شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"السوريون يأكلون خبز اللبنانيين"... شعبوية حملات التحريض ضد اللاجئين على قدمٍ وساق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 15 يوليو 202204:39 م
Read in English:

Syrians gobbling up Lebanon’s bread... Rising populist campaigns against refugees

"رقمٌ هائل... إليكم عدد ربطات الخبز التي يستهلكها السوريّون في لبنان يومياً"؛ هذا هو العنوان الذي انتشر بشكل "هائل" على مواقع إخبارية لبنانية متعددة، وسط أزمة الخبز الخانقة التي يعاني منها المواطن اللبناني إلى جانب أزماته الأخرى المتراكمة.

انساق كثير من اللبنانين وراء هذه العناوين، وراحوا يرددون فكرة أن "السوري يأكل خبزنا"، وتحوّل الواقع الذي يعيشونه على مختلف الأصعدة إلى نتيجة يختزلها مشهد بين سوري ولبناني على بضعة أرغفة من الخبز، وقد شهدت منطقة البداوي في طرابلس شمال لبنان، إطلاق رصاص لبناني-لبناني، وقع ضحيته ثلاثة جرحى بسبب خلافات على أفضلية الدور في طابور شراء الخبز.

خبرٌ مؤسف كالذي سبق، لم تكن له حصة في التراند في فضاء النشاط اللبناني الإلكتروني، ربما بسبب الاعتياد اليومي على إطلاق النار من دون سبب، ولكل الأسباب، وآخرها صدور النتائج الرسمية لامتحانات الصف التاسع، ليلة أمس الخميس.

أما السوري في لبنان، فهو دائماً تحت المجهر، بين فينةٍ وأخرى تظهر حملة معادية لوجوده، تارةً بتحميلهم مسؤولية بطالة الشباب اللبناني، وطوراً بتجريمهم وعدّهم وكر الجرائم في القرى التي قطنوها. اليوم كان عنوان الحملة في وجههم: "سارقو الخبز".

"رقمٌ هائل... إليكم عدد ربطات الخبز التي يستهلكها السوريّون في لبنان يومياً"؛ هذا هو العنوان الذي انتشر بشكل "هائل" على مواقع إخبارية لبنانية متعددة

العودة "الطوعية"

وتقاطعت هذه الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي العديد من الخطابات السياسية، مع تصعيد لبناني رسمي ورد على لسان رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي هدد بالقول: "أدعو المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً لدول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم"، وذلك خلال إطلاقه خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2022-2023 في 20 حزيران/ يونيو 2022.

خطة ميقاتي التي تقضي بإعادة 15 ألف لاجئ سوري بشكل شهري إلى بلادهم، تحظى بمباركة الكنيسة وبموافقة كبيرة من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي شدد على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ورفض فكرة دمجهم في المجتمعات التي تستضيفهم، كما عبّر عن رفض لبنان لما صدر عن بعض الدول حول توجُّه نحو دمج السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم خلال لقائه الأخير مع نائبة المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي.

بدوره، نائب حزب الكتائب اللبنانية نديم الجميل، غرّد عبر موقع تويتر: "عودة اللاجئين السوريين ليست خياراً بل ضرورة وطنيّة. فإذا كانت سوريا غير آمنة لعودة السوريّين، فإنّ بقاءهم غير آمن للّبنانيين والأحداث الأخيرة دليل على ذلك! فإمّا العودة أو العودة".

المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، في تصريحاته الأخيرة يوم أمس الخميس، قال: "لا نية للمجتمع الدولي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، وهناك دول كبرى تعرقل عودتهم بحجج عديدة"، كاشفاً عن تقديمه عرضاً للدول الأممية يقضي بتأمين عودة آمنة بعد الحصول على ضمانة القيادة السورية، ولكن تم رفضه لأنه لا إرادة دولية لعودتهم في المدى القريب، وفق تعبيره.

"عندي اقتراح للحكومة اللبنانية ألا وهو البدء بإرسال النازحين السوريين في لبنان إلى أوروبا بالبحر، كما فعل أردوغان وبس، وسترون كيف يأتي الغرب بأمه وأبيه راكعاً إلينا"، لبنان يقدم "نصيحة" لحكومته، على اعتبار أن النازح سبب "كُل مشاكله"

كتلة الوفاء للمقاومة أصدرت بياناً في 14 تموز/ يوليو الجاري، دعت فيه إلى تنشيط حركة عودة النازحين الآمنة إلى بلادهم، وللمفارقة فقد طالب النائب أشرف ريفي أيضاً بعودة النازحين إلى بلدهم لتتضح الصورة على الشكل التالي: الأحزاب والطوائف اللبنانية المتناحرة التي فرّقتها الانتخابات، واختلفت على كل صغيرة وكبيرة، اجتمعت على قلب واحد، في موضوع اللجوء وعودة اللاجئين العاجلة.

الحملة الشعبية "الشعبوية"

وللشعب المؤيد لهذه الحملة التهجيرية القسرية للسوريين من لبنان حصة كبيرة أكثر صلافةً واحتقاناً. أحد الحسابات نشر صورةً لرجل يسير وخلفه ثلاث نساء وجمع من الأطفال، معلّقاً: "يلّي بيعرف مين الأم بيربَح معنا ربطة خبز"، في إشارة إلى كثرة الولادات في المخيمات وفي صفوف السوريين.

حسابٌ آخر باسم أندريه، غرّد على تويتر: "عندي اقتراح للحكومة اللبنانية ألا وهو البدء بإرسال النازحين السوريين في لبنان إلى أوروبا بالبحر، كما فعل أردوغان وبس، وسترون كيف يأتي الغرب بأمه وأبيه راكعاً إلينا".

بينما اتّخذ الأمر منحى طبقياً بعد ترويج فكرة أن النازح أو اللاجىء السوري في لبنان يتقاضى راتباً بالدولار الأمريكي من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية ويعيش مرتاحاً بينما يعاني اللبناني الأمرّين. على سبيل المثال، كتب هذا الحساب "شي مرة حدا انتبه ع الموبايلات يلي بيحملها النازح؟ صرلي 6 سنين بستعمل نفس الموبايل ما عم بقدر اشتري جديد ع قد ما دولة #نبيه_بري مخوزقة اللبناني بفواتير. بس النازح يلي غِني ع ضهر الشعب اللبناني بيحمل أحدث موبايل. تاني مرة بتشوفوا نازح جرّبوا اطّلعوا ع موبايله"، منهياً التغريدة بوسم #النازحين_السوريين_الأغنياء. 

رمي المسؤولية

يصف المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية زياد عبد الصمد، المشهد بأن "الطبقة السياسية في لبنان ترمي فشلها ونتيجة فسادها المستشري على الآخرين وتتهرب من مسؤولياتها أمام شعبها"، ويقول لرصيف22: "نعم هناك أزمة كبيرة أول أسبابها النظام الاقتصادي الريعي والسياسات الخطأ التي أوصلتنا إلى هذا العجز الاقتصادي. العامل الثاني هو اندلاع الأزمة في سوريا وبدء تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان ما شكّل ضغطاً إضافياً على موارده، لكن ذلك لا يعني أن اللاجىء هو الأزمة أو سببها بل سوء تنظيم توافدهم وإقامتهم وعدّهم لاجئين مرةً ونازحين مرةً أخرى. الإهمال الرسمي اللبناني وعدم وضع إستراتيجية حقيقية هما ما أديا إلى ما نحن عليه اليوم".

لا شك في أن أزمة اللاجئين تُشكل عبئاً على الدولة اللبنانية الغارقة بأزماتها، إلا أن السلطة السياسية في لبنان رفضت منذ بدء أزمة اللجوء أن تقوم بخطوات عملية لتنظيم هذا اللجوء وللحد من انعكاساته، وهي تقطف اليوم ثمار ما زرعته

من جهتها، ترى الناشطة عليا منصور، المهتمّة بشؤون اللاجئين، أن "الحملة الأخيرة ضد السوريين في لبنان بدأت مع تصريح ميقاتي الذي رفع فيه إصبع التهديد محاولاً مغازلة التيار الوطني الحر الأكثر رفضاً للوجود السوري في لبنان ليكسب أصواته".

ترى منصور أن إلقاء اللوم على الحلقة الأضعف، أسهل وسيلة، بينما السبب الفعلي لوقوف الناس سوريين ولبنانيين على طوابير الخبز هو تهريب القمح من لبنان إلى سوريا والحل بكل بساطة وقف التهريب.

"الأحزاب المسيحية أول المؤيدين لإعادة السوريين المحفوفة بالمخاطر إلى مناطقهم، وبعض الشعب اللبناني يمارس فشة خلق عشوائيةً، وأحياناً عنصريةً وطائفيةً، بينما مثلاً أبناء طرابلس اليوم يعيشون معاناة السوري بالهرب في قوارب الموت من وطنهم بحثاً عن فرصة حياة أفضل"، تقول منصور لرصيف22.

مغالطات واستثمار

يستعد وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، للقيام بزيارة إلى دمشق بهدف بحث ملف اللاجئين السوريين مع الجهات الرسمية

يستعد وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، للقيام بزيارة إلى دمشق بهدف بحث ملف اللاجئين السوريين مع الجهات الرسمية، وأكد في تصريح صحافي أن "الخطة تحمي العائدين من الملاحقات الأمنية، وتالياً يطاولها قانون العفو العام الذي كانت سوريا قد أقرّته، وكان يُعدّ من الأسباب التي تعرقل تنفيذ الخطة سابقاً، عدا عن أنها تضمن بتفاصيلها العودة الآمنة والكريمة".

ولاقت الخطة اللبنانية تعليقات دوليةً رافضةً تماماً لتعريض أمن المواطنين السوريين وسلامتهم للخطر من قبل هيومن رايتس ووتش ومفوضية اللاجئين التي سجلت حتى أيار/ مايو 2022، وجود 839،086 لاجئاً سورياً في لبنان، ما يجعله البلد الأكثر استضافةً لكل فرد نسبة لمساحته.

ينبّه عبد الصمد إلى أن "المنافسة المزعومة على فرص العمل بين اللبناني والسوري أو على الخبز والدواء وغيرها، خلقت جواً من التوتر ونزعةً عنصريةً تجاه اللاجئ السوري، علماً أن اليد العاملة السورية دعامة أساسية في بعض القطاعات"، أما الموقف الرسمي فيقول في صدده: "الضغط اللبناني على المجتمع الدولي حالياً ناتج عن عدم وجود قدرة حقيقية للبنان على الاستمرار، لكن لا يجوز أخلاقياً الاستهتار بحياة السوريين وحقوقهم البشرية تحت أي ذريعة".

عودٌ على بدء، فإن الاستثمار الإعلامي والحملات على وسائل التواصل الاجتماعي يصبّان في ما يمكن عدّه تحريضاً على السوري في لبنان وسط تداول أرقام مغلوطة عما يتقاضاه ويستهكله مقابل وضع "ابن البلد" المزري، ولم يُمحَ بعد مشهد العمال السوريين المنكَّل بهم في منطقة العاقورة من قبل أحد "القبضايات"، من الذاكرة، على ألّا تتضاعف هذه الحملات والأفعال في الأيام المقبلة، لكن العكس يبدو هو الأقرب إلى الواقع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image