شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"قال أبي: كنتَ لتُذبح مثل هذه الشاة"... أسرار التكيّف والبقاء للملحدين في العيد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 يوليو 202206:06 م

كيف يقضي الملحدون والملحدات الأعياد والمناسبات الدينية في البلاد العربية، هل هم منافقون أم جبناء؟ أم إنها غريزة البقاء التي تفرض عليهم شكلاً من أشكال التكيف لغايات الحفاظ على النوع.

الملحدون في البلاد العربية الإسلامية سلالة ذكية متكيفة، لعلّها أكثر الكائنات تكيّفاً، فقد انتصروا على الديناصورات والماموث ووحيد القرن الأسود في قدرتهم على التعايش وتغيير الجلود بما يسمح لهم بالبقاء.
بحسب ما يُكتب عنهم في المحتوى العربي يمكن بسهولة تخيّلهم كسلالة غريبة لا تنتمي عرقياَ ولا جينياً لهذه البلاد، هم ليسوا أبناء هذه العائلات ولا يشبهونهم، بل أشبه بكائنات شريرة بحراشف فوق جلودهم وقرون فوق رؤوسهم.  
كانت هذه مقدمة لا بد منها للقول إن جميع الأسماء في هذا التقرير مستعارة بما فيها اسم الكاتب نفسه، وهي عادة درج عليها من لا يؤمنون بدين الأغلبية لدى التصريح عن معتقداتهم، وهو أيضاً خيار رصيف22 احتراماً وحمايةً لمن شاركوا بآرائهم بشجاعة في هذا التقرير.

ملحد سعيد مع المسلمين

يخفي حامد (36 عاماً) من ليبيا، إلحاده منذ ست سنوات، يقوم بمجاملة المجتمع على قدر استطاعته ولا يريد التصادم معه بأي شكل من الأشكال، بل يستطيع أن يتحول أمامه إلى رجل دين إذا لزم الأمر، يبرر حامد ذلك بقوله "أنا ما نحبش النفخ" وهي كلمة ليبية تعبر عن النقاشات العقيمة واللاجدوى من الكلام.
لا توجد مشكلة بالنسبة لحامد مع عيد الأضحى، فهو من عشاق اللحم والدهون ولا يعترف بطعام غيره، ويقول إن هذا نمط حياته اليومي في مجتمعه، فأي مناسبة تحدث في ليبيا يُذبح لها خَروف كواحدة من أشهر العادات والتقاليد.
وبالتالي فإن حامد ليس مضطراً لمجاملة عائلته في معتقداتهم الدينية لأنها تتوافق تماماً مع معتقداته المعوية، ويضيف : "أنا في عيد الأضحى أشعر بأني ملحد سعيد مع المسلمين، هو أفضل يوم في السنة بالنسبة لي".
كيف يقضي الملحدون والملحدات الأعياد والمناسبات الدينية في البلاد العربية، هل هم منافقون أم جبناء؟ أم إنها غريزة البقاء التي تفرض عليهم شكلاً من أشكال التكيف لغايات الحفاظ على النوع

"ده أسوأ يوم في السنة"

ليست مشكلة إسراء (28  سنة، مصر) مع عيد الأضحى أنها ملحدة في السر فقط، بل إنها أيضاً نباتية، حين تحدثنا معها قالت فوراً وبدون تردد :"ده أسوأ يوم في السنة بجد، أنا بقرف نفسي".
قبل عيد الأضحى بيوم تبدأ إسراء بمحاولات إقناع أهلها أنها لا تتحمل منظر الدماء ولا تحب أكل اللحم، فهي تريد أن تظل وحيدة وأن تقضي هذا اليوم في النوم بدون إزعاج.
ليست مشكلة إسراء (28  سنة، مصر) مع عيد الأضحى أنها ملحدة في السر فقط، بل إنها أيضاً نباتية، حين تحدثنا معها قالت فوراً وبدون تردد :"ده أسوأ يوم في السنة بجد، أنا بقرف نفسي"
لكن بالرغم من ذلك تتكرر سنوياً محاولات إقناعها الانضمام إلى أفراد العائلة ومشاركتهم الفرحة. تقول إنها تقضي هذا اليوم في مشاهدة المسرحيات الكوميدية في غرفتها، وتتحدث مع صديقاتها الملحدات في مكالمة مشتركة للنميمة حتى تنتهي فعاليات العيد ويعود الوضع إلى طبيعته.

سفير دولة ملحدة في دولة مسلمة

حاول خليل (32 سنة، العراق) قبل ثماني سنوات أن يعلن عن آرائه الإلحادية في صفحته الشخصية على فيسبوك معتقداً أنه يتحرك ضمن دوائر علمانية تتقبل الآراء وتسمح بحرية العقيدة، فواجه ضرباً مبرحاً من والده وعمه، يقول :"لم أشفَ بعد من كسر يدي بسبب ضربة قوية بالعصا من عمّي".
رغم الضريبة التي دفعها سارت الأمور على ما يرام بعد أن فهم أن المشكلة ليست في إلحاده بل في سُمعة الإلحاد في المجتمع، وأن والده كان يخشى رأي الناس فيه أكثر مما يخشى على عقيدة ابنه، هذا ما فهمه خليل وأدركه منذ أول لكمة.
يقول: "أتعامل مع مراسم عيد الأضحى مثل سفير دولة ملحدة في دولة مسلمة، العائلة تعرف أني لا أعترف بهذه الطقوس ومع ذلك يعتبرون مشاركتي معهم ومجاملتي لهم دبلوماسية لطيفة وهم يبادلونني بالمثل".
في العام الماضي، وبعد أن أكمل والده ذبح الأضحية، نظر إلى خليل وقال ضاحكاً أمام الجميع: "كنتَ ستكون مذبوحاً مثل هذه الشاة قبل ثماني سنوات لولا أن الله هداك ورجعت إلى عقلك".

رائحة أمعاء الخروف ما زالت في جوفي

حاول  أمير (26 سنة، سوريا) هو الآخر أن يعلن عن أفكاره الإلحادية ظناً منه أنه في زمن الحريات والانفتاح وتقبل الآراء، لكن مصيره كان أسوأ بكثير من أخيه في الإلحاد "خليل العراقي". والده كان إمام مسجد الحي، وكانت منشورات ابنه الجريئة بمثابة طعنة في الظهر، فحبسه لمدة شهر في غرفة تحت المنزل، وأجبره على قراءة القرآن يومياً أمامه، حتى استسلم أمير أخيراً وتظاهر بأنه ندم على كفره وأنه كان في غير وعيه مثل الممسوس بالجن.
في عيد الأضحى فكان والد أمير يجبره على النفخِ في بطن الشاة قبل سلخها، يقول :"رائحة أمعاء الخروف ما زالت في جوفي، أحياناً أصحو من النوم وأنا أشم هذه الرائحة القذرة".

"سعيدة لأني لا أمرّ بما تمر به صديقاتي "

سارة (22 سنة، الأردن) هي أصغر ملحدة في هذه المقابلات، بالرغم من أن أهلها مسلمون فإنهم لا يذبحون في العيد ولا يصومون في رمضان ولا يصلون أصلاً، تقول :"عندما اعترفت لأهلي بإلحادي لم يبد أحدهم أيّ اهتمام، فقط حذرني والدي من المجاهرة بأفكاري حتى لا أتعرض لأي أذى محتمل".
في عيد الأضحى يشتري والد سارة اللحم ويبدأ بالشواء كفرصة لاجتماع الأسرة على الغداء، لا توجد أي ملامح للطقس الديني، هو مجرد يوم يأكلون فيه الكثير من اللحم حتى لا يشعروا بأنهم غرباء عن المجتمع وبقية العائلة، ونفس الأمر يحصل في رمضان، لا يصومون ولكنهم يبدأون بأكل الوجبة الرئيسية بعد أذان المغرب.
تقول سارة: "نحن أسرة غريبة الأطوار، وأنا سعيدة لأني لا أمرّ بما تمر به صديقاتي الملحدات في البيوت المحافظة والملتزمة دينيا، إنه كابوس".

الهروب من الطقوس كتمركز إستراتيجي خلف عدّة الشواء

جمال (33 سنة، السعودية) هو ملحد صامت أيضاً ويعيش في وكر الدبابير كما يقول، معظم أفراد عائلته متطرفون دينياً، ويعتبرون حتى مجرد المزاح العادي على مظاهر الشعائر الدينية كفراً، يقول جمال :"في إحدى لحظات الصفاء مع أقاربي قلت سهواً إن هذا العيد ليس فرضاً حتى نلتزم به كل هذا الالتزام، وأنه مجرد سنة محببة وليست واجبة، فواجهتُ إعصاراً من التطرف يكفي لتدمير أي أمل للتغيير توقعته يوماً".
يقوم جمال بالتمركز الإستراتيجي الأنسب خلف عدّة الشواء، حيث يكون بعيداً مسافة جيدة عن عمليات الذبح والسلخ والتفريغ والتنظيف، وقريباً بحيث لا يثير غيابه أي شكوك
بما أنه لا يستطيع الهروب من مشاركة العائلة في الطقوس الدينية، يقوم جمال بالتمركز الإستراتيجي الأنسب خلف عدّة الشواء، حيث يكون بعيداً مسافة جيدة عن عمليات الذبح والسلخ والتفريغ والتنظيف، وقريباً بحيث لا يثير غيابه أي شكوك مثلما يحدث في رمضان، إذ بدأت والدته تشك في أنه مفطر.
يقول جمال "مع الوقت تحولت إلى مسلم ملحد، تعلمت أن أكون شخصين كاملين في جسد واحد، ولولا هذه الميزة لتعبت أكثر".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image