شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"ما هي المرأة؟"... كلهن/ـم في حيرة أمام السؤال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 15 يوليو 202211:00 ص

لا نعلم إن كانت ترجمة سؤال "?what is a woman" صحيحة بالصيغة التي اخترناها: "ما هي المرأة؟"، ففي عالم الضمائر اللغوية فيه محط صراع، وحق كل شخص بأن يختار كيف "نُسميه" وصل إلى حد التجريم في حال انتهاكه (الوثيقة سي-16 في كندا)، جعل من فعل الترجمة شأناً شديد الحساسية، فهل نقول "ما هي المرأة ؟"، " ما المرأة؟"، "ماذا هي المرأة ؟"، وغيرها من التنوعات وأساليب الاستفهام القادرة على استفزاز البعض بسبب سذاجتها.

العبارة السابقة هي عنوان الفيلم الوثائقي القصير (الساخر نوعاً ما) الذي أنجزه مات والش هذا العام، وبما أننا في عصر الهويات والفئات، عصرٌ جسد الشخص فيه معيار للحكم على مُنتجه، لابد من إيضاح الفئة التي ينتمي إليها والش، هو رجل، أمريكي، أبيض، محافظ، زوج لامرأة، لديه أربعة أطفال، كاتب صحفي، مقدم برامج ساخرة، ذو لحية، يقال إن ثروته تصل إلى 5 ملايين دولار، طوله 1.82 م.

هل فقدنا القدرة على وضع تعريف للمرأة؟ وهل كل شخص بإمكانه أن يعرّف المرأة بالشكل الذي يريد؟

هل تحولت نظريات الجندر إلى صناعة؟

الفيلم الذي أنجزه والش أثار الكثير من الجدل، واتهم إثره بمعاداة المثلية والمتحولين، يحمل عنوان "ما هي المرأة: رحلة رجل واحد للإجابة عن سؤال جيل"، وكما يتضح من العنوان، والش، يتبنى شخصية الرجل الساذج، ويتحرك بين الأكاديمية، ومسيرات الناشطين، والأطباء النفسين، وأطباء عمليات التحوّل الجنسي، ومعالجي الأطفال، ورجال السياسية، و"ضحايا" عمليات التحول الجنسي، والرياضين الشبان والشابات، لطرح سؤال: ما هي المرأة؟ المرعب أنه لم يتلق أي جواب، لم يجرؤ أو لم يقدم أحداً جواباً لتعريف "المرأة"، وهذا بالضبط ما يثير القشعريرة، خصوصاً أن الفيلم الذي يبدأ بسذاجة متعمدة، ينتهي بمأساة، مفادها باختصار أن عمليات التحويل الجنسي ومقاربات الجندر التي تطبق على الأطفال، ليست إلا صناعة رأسماليّة، آثارها على المدى الطويل غير مدروسة، بل وتسبب عطباً دائماً لمن يخضع لها من المراهقين.

الخوف، القشعريرية، حماية المشاعر، الناشطين، كلها أدوات جديدة هددت قطاع الأكاديميّة، والرياضة والسياسية والقضاء إلى حد مرعب

يتبنى مات لبناء حججه ولكشف تحول "الدور الجندري" إلى صناعة مؤذية وخطاب إقصائي، عدة تقنيات، إذ يراهن بداية على سؤاله الشخصي (ولم لا، نحن في عصر الفردانيّة)، ودوره كأب خائف على مستقبل أولاده، فهل يمكن أن يكون هو مساهم في "قمع" هوياتهم؟ هل يقف بوجه نموهم؟ لا إجابة عن ذلك، خصوصاً أن وسائل التواصل الاجتماعي وهوليوود والطب النفسي الجندري روّجوا لحقيقة مفادها أن المراهقين القلقين تجاه هوياتهم (كأي مراهق في أنحاء العالم)، يمكن أن يجدو حلاً لأزمة بلوغهم عبر "تأكيد الجندر" ذي المعنى المائع، الشأن الذي لم يعد فقط سلوكاً ثقافياً، بل عمليات طبيّة غير مضمونة النتائج.

مشاعر الفرد وحرية تعبير الجميع

الطفل بعمر الأربع سنوات قادر على تحديد جندره

لا يمكن ان نلخص الفيلم، أو نعلق عليه لأن الاتهامات جاهزة وواضحة بل ولاحقت مات نفسه، لكن هناك بعض العبارات التي ينطقها المختصون والتي تثير القشعريرة، مثلاً "الكبت الهرموني للمراهقين الحائرين يوظف ذات الدواء المستخدم في الإخصاء الكيمائي"، "الطفل بعمر الأربع سنوات قادر على تحديد جندره"، " الجندر بدعة غربية لم تصل إلى باقي العالم كما نيروبي مثلاً"، "لا يوجد اختلاف بين امرأة وبين رجل تحول إلى امرأة في الرياضة"، هذه العبارات نتاج سؤال مات البسيط "ما هي المرأة؟"، الذي رفض كل من قابلهم، من أكاديميين، رجال سياسية، أطباء، الإجابة عنه، بحجة أن كل شخص بإمكانه أن يعرّف المرأة بالشكل الذي يريد.

وظف مات السذاجة لعرض وجهة نظره، أي هل بإمكانه أن يقول عن نفسه إنه أسود؟ ضحك كل من سألهم السؤال، في ذات الوقت وجدوا أنه قادر على القول إنه امرأة؟ وهنا حجة مات تتضح، إذا كان الجندر بناء ثقافياً، في تجاهل تام للحقائق الطبية والعلميّة، لماذا تلجأ الأكاديميّة والمؤسسة الطبيّة إلى العمليات الجراحية "التجريبية" لترسيخ هذا البناء الثقافي؟ لم من يريد أن يقطع يده مختل عقلي ومن يريد قطع ذكره أو من تريد امتلاك ذكر تصنف/يصنف بأنه يمر بأزمة جندرية لها حلّ طبي؟

تحولت نظريات الجندر إلى صناعة رأسماليّة مدعومة قانونياً في الغرب، صناعة مرعبة تقتات على الأجساد وتهدد الأجيال القادمة، فهل ننتقد أو نقف متفرجين خوفاً على مشاعر الناس؟

لا إجابة عن هذا السؤال، لكن هناك ما يدعو للتفكير، ولن نشير إلى الدقائق التي ظهر فيها جودرن بيترسون كي لا نتهم بالذكورية، لكن في الفيلم شهادات حية لمتحولين وأكاديميين يصفون ما يحصل بأنه صناعة لا إنسانيّة، وتلاعب بالمشاعر، ولا دراسات طويلة المدى حول مدى صحتها، ونقصد هنا تغيير الجنس للمراهقين، والأهم يجب حماية الأطفال وتوعيتهم، أي ببساطة قلق المراهقة من أشكال البلوغ، الذي بعده، يحق لأي أحد أن يفعل ما يشاء.

عصر الفردانية المفرطة بالحساسيّة

لن نناقش شأن الجندر بوصفه دوراً اجتماعياً وليس حقيقة علميّة، لكن الملفت هو حرب الادعاءات الذاتية، أي تحول جرح المشاعر عبر عدم الانصياع لإحساس الآخر، إلى عنف أو جريمة كراهيّة، الشأن الذي لن نعلق عليه أيضاً. لكن ما يجب فهمه بدقة، أن الفيلم لا يهدد الميول الجنسية، ولا يدعو إلى محاربة الطيف الجندري، وليس دعوة لتكذيب الضحايا أو تهديد رغباتهم، بل محاولة للتفكير، لم يمتلك البعض حقاً بالتعبير عن "أنفسهم" وآخرون فقدوا هذا الحق، والأهم، هل وصل بنا الحد من الخوف والقشعريرة إلى درجة عدم وضع تعريف للمرأة أو الرجل، ولو تعريف ساذج، أم لكل تعريفه الخاص، الذي ولو كان جدياً، ساخراً ، خاطئاً... الخ، قادر على توريط صاحبه في عمل جراحي قد يهدد حياته؟

"المرأة هي أنثى بشرية بالغة، تحتاج مساعدة في فتح علبة المخلل"

نقف محتارين كوننا لا نتبنى وجهة النظر المحافظة، ولا نصادر حق أي أحد بالتعبير، لكن أليس من حق الجميع أيضاً الكشف عن الأعطاب القانونية والفكرية؟ ألا يجب أن نشير إلى دور رأس المال المقنع بالأيديولوجيا في تهديد حياة الأفراد؟ أيضاً لا نمتلك جواباً. لكن يكمن الحديث عن أزمة الذاتية التي يتحدث عنها الفيلم، وهي حقيقة تاريخيّة لا يمكن تجاهلها، تلك التي تبناها الناشطون، الذين ينعتهم البعض بـ"عديمي الإنجاز"، من يحولون جسدهم وحياتهم إلى مصدر للحقيقة والحكم على العالم والآخرين، هذه المقاربة، التي لا نتفق معها كلياً، والتي تتهم البعض بالكسل، والرغبة بتحقيق الذات آنياً، تخلص في الفيل، بأن البناء الثقافي الجديدة زرع في العقول فرضية مفادها أن السعادة الفردية هي مفتاح الازدهار الذاتي، ويجب خلق التطابق بين المشاعر والواقع دون جدل، أما سبب التعاسة الذاتيّة فهو العالم، كلّ العالم، الذي يسخر من امرأة بالغة قررت أن تكون ذئباً.

هامش: نهاية الفيلم مبتذلة جداً، إذ يعود والش إلى منزله بعد نصيحة جوردن بيترسون، ويسأل زوجته: ما هي المرأة؟ فتجيب : "المرأة هي أنثى بشرية بالغة، تحتاج مساعدة في فتح علبة المخلل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image