تتخذ نور (اسم مستعار) زاوية في الكرسي الخلفي في السيارة محاولة أن تشد بيد سقف السيارة وبأخرى خلفية الكرسي أملاً منها في تخفيف ألم خصرها من جهة اليمين. تكتم صوتها الموجوع وهي تنظر من الشباك بانتظار خروج زوجها من باب الطوارئ.
بين الحياة والموت
تنتظر نور زوجها وشقيقه وقد تركاها وحيدة مع أوجاعها في السيارة، تدعو في نفسها أن يعثر زوجها على طبيبة لإجراء العملية الطارئة التي تحتاجها نتيجة التهاب في الزائدة، تخاف ألا يتحقق شرط زوجها وأن تضطر هي للاستسلام لتبعات المشكلة الصحية الخطيرة.
القصة كما يرويها الدكتور حازم (اسم مستعار) وهو طبيب جراح مقيم في مستشفى حكومي ليست فريدة من نوعها، لأنّ عقلية "طبيبة فقط" باتت منتشرة، فالرجل الذي ترك زوجته في السيارة تفاجأ أن حازم هو الطبيب المناوب الوحيد، ورفضه قائلاً: "لا لا بدنا دكتورة".
تم تشخيص حالة الزوجة بأنها التهاب في الزائدة الدودية من قبل طبيبة نسائية قامت الزوجة بزيارتها قبل الذهاب إلى المستشفى وهي التي نصحت بضرورة التدخل الجراحي الفوري.
بعد مفاوضات طويلة بينما المريضة تتلوى من الألم، وبعد تدخل شقيق الزوج تمت الموافقة على أن يجري الطبيب العملية بشرط عدم كشف الجزء السفلي من جسد المريضة.
وافق الطبيب على شرط الزوج، ثم طرأت مشكلة أخرى حين تبين أن من سيأخذ صورة الأشعة والكشف السريري هو طبيب رجل.
يضيف الطبيب: "أجرينا الصورة بطلوع الروح، من ثم الكشف السريري للمريضة وأصر الزوج أن يكون حاضراً رغم وجود ممرضة معنا كان لها دور كبير في تهدئته.
الزوج وافق بشرط عدم الكشف عن وجه زوجته خلال العملية وهو ما يتعارض مع أبسط أساسيات الطب، وافق الفريق الطبي حفاظاً على حياة المريضة
"يجب ألا توضع حواجز من هذا النوع بين الطبيب والمريضة"، يختم الطبيب آسفاً على الحال الذي قد وصل إليه موضوع التثقيف الطبي وعلاقة الطبيب بالمرضى، ولافتاً في الوقت ذاته إلى وجود نساء يرفضن الكشف عليهن من قبل طبيب، مبيناً أنه في أكثر من مرة قابل نساءً وصلن لمراحل متقدمة من مرض السرطان وكان السبب الرئيسي في هذا الإهمال رفضهن لإجراء الفحص إلا من قبل طبيبة.
خوف وحياء وحرام وعيب
يؤكد أخصائي العظام الدكتور أحمد ناجح لرصيف22 وجود نفس المشكلة بقوله: "المشكلة ليست دائماً في الرجل، كثيرات يعتبرن أنه من العيب أن تكشف المرأة نفسها لرجل وإن كان طبيبا".
ويقول: "لا أعلم ما إذا كان ذلك القرار الذي تتخذه المرأة الرافضة من محض إرادتها أو خوفاً من زوجها أو والدها أو حتى شقيقها، ونحن كأطباء لا يحق لنا أن نسأل لكن وفق تجاربي مع المريضات تفضل أغلبهن الطبيبات على الأطباء، معظم من أتين لاستشارتي الطبية تم تحويلهن من قبل طبيبات بسبب الاختصاص".
ويختم: "هو شعور بالخوف أكثر من شعور بالخجل، والحمد لله أن معظم قسم التمريض لدينا من النساء. وإلا لكنا واجهنا ما هو أعظم".
بعد مفاوضات طويلة بينما المريضة تتلوى من الألم وبعد تدخل شقيق الزوج تمت الموافقة على أن يجري الطبيب العملية بشرط عدم كشف الجزء السفلي من جسد الزوجة-المريضة
أسماء الصيفي التي تُعرّف عن نفسها بالنسوية، شهدت على قصة من خلال صديقة أمها،التي أخبرتها أن ابنتها ترقد على سرير الشفاء في واحد من المستشفيات الخاصة بعد أن حاولت الانتحار بشربها علبة "هايبكس" نتيجة تعنيف زوجها لها، سبب التعنيف الذي لم يكن الأول هو أن طبيباً ذكراً كشف عليها.
وبحسب أسماء، كانت الابنة في زيارة لوالدتها وهي تعاني من آلام في المعدة، خافت عليها والدتها واصطحبتها إلى مركز طبي في الحي، حيث كشف عليها الطبيب ووصف لها علاجاً لآلام معدتها.
"غلطت وخبرت زوجها بالقصة" تقول الصيفي، وتضيف أن زوج المريضة قام بضرب زوجته عندما علم بزيارتها لطبيب، وطردها من المنزل وهي في حالة مزرية من شدة الضرب والألم فذهبت إلى منزل أهلها حيث لامها إخوتها بحجة أنها بتستاهل، عندها حاوت الانتحار، بعد أن وضعت عائلتها الحق عليها لأنها سمحت بأن يكشف عليها طبيب لا طبيبة، واللوم طال الأم كذلك لأنها أخذت بنتها إلى الطبيب بنفسها".
وتختم: "درست الصحافة حتى أترجم نسويتي في الدفاع عن المرأة والدفع باتجاه وقف الانتهاكات بحقها، عندما سمعت تلك القصة شعرت أنه من المستحيل أن نغير الكون في ظل استمرار وجود عقلية ذكورية تنهش جسد المرأة وحقها حتى في الصحة والحياة،
القانون يشترط وجود مرافقة أنثى
"الموضوع قانوني أكثر منه عقلية ذكورية"، هذا رأي عضو مجلس نقابة الأطباء الأردنيين الدكتور مظفر الجلامدة الذي أجاب على سؤالنا هل يفرض قانون النقابة وجود مرافقة مع المريضة في حال كشف عليها طبيب بقوله: "طبعاً".
ووضح الجلامدة أن القانون يلزم بوجود ممرضة لا ممرض كمرافقة مع المريضة خلال الكشف حماية للطبيب وللمريضة من أية حادثة تبلّي قد تلحق بأحد منهما".
زوج المريضة قام بضرب زوجته عندما علم بزيارتها لطبيب برفقة أمّها، ثم طردها من المنزل وهي في حالة مزرية من شدة الضرب والألم فذهبت إلى منزل أهلها حيث لامها إخوتها بحجة أنها بتستاهل، عندها حاولت الانتحار
بينما ترى السيدة منار عرموش (47 عاماً) أن اختيارها لطبيبة بدلاً من طبيب في حال تعرضت لمشكلة صحية هو شكل من أشكال "الحرية الفردية وحرية الاختيار"، وتقول: "عندما أتعرض لمشكلة صحية خصوصاً إذا كانت "نسائية" أحرص على الذهاب إلى طبيبة وليس طبيب لأنني أشعر بأريحية أكثر، هذا لا يعني أن الطبيب قد يشكل خطورة على سلامتي أو سيتحرش بي، لكن فكرة الراحة النفسية هي التي تجعلني أحسم خياري".
أما الخبيرة في الشأن الاجتماعي فاديا الإبراهيمي فتقول:
المعتقدات الاجتماعية هي السبب في أن بعض النساء يرفضن الخضوع للكشف الطبي من قبل طبيب رجل، فالغيرة والحشمة والحياء أقوى من دافع الدين، خصوصاً في اختصاص أمراض النسائية والتوليد.
وتختم: "هذه الرواسب الذهنية السلبية المتعلقة بجندرة الطب غير صحيحة، فنحن مع صون جسد المرأة والحفاظ عليه في كل الميادين، لكن في الطب يتغير المنظور للجسد. لذا يجب أن نستثنيه لأن صحة المريضة هي الأولى والأهم، ودائماً نبحث عن الطبيب الأنسب بغض النظر عن جنسه. مهنة الطب مهنه ساميه تُنقذ الأرواح وتخفف أمراض وآلام الناس ولا داعي لخلطها مع أفكار اجتماعية سلبية قد تُضر بصحة المرضى وسلامتهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 22 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت