"كمواطن أردني مسلم أطالب بطرد السفير الهندي من الأردن وهذا واجب ديني"، مطالبة تناقلها عشرات المواطنين الأردنيين عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الفائتة، باعتبارها "أضعف الإيمان".
هذه المطالبة هي جزء من حملة أوسع لـ"طرد السفير الهندي" في دول عربية وإسلامية على خلفية تصريحات عدد من مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند اعتُبرت مسيئة للنبي محمد، وتزامنت مع انتهاكات مزعومة بحق الأقلية المسلمة هناك.
لكن المطالبة لم تحظَ باهتمام رسمي أو إعلامي في الأردن فبهُت التفاعل الشعبي معها برغم حساسية وضع "المملكة الهاشمية" من حيث أن الأسرة الحاكمة فيها من نسل الهاشميين، وتحديداً الجد الأكبر للنبي محمد.
طالما انطلق العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من هذه الزاوية خلال كلمته في محافل دولية، وارتفعت وتيرتها مع رواج مصطلح "الإسلاموفوبيا" تزامناً مع ظهور حركات إرهابية بغطاء إسلامي مثل تنظيم "داعش".
في الأساس، اعتُبر الموقف الرسمي الأردني من التصريحات المسيئة للنبي "خجولاً" إذ اقتصر على بيان، مطلع حزيران/ يونيو الفائت، "يُدين بأشد العبارات" ويُعلن "الرفض القاطع للمساس برموز الدين الإسلامي والرموز الدينية كافةً باعتباره سلوكاً يغذي ثقافة الكراهية والتطرف"، فيما يُثمّن موقف الحزب الهندي الحاكم المتحدثة باسمه باعتباره "خطوة في الاتجاه الصحيح".
برغم حساسية وضع "المملكة الهاشمية" وحكامها المنحدرين من نسل النبي محمد كانت الإدانة الرسمية "خجولة" والمطالبات الشعبية بطرد السفير "محدودة" عقب التصريحات المسيئة التي أدلت بها المتحدثة باسم الحزب الحاكم في الهند… لماذا؟
ولم يُقدِم الأردن على خطوة أشد مثل استدعاء السفير أو القائم بالأعمال وتسليمه مذكرة احتجاج مثلاً كما فعلت قطر والكويت.
"المصلحة… تحكم"
في حديث مع رصيف22، أوصى المتحدث الإعلامي باسم وزارة الخارجية الأردنية، هيثم أبو الفول، بضرورة "التقيد بما جاء في بيان الخارجية الذي يوضح الموقف الأردني الرسمي إزاء ما حدث من إساءات بحق النبي محمد من قبل المتحدثة باسم حزب بهاراتيا جاناتا".
ولدى سؤاله هل كان هناك موقف رسمي من الانتهاكات المزعومة ضد مسلمي الهند، أضاف أبو الفول: "الاعتداءات التي جرت مضى عليها قرابة الشهر ولا يوجد موقف رسمي جديد من الخارجية حتى الآن"، مردفاً أنه لم يسمع عن المطالبات الشعبية الأردنية بطرد السفير الهندي عبر تويتر.
وختم: "البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية شديد اللهجة، ويعبر عن موقف واضح وثابت!".
من جهته، قال المحلل السياسي الأردني المختص بالشؤون الخارجية، ليث نصراوين، إن تعامل وزارة الخارجية الأردنية "يوازي إلى حد ما" الموقف الرسمي العربي مع ما يحدث في الهند، ملمحاً إلى أن الأردن لا يتصرف بمعزل عن محيطه العربي والدولي.
المتحدث الإعلامي باسم وزارة الخارجية لرصيف22: بياننا يعبّر عن موقف واضح وثابت، ومحلل سياسي يعقّب: موقف الأردن يوازي إلى حد ما التعاطي العربي والدولي، والمصلحة الوطنية تحكم الموقف
وفي تصريحات لرصيف22، أوضح نصراوين أن التصعيد الرسمي الأردني في قضايا سياسية سابقة غالباً ما كان متناغماً مع المواقف الدولية، مستبعداً أن يتحرك الأردن في هذه الفترة بأكثر من بيان الخارجية إلا إذا تطور الموقف الدولي، أو ارتفعت حدة الاعتداءات بحق مسلمي الهند.
وعن المطالبات الشعبية بطرد السفير الهندي في الأردن، أضاف: "المصلحة السياسية والاقتصادية بين الأردن والهند هما اللتان تحددان الإجراءات التي قد تتخذ بحق التمثيل الهندي الدبلوماسي في الأردن… العلاقة الدبلوماسية بين البلدين تحفظ للأردن حقه في استدعاء السفير الهندي كما فعلت قطر، وحتى المطالبة بتخفيض المستوى الدبلوماسي من سفارة إلى قنصلية".
أما عن حساسية وضع "المملكة الهاشمية"، فاعترف نصراوين بأن تاريخ العائلة الهاشمية الحاكمة يجعل للأردن "خصوصية من منظور إسلامي" قبل أن يعود ويشدد على أن "المصلحة الوطنية هي التي تحكم كيف يكون الموقف الرسمي ممّا يحدث في الهند".
بحسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، تأسست العلاقة الأردنية الهندية رسمياً عام 1947، بينما شهد عام 1950 أول تبادل دبلوماسي بين البلدين إذ استمر التمثيل الدبلوماسي بينهما على مستوى السفراء المعتمدين والمقيمين إلى اليوم.
ومطلع العام الجاري، أعلن السفير الهندي لدى عمّان، أنور حليم، أن حجم التبادل التجاري بين الأردن والهند بلغ نحو ملياري دولار أمريكي عام 2020، كاشفاً عن تفاهمات بين "البلدين الصديقين" لزيادة حجم هذا التبادل إلى خمسة مليارات دولار بحلول عام 2025. أوضح السفير أن بلاده هي "رابع أكبر شريك تجاري للأردن".
وتورد الهند للأردن "المواد الغذائية والأدوات الميكانيكية والكهربائية والمنتجات الهندسية والأحجار الكريمة والمصوغات والمنتجات النفطية والجلود"، فيما تستورد من عمّان "الأسمدة والفوسفات وحمض الفوسفوريك"، علماً أن الهند أكبر مشترية للفوسفات من الأردن، بحسب السفير الهندي.
وتبلغ الاستثمارات الهندية في الأردن في الفوسفات والمنسوجات وحدهما نحو 1.3 مليار دولار أمريكي. كما يمتلك الهنود نحو 20 مصنعاً للنسيج في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن، باستثمارات إجمالية تناهز الـ 300 مليون دولار، مع فرص عمل لما يزيد عن 10 آلاف شخص.
علاوة على ما سبق، تجمع البلدين اتفاقيات متعددة لتبادل الاستثمارات وحمايتها، والتعاون السياحي، والتبادل الإخباري، ومذكرات تفاهم في مجالات التبادل الثقافي وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة.
تبلغ الاستثمارات الهندية في الفوسفات والمنسوجات بالأردن نحو 1.3 مليار دولار أمريكي. ويمتلك الهنود نحو 20 مصنعاً للنسيج في المناطق الصناعية المؤهلة في المملكة، باستثمارات تناهز الـ 300 مليون دولار، وفرص عمل لأكثر من 10 آلاف شخص
ماذا عن الأردنيين في الهند؟
الأردنيون في الهند هم رقم في المعادلة أيضاً وليست المصالح الاقتصادية والسياسية المتبادلة فقط. هناك 500 طالب أردني على الأقل يدرسون في جامعات هندية، علاوة على العمالة ورجال الأعمال وغيرهم.
من هؤلاء الشاب الأردني خلدون العساف (27 عاماً) الذي يقيم راهناً في مدينة دلهي الهندية للتدريب على رياضة اليوغا. قال خلدون إنه نُصِحَ بإخفاء ديانته الإسلامية منذ بداية التوترات الأخيرة التي تشهدها الهند.
وأضاف لرصيف22: "اكتشفت أنني يجب أن أخفي هويتي الدينية. تبادلت أطراف الحديث مع زميلة هندية جديدة كانت قد التحقت حديثاً بالأكاديمية التي أتدرب فيها على اليوغا. عندما عرفت أني أردني سألتني عن ديني وأجبتها بعفوية: مسلم، فنصحتني بألا أبوح بديانتي لغير المقربين لأنه، بحسب قولها، قد يلحق ذلك بي الأذى".
وأشار إلى أن زميلته نصحته أيضاً بألا يرتدي أي رموز دينية تكشف عن ديانته أو أن يؤدي الصلاة في المساجد في ظل هذا "الوضع حساس".
ختم خلدون بأنه ليس قلقاً إزاء مطلب طرد السفير الهندي كونه "يستحيل تحقيقه" في نظره.
"المصلحة السياسية والاقتصادية بين الأردن والهند هما اللتان تحددان الإجراءات التي قد تتخذ بحق التمثيل الهندي الدبلوماسي في الأردن…".
لا تضامن حقوقياً؟
وفي حين لم يستمر وسم #طرد_السفير_الهندي في تصدر المتداول في تويتر الأردن أكثر من يوم واحد، أحال البعض ذلك إلى عدم تفاعل الوسط الحقوقي الأردني مع القضية جنباً إلى جنب مع وقوع حوادث صادمة انصب عليها تركيز الأردنيين، بينها طعن رجل لزوجته أمام محكمة شرعية في محافظة الكرك، وقتل أب لطفلتيه ودفنهما في محيط منزله الكائن بمحافظة الرمثا.
وطالبت أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي الأردنية بالتعامل مع الانتهاكات المزعومة بحق المسلمات في الأردن، بما فيها القتل والسحل والإجبار على خلع الحجاب، باعتبارها قضية نسوية.
تعقيباً على ذلك، قالت الناشطة الحقوقية نسرين خمش لرصيف22 إنه ينبغي أن يكون هناك موقف حقوقي لا موقف نسوي فقط إزاء الاعتداءات المزعومة بحق مسلمي الهند. وتابعت: "تعلو أصواتنا، ليس فقط في الأردن بل في المنطقة العربية كلها، مع القضايا التي تهم الرأي العام الدولي. وتاريخياً لم تحظ حرية المعتقد بالاهتمام الحقوقي الكافي للدفاع عنها".
واعترفت بوجود "تقصير حقوقي" في إثارة القضية، معربةً عن أملها بأن يكون هناك تحرك حقوقي قوي في الأيام المقبلة لتسليط الضوء العالمي والعربي على ما يحدث لمسلمي الهند الذين وصفتهم بأنهم "خارج الخارطة الحقوقية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين