يفترض شكل العالم الحاليّ هيمنة قضيبيّة استعماريّة، ماديةً أو رمزيةً، تتجلّى هذه الهيمنة في الإنتاج، سواء إنتاج البشر/اليد العاملة، أو إنتاج الموجودات المادية لخدمة الإنتاج السابق ومراكمة الربح.
يفترض شكل العالم الحاليّ هيمنة قضيبيّة استعماريّة، ماديةً أو رمزيةً، تتجلّى في الإنتاج وتقسم العالمَ وتكويناته بين قضيبي مُنتج، مُمنهج، يستثني ويطبّع، ينفي الأعداء ويشمل الحلفاء، يرغب بالاحتلال وإعادة تكوين العالم، وبين بظريّ، لذّوي، مائع الحدود، غير محكوم بزمن إنتاج، قائم على اللعب والقواعد المرتجلة، بحيث تميل شروط الحياة نحو صيغة تضمن الرخاء لا النجاة
تقسم هذه المركزيّة العالمَ وتكويناته بين قضيبي مُنتج، مُمنهج، يستثني ويطبّع، ينفي الأعداء ويشمل الحلفاء، يرغب بالاحتلال وإعادة تكوين العالم، وبين بظريّ، لذّوي، مائع الحدود، غير محكوم بزمن إنتاج، قائم على اللعب والقواعد المرتجلة، بحيث تميل شروط الحياة نحو صيغة تضمن الرخاء لا النجاة.
لا نتعامل مع البظر هنا كتكوين مادي في جسد الأنثى، بل كجهاز معرفي، يعيد النظر في العالم وتقسيماته، ويهدّد وحداته الاجتماعيّة المختلفة، "الأسرة، المجتمع والدولة.."، إلى جانب زعزعته لفئات العالم الثقافيّة والفنيّة، بحيث تتلاشى قيم مثل: راق ومبتذل، جيد وسيء، مركزي وهامشي، طبيعي وثقافي، لحساب اللعب، وتطوير آراء وأدوات وأشكال تعبير وممارسة يوميّة قائمة على أساس المتعة، وارتجال قواعد جديدة للعلاقات تشمل كل من يريد اللعب، هذه القواعد تتغيّر دوماً، كما في اللذة البظريّة بمعناها الحرفي، هي لا متناهيّة، غير محكومة بزمن الانتصاب، ولا بالقدرة على قذف النطاف، وما يتحكّم بالإيقاع هو تصاعد اللذة وتسارعها لا لحظة الإنزال القضيبيّة، ما يعني أن جهد الحياة غير محكوم بالزمن الاقتصادي أو السياسي ولا يتبنى الحكايات الوطنيّة، ولا يسعى للبقاء، أما استمرار الحياة فلا يرتبط بالقدرة على إنتاج "الجموع" بل بالرغبة بتشكيل العالم بوصفنا جزء منه لا مُحتلين له أو كائنات طفيليّة تقتات على بعضها البعض.
هذا التخيّل للعالم غير موجود، لكن يمكن تبنّي خصائصه على صعيد يوميّ، فالشكل القائم للعالم الآن سام، لا يصلح لحياتنا، أي لا يمكن لأحد أن يستمرّ في الحياة دون تدخّل سياسيّ، هو بحاجة للقاحات وتطوير مناعة ومضادات حيويّة، وكلما ازداد في العمر ازداد اعتماده على السلطة السياسيّة والاقتصاديّة ليستمرّ، أي يزداد اعتماده على السلطة القضيبيّة، لكن، ماذا لو مارسنا الجنس أكثر، دون أي مسؤولية تجاه التكاثر وإنتاج يد عاملة، أي أن تميل أنشطتنا البشريّة نحو اللاربح المادي، بل تتمركز حول اللذة البظريّة التي تفنى إثرها احتمالات الإنجاب، فلا سوائل تهدر (النطاف) ولا قنوات حيوية للتكاثر (الرحم)، بل رعشة صرفة لا ضوابط لها ولا ذنب يليها.
هل أريد أن أصبح مشهوراً مكرّساً أراكم الأموال، أم أن أمارس الجهود الفنيّة والثقافيّة فقط لمتعة الممارسة، ماذا لو تجاهلنا تاريخ الفن والأدب وأشكال الحكم السياسيّ لصالح اللعب بمعناه الصرف، لصالح متعة ذاتيّة تحرّرنا من أحكام القيمة ومن كل ما هو مرتبط بها.
الخيار السابق شخصيّ، ومرتبط بالعلاقة مع مكوّنات هذا العالم، هل أريد أن أصبح مشهوراً مكرّساً أراكم الأموال، أم أن أمارس الجهود الفنيّة والثقافيّة فقط لمتعة الممارسة، ماذا لو تجاهلنا تاريخ الفن والأدب وأشكال الحكم السياسيّ لصالح اللعب بمعناه الصرف، لصالح متعة ذاتيّة تحرّرنا من أحكام القيمة ومن كل ما هو مرتبط بها.
اللذة البظريّة بمعناها الحرفي، هي لا متناهيّة، غير محكومة بزمن الانتصاب، ولا بالقدرة على قذف النطاف، وما يتحكم بالإيقاع هو تصاعد اللذة وتسارعها لا لحظة الإنزال القضيبيّة
شروط الحياة الآن مصمّمة لنفي هذه الأشكال من الممارسات وتحويلها إلى "رفاهيّة" عوضاً عن أن تكون "حقّاً"، لكن يمكن التسلل بين شقوق السطوة السياسيّة وإعادة تنظيم الوقت لتحويله إلى زمن للعب.
بالعودة لهمّ "الاستمرار" و"مسؤولية إنتاج البشر" حرّرتنا التكنولوجيا – ولو نظرياً- من هذه المعضلة، هناك الاستنساخ والتلقيح الاصطناعي، وغيرها من التقنيات التي ستصبح ديمقراطيّة قريباً، والتي ستنعتق بفضلها أجسادنا من تصنيفها كمصانع لإنتاج الآخرين، ويمكن إثرها أن تصبح مساحات للعب واللاجديّة، فمفاهيم الأسرة واليد العاملة تتلاشى أمام اليوتوبيا الطبيّة-الصناعيّة، ما يعني أن الصراع ثقافي وعقائدي، مرتبط بشكل الإنسان القويم والمثالي، بصورة أدق، الشكل القضيبي المتوارث والمتفق عليه والذي نظنّ أن علينا مسؤوليّة الحفاظ عليه، هنا تأتي المقاربة البظريّة بوصفها تحريراً للجسد من مسؤوليات إنتاج أشباه له، وتوفير شروط حياة لها، ثنائيّة الذكر والأنثى وإنتاج السلالة تتلاشى، لتصبح العلاقات تقوم على سؤال آخر، من قادر على اللعب معي دون أي شروط أو مسؤوليات؟، ما يعني استبدال مفاهيم الجدوى والمساهمة في بناء العالم بمفاهيم الرغبة باكتشاف لذّات جديدة ومعارف جديدة تتجاوز الوعي العقلاني، نحو اللعب البظريّ الذي لا يدّعي بناءً أو تقويضاً، بل يتحرّك ضمن مساحات يتساوى فيها الجميع لأجل أشكال جديدة من التجارب البشريّة التي لا ترتبط بازدياد العدد بل بنوعيّة الحياة.
شروط الحياة الآن مصمّمة لنفي أشكال اللعب وتحويلها إلى "رفاهيّة" عوضاً عن أن تكون "حقّاً"
كل الكلام النظري والفانتازمي السابق، يمكن أن نقرأه بصيغة واقعيّة على الشكل التالي: إن كان هذا العالم مسموماً، لم المساهمة في زيادة سميّته وإنجاب بشر جدد محكوم عليهم بالاستهلاك والمراقبة والخضوع لأجهزة الدولة؟، ألا يمكن أن يتحرّر اللعب والممارسات الفنيّة والثقافيّة من السياسيّة؟ هل يجب أن تكون الملذات الجنسيّة المتنوّعة مقرونة بالخطيئة التي يكفّر عنها بالإنجاب و"الاستقرار" وتكوين أسرة أو ببساطة "الإنتاج"؟
المقاربة البظريّة مرتبطة بأسلوب حياة، سلسلة من الألعاب غير المؤذية وغير المتشابهة التي تترك أثراً ضمن إطار ضيق، لنرى أنفسنا مع استمرارها وانتشارها أمام شكل من العلاقات والمفاهيم التي يتبنّاها أشخاص يتحرّكون بيننا متحرّرين من مسؤولياتهم "الجديّة"، يراهنون على اللعب والمُتع لا على البقاء، وكأنهم مُتخفّفين من ثقل الوجود.
صورة المقالة لـ Sascha Matusch من موقع Unsplash.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com