"تعرفت على زوجي (ديتلف) الألماني قبل أربعين عاماً في حفلة عيد ميلاد إحدى زميلاتي في سكن الطلبة. أخبرني يومها بأنه يقرأ كتاب سيرة ذاتية مترجماً للألمانية لكاتبة فلسطينية، وسألني هل أعرف تلك الكاتبة، لكنني لم أكن أعرفها وطلبت منه أن يعيرني الكتاب بعد أن يكمله. أعارني الكتاب بالفعل بعد ذلك وتبادلنا أرقام التلفونات".
هكذا بدأت فيروز، الفلسطينية التي تقيم في مدينة ميونيخ الألمانية كلامها.
وتكمل أنه كان يأتي من وقت لآخر إلى السكن المشترك، للانضمام مع زميلاتها في السكن في نشاطات مختلفة.
وبعد ما يقارب السنتين حاول دعوتها إلى بيته للتعرف على عائلته ولتنضم للاحتفال في الأعياد معهم، وبعدها بعام تزوجا في فلسطين.
أما نادر، وهو مصري، يبلغ 33 عاماً، مقيم في مدينة هامبورغ، فقد تعرف على شريكته (فيرينا) في العام 2015 من خلال دوائر النشاطات الاجتماعية لمجتمع الطلبة في جامعة لايبزيج حيث كانا يدرسان، وكان التعارف في حدود الصداقة فترة طويلة حتى تطورت علاقتهما فيما بعد.
الاختلافات الثقافية والصعوبات
أشار نادر إلى أن الاختلافات الثقافية لم تكن حاضرة في الفترة الأولى من الصداقة ولكن سرعان ما بانت بعد ذلك.
فهو كما يقول: "أنا قادم من مجتمع شرقي محافظ وهي ابنة مجتمع غربي وخلفية فكرية مغايرة". فالشعب الألماني بحسب نادر منغلق وغير منفتح في تكوين الصداقات بسرعة كالمصريين.
"أنا قادم من مجتمع شرقي محافظ وهي ابنة مجتمع غربي وخلفية فكرية مغايرة". يقول نادر، عن علاقته بزوجته الألمانية
وأشار لوجود اختلافات أخرى بينهما مثل مفهوم الكرم والواجب و"الجدعنة" والترحيب بالضيوف: "كل تلك الخصائص موجودة لدى الشعب الألماني بالطبع ولكن هناك اختلافاً واضحاً في تطبيقها".
من جهته، نديم 30 عاماً، فلسطيني يقيم في مدينة "لوزان" في سويسرا أوضح أن هناك اختلافات يومية بينه وبين زوجته السويسرية (سينتيا)، فهي مثلاً تفضل أن تكون مبكرة في مواعيدها، بينما هو متأخر في معظم المرات. ويضيف: "السويسريون معتادون أن يخططوا لأي شيء قبل وقته بفترة جيدة، فلو أرادوا أن يلتقوا في عطلة نهاية الأسبوع ينظمون اللقاء قبل بشهر أو شهرين، بينما نحن العرب نفضل أن نكون أكثر عشوائية، فمن الصعب لدى الأوروبين أن يكلم أحدهم أخاه أو صديقه ليسأله عما يفعله في يومه ويخبره بأنه قادم لزيارته، كل شيء لديهم يجب أن يكون مخططاً له مسبقاً".
ومن الاختلافات الثقافية الأخرى التي ذكرها نديم تعامل كل منهم مع القوانين: "أحياناً يكون هنالك أشغال على الطريق مثلاً ويمنعون السير في أحد الشوارع لتفادي زحمة السير، ولكن في يوم الأحد حين لا يكون هنالك أشغال ولا حركة سير أجد أن المرور من الشارع أكثر منطقية من أخذ طرق أبعد بكثير، بينما تجد زوجتي هذا مرفوضاً كلياً. أو حين نتوجه إلى البنك ويقول الموظف شيئاً على أنه قانون، عندها لا يحاول السويسريون مناقشة أسباب وضع هذا القانون، عليهم احترامه والالتزام به ولو لم يجدوه منطقياً أو عملياً".
أجمل ما في الاختلاف يحدث عندما يتطبّع كل من الشريكين بالآخر ويأخذان من صفات بعضهما البعض
ولكن بحسب نديم أجمل ما في الاختلاف يحدث عندما يتطبّع كل منهما بالآخر ويأخذ من صفات شريكه، يقول: "صرت أحاول أن أكون ديبلوماسياً اذا أمكن القول، أو أحاول التفكير بعقلية سويسرية لتفادي المشاكل مع شريكتي، وهي أيضاً صارت تحاول أن تتحدى بعض القوانين حين تجدها غير منطقية".
أما (ناي)، 30 سنة، ابنة مدينة نابلس الفلسطينية التي تقيم في مدينة "ليل" الفرنسية، تقول لرصيف22: "هنالك اختلافات ثقافية كثيرة بيني وبين زوجي الفرنسي. بنظرة معمقة تجاه الأمور وتقييمها، نحن كثقافة فلسطينية نأخذ كل شيء على محمل الجد ونفكر فيه ونتفحصه جيداً، من أبسط فكرة إلى أكبرها مثل البدء بمشروع جديد أو حتى وظيفة جديدة، بينما هنا في فرنسا الأمور في غاية البساطة ودائماً يوجد حلول لكل شيء". فضلت ناي استخدام اسم مستعار لكي تحافظ على خصوصيتها وخصوصية علاقتها بزوجها.
من جهته يقول نادر: "ساعدني عاملان على تقبل الاختلافات الثقافية بيني وبين زوجتي، الأول كوني إنساناً مؤمناً بالاختلاف والحرية، والثاني كون زوجتي عاشرت أناساً من ثقافات مختلفة ولديها ما تملكه من التعليم والقيم التي تجعلها تتقبل أيّة اختلافات ثقافية وتؤمن بمبدأ الخصوصية الثقافية بعيداً عن النظرة الاستعلائية".
أما حول الصعوبات التي واجهت هؤلاء الأزواج في بداية علاقاتهم، فتوضح فيروز: "في البداية واجهتنا الكثير من الصعوبات الإدارية في معاملات الإقامة. في ذلك الوقت كانت ألمانيا تصعب أمور الإقامة على الجميع. لم أحصل مباشرة على رخصة عمل مع أنني قبلت في العديد من الوظائف؟ مما جعلنا في بداية زواجنا نقع تحت وطأة الكثير من الضغوط الاقتصادية خاصة أن زوجي كان حينها طالباً جامعياً يدرس الاقتصاد الدولي، وهذا ما جعل عائلته تتحمل مصاريفنا المعيشية، وقد كان ذلك صعباً جداً بالنسبة لي، لأنني لم أعتد الاعتماد على عائلتي، وكان زوجي يحاول العمل في عطلة نهاية الأسبوع ليخفف العبء عن عائلته، إلى أن استطعت أخيراً الحصول على تصريح العمل واستلمت أول وظيفة لي في ألمانيا".
"ساعدني عاملان على تقبل الاختلافات، الأول كوني إنساناً مؤمناً بالتنوع والحرية، والثاني كون زوجتي عاشرت أناساً من ثقافات مختلفة وهي تؤمن بالخصوصية الثقافية بعيداً عن النظرة الاستعلائية". يقول نادر، عن علاقته بزوجته الألمانية
أما نادر فواجهته وشريكته في البداية صعوبات تتمثل ببعد المسافة، حيث اضطرت هي للسفر إلى إيطاليا بعد شهرين من بدء علاقتهما لأسباب دراسية، ولكنها عادت إلى ألمانيا بعد ستة أشهر لأنهما أدركا أن العلاقة قد تكون في خطر إذا طالت المسافة بينهما. ويضيف: "سبّب الاختلاف الثقافي أيضاً بعض الصعوبات، فأنا وإن كنت منفتحاً جداً فتربيتي الشرقية لها صبغة على مفاهيمي، لكننا لحسن الحظ تخطينا تلك العقبات بالحوار والفهم للاختلاف الثقافي والوصول لحلول مرضية للطرفين".
لغة التواصل
يتواصل كل من ناي ونادر مع شريكيهما باللغة الإنجليزية بشكل أساسي ولكن هذا لا يغني عن محاولة كليهما تعلم لغة شريكه، وشريكاهما أيضاً يحاولان تعلم اللغة العربية.
بالنسبة لنادر التواصل باللغة الإنجليزية لم يكن صعباً لأنه يستخدم اللغة الإنجليزية في الدراسة منذ مدة طويلة، ومعظم أصدقائه ينتمون لدول مختلفة، لذا فإن مجتمعه ودوائره كلها تستخدم الإنجليزية، ويرى نادر أن استخدام لغة عالمية يجعلك تفكر بطريقة أكثر انفتاحاً، ويعتبر أنه وزوجته يعبران كل منهما عن نفسه بشكل أكثر من كافٍ ضمن العلاقة: "ولكن طبعاً أحياناً يريد الشخص أن يعبر عن شيء ما باستخدام نكتة شعبية أو مثل شعبي أو مقتطف من فيلم شهير فيجد صعوبة في ترجمته، ولكننا نحاول في كل مرة أن نحول ذلك إلى نقاش شيق حول تفكيك ثقافة وعقلية كل شعب في التعبير عن نفسه".
أما فيروز وزوجها فهما يستخدمان اللغة الألمانية في التواصل، مع أنهما أحياناً يتكلمان اللغة العربية التي تعلمها زوجها، ولكن لغته غير متمكنة ليستعملاها في جميع المواقف.
في حين أن نديم يستخدم وزوجته للتواصل اللغة الفرنسية، وهو ما يشكل صعوبة له حين يريد أن يعبر عن نفسه فلا يجد أحياناً الكلمة المناسبة ليستخدمها أو يستخدم كلمة خاطئة فيحصل سوء في الفهم، بينما سينتيا زوجته لا تجد مشكلة بالتعبير عن نفسها لأنهما يستخدمان لغتها الأم.
ويعتبر نديم أن هنالك الكثير من المزايا للارتباط بشريك أجنبي، من بينها الانفتاح وفهم الثقافات المختلفة، وهو ما يزيد من الغنى الثقافي وتقبل جميع الناس على مختلف خلفياتهم الثقافية واللغوية والدينية.
تربية الأبناء
"الانفتاح كان دوماً مهماً بالنسبة لنا في تربية أبنائنا الثلاثة، فنحن نربيهم على أهمية تعدد الثقافات وأن لكل ثقافة الصالح والطالح، وعلينا أن نأخذ الجميل في كل ثقافة لنطبقه في حياتنا". بيّنت فيروز لرصيف22.
يشغل نديم وزوجته سؤال: "كيف نربي أولادنا في المستقبل؟"
ويضيف: "ثقافياً سيكون هناك بالتأكيد مزج بين الحضارتين، خاصة أن هنالك الكثير مما تحبه زوجتي بالثقافة الفلسطينية مثل الروابط العائلية القوية لدينا. أما لغوياً فمن المهم بالنسبة لي أن تكون اللغة العربية حاضرة في البيت حتى ولو كانت لغة أبنائي الفرنسية أقوى لأننا نعيش في سويسرا وأصدقاؤنا جميعهم يتكلمون بالفرنسية، أما دينياً فأحب أن أربي أبنائي على قيم الديانة المسيحية التي تربيت عليها".
"ثقافياً سيكون هناك مزج بين الحضارتين، خاصة أن زوجتي تحب الروابط العائلية القوية الفلسطينية. أما لغوياً فمن المهم بالنسبة لي أن تكون اللغة العربية حاضرة في البيت". يقول نديم، المتزوج من سويسرية
أما ناي فتنوي وزوجها تربية أبنائهما على الثقافة الفلسطينية في المرتبة الأولى والاستفادة من المميزات الايجابية للثقافة الفرنسية.
نادر من جهته يقول إن اللغة ستكون عائقاً بحكم الدولة التي يعيشون فيها ولكنه يوضح أنهما ينويان أن يعلما أبناءهما وبناتهما اللغة العربية لكي يكونوا متصلين بالهوية المصرية.
"لا أريد أن تكون معرفتهم فقط باللغة العربية العامية ولكن نريد لأبنائنا أن يقرأوا العربية الفصحى أيضاَ ليتعرفوا على جمال وعمق اللغة والثقافة، خاصة أن زوجتي تحب اللغة العربية وتتعلمها".
تقبل العائلة لهذه العلاقات
أوضح نادر لرصيف22: "لم تبدِ عائلة زوجتي اعتراضاً على علاقتنا ولكنني أعتقد أن هنالك مخاوف كانت لديهم ولو لم يقوموا بالإعلان عنها صراحة، فأنا الشاب القادم من الشرق الأوسط المحافظ المتدين، لكن مع الوقت أعتقد بأنهم أدركوا مدى انفتاحي الفكري. ونفس المخاوف أيضاً كانت لدى عائلتي خاصة فيما يتعلق بتربية الأبناء في المستقبل، لكنهم حين تعرفوا على زوجتي تحولت كل تلك المخاوف إلى محبة واحترام وإعجاب متبادل بين عائلتي وزوجتي".
"أحد أصدقائي سألني مستنكراً، لماذا تتزوج من امرأة أوروبية، هؤلاء يتطلقن لأسخف الأسباب؟" يقول نديم، وهو متزوج من سويسرية
أما نديم فيقول لرصيف22: "من الصعب على الأهل تقبل المختلف عنهم، أعرف أن أمي كانت تفضل في بداية العلاقة لو كانت زوجتي عربية أو فلسطينية على وجه الخصوص، لم تبدِ رفضها بل تحفظها. أما والدة زوجتي فكان لديها الكثير من الصورة النمطية الخاطئة عن العرب، مثل اعتقاد الأوروبين بأن جميع العرب مسلمون، أو بأن العرب يسيئون لزوجاتهم، لكن حين تعرفت عليّ تغيّرت طريقة تفكيرها".
ويضيف: "أحد أصدقائي سألني مستنكراً، لماذا تتزوج من امرأة أوروبية، هؤلاء يتطلقن لأسخف الأسباب؟ وهي صورة نمطية أخرى لا أعرف مدى صحتها نسبياً ولكنها بالطبع تحتوي على تعميم خاطئ".
وأنهى نديم كلامه: "كل هذه المخاوف والصور النمطية تأتي من أشخاص من خارج العلاقة لا يعيشون العلاقة ولا يعرفون المواقف والنقاشات العميقة التي تحصل بين الشريكين، لذا فهذه المخاوف لا تؤثر على الشريكين. أعتقد أن من لديهم هذه المخاوف مثل الأهل، هم من عليهم التعامل مع هذه المخاوف لا الشريكان".
لهذه العلاقات مميزات كثيرة وصعوبات جمة بالتأكيد، وربما تحتاج لمجهود أكثر من باقي العلاقات التي تنتمي لثقافة واحدة ولغة واحدة، لكنها بالنسبة لمن يختارونها تستحق هذا التعب، لأنهم وجدوا في الشخص الآخر، شريك الحياة الذي يبحثون عنه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت