفرغة، وبالتوازي مع ذلك، لا يمكن أن نتناسى أن لبنان يعاني، منذ ما قبل الأزمة، من شوائب كثيرة في منظومته البحثية، وأهمها غياب سياسة علمية موحّدة، وتشتت القدرات العلمية وضعف التعاون العلمي بين المراكز البحثية، وضآلة البحوث ‘البينمناهجية’، وعدم الربط بين البحوث والقطاعات المنتجة، وطغيان التقييم الكمّي على صعيد البحوث والباحثين".

ينتظر الزين كما تفول الكثر من العمل، خاصة في ظل الظروف التي يمرّ بها لبنان، لكنها تأمل بأن تشكل هذه الأزمة نقطة تحوّل للوعي بأنه قد آن الأوان لمواجهة هذه الأعطاب البنيوية التي لو عولجت لكنا قد تفادينا قسماً كبيراً من معاناتنا اليوم

تأمل الزين بأن تشكل هذه الأزمة نقطة تحوّل للوعي بأنه قد آن الأوان لمواجهة هذه الأعطاب البنيوية التي لو عولجت لكنا قد تفادينا قسماً كبيراً من معاناتنا اليوم.

وتشدد على أهمية "العمل على التقارب بين البحوث والمجتمع، المجتمع بالمعنى الواسع، من مواطنين، وقطاعات اقتصادية، وثقافية، وسياسية، وسلطات محلية وغيرها، فهذا التقارب سيوصلنا حتماً إلى نوع من التضامن المجتمعي مع قضايا البحث العلمي وسيؤدي بالتأكيد إلى اعتراف "سياسي واقتصادي واجتماعي" بضرورة الأخذ بتوصيات العلميين الذين يُشهد لهم بأنهم خبراء في مجالهم ولا يقلّون كفاءةً عن الأجانب الذين يُستعان بهم في الكثير من الدراسات، وعلينا أيضاً أن نسعى إلى تكوين قوة علمية ضاغطة قادرة على التحشيد السياسي لدعم قطاع البحوث. من موقعي، سأسعى في هذا الاتجاه".

كورونا والبحث العلمي

عانى العالم في السنتين الماضيتين من جائحة كورونا التي أعادت البحث العلمي إلى الواجهة، خصوصاً في محاولة للحد من تبعات الجائحة ومحاولة مكافحتها وهو ما أفضى إلى تكاتف الجهود العلمية في الكثير من البلدان لإيجاد لقاح يحدّ من خطورة الفيروس الذي أدى إلى نتائج سلبية على المستويات كافة.

تقول الزين: "أعادت جائحة كورونا البحث العلمي إلى الواجهة، ولكنها للأسف أضرّت أيضاً بصورة البحوث والباحثين وأظهرت الكثير من التقارير حول العالم تراجعاً في ثقة المواطنين بالعلم، والذي يعود إلى ضعف الثقافة العلمية المجتمعية والتي بدورها تتأثر بغياب البحوث عن الإعلام وقلة التواصل بين الباحثين والمواطنين، مما أفسح المجال أمام المشعوذين العلميين والدجالين الجدد الذين نسفوا جهوداً جبارةً بُذلت على مدى قرون لتكريس البحث العلمي مصدراً موثوقاً للمعلومات".

وتضيف: "علاقة البحوث بالمجتمع، هي إحدى المحركات التي تستطيع الضغط في اتجاه دعم البحث والباحثين وإعادة ترتيب صورتهم وأهمية وجودهم. ببساطة، حتى لو اتخذت الدولة على صعيد القرار الرسمي كل الإجراءات اللازمة لدعم هذا القطاع إلا أنها ستبقى محدودة الأثر إن لم تقترن بدينامية مجتمعية تؤمن بدور البحوث وبأهمية إنتاج المعرفة".

أظهرت دراسة لمرصد "دوركنَ" أن السيدات يشكّلن الغالبية في مرحلة الدكتوراه (60%)، بينما يصبحن فقط 32% من إجمالي أعداد الباحثين في الجامعات والمراكز البحثية

وكانت الدكتورة تمارا الزين، قد نشرت مقالاً العام الماضي في مؤسسة الفكر العربي بعنوان "عن ثقتنا بالعلم: أزمة ثقافة وتواصل"، شرحت فيه بالتفصيل هذا الرأي.

الخطط المستقبلية

كأمينة عامّة للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، ترى الزين أنه "علينا تحويل الأزمة إلى فرصة لمراجعة سلوكياتنا السابقة، وذلك عبر البدء بوضع سياسة علمية وطنية ونموذج مختلف عن ذلك الذي عهدناه قبل الأزمة والذي بات منتهي الصلاحية".

وتضيف: "علينا أن نحدد ماهية الهوية العلمية التي نريدها للبنان، ومجالات التميز البحثي التي نرغب في تطويرها، والحلول الطارئة لتأمين صمود الكوادر العلمية والمراكز البحثية، وكيفية الاستثمار في البحث العلمي وفي نواتج البحوث، وآليات تمويل البحوث وتنويع الموارد، والتشبيك المحلي والدولي، وغيرها، وفي كل الأحوال، ستحتم علينا الأزمة الابتعاد عن المقاربة الكمية للبحوث والتوجه نحو بحوث هادفة أكثر ووفق رؤية وطنية شاملة نرسمها مع شركائنا الجامعيين والقطاعات المعنية كافة".

برأيها: "الأهم، هو أننا بتنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى تثمين ما انتجته البحوث في السنوات الأخيرة واستثماره، وهو مسار لا يحتاج مبدئياً إلى تمويل ضخم كما في حالة البحوث الجديدة. هذا التثمين من شأنه أن يخدم السياسات العامة والقطاعات المنتجة والابتكار والتربية والمجتمع بشكل عام. طريق طويل وشائك ولكنه حتمي لا مفر منه".

وفي ما يتعلق باستثمار ما أنتجته البحوث في السنوات الأخيرة لخدمة السياسات العامة والقطاعات المنتجة والمجتمع، تقول الزين في ختام حديثها: "هو أحد المحاور الإستراتيجية التي سأعمل عليها، وبعد وضعها في الإمكان الحديث عن الخطوات العملية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image