شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لا يمكن أن نتحدث عن عالم عادل وحياة كريمة بلا أن يكون للجميع أوطان

لا يمكن أن نتحدث عن عالم عادل وحياة كريمة بلا أن يكون للجميع أوطان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 5 يوليو 202201:06 م

أتساءل: لماذا على البعض أن يقضوا نصف عمرهم باحثين عن وطن يستطيعون فيه بناء أحلامهم، بينما يولد البعض الآخر لتحتضنهم أوطانهم منذ الولادة حتى الممات. أيعلم هؤلاء ماذا يعني أن تكون بلا وطن؟

الحقيقة، فكرة أنه لدي أرض أسافر منها وإليها متى أردت، وجواز سفر أذهب به حيث أريد، وجنسية أستطيع أن أكتفي بها، تجعلني أشعر أنني لا أملك الحق في أن أتذمر من أي شيء، فهناك أشخاص آخرون غير قادرين حتى على ضمان إقامة دائمة في أرض مستقرة.

جواز السفر السوري مثلاً بات أشبه بجريمة. وحملك إياه في أي مطار في العالم قد يعرضك لساعات من التفتيش والتدقيق. هذا إن تمت الموافقة على عبورك من الأساس

أفكر في كل هؤلاء الذين اضطرتهم الحرب وغيرها من الأسباب كالسياسة والظلم والحاجة لمغادرة أوطانهم. هؤلاء الذين لم يعد بمقدورهم العودة أو البقاء. أفكر في اللاجئين الذين غادروا بلدانهم غير الآمنة نحو بلدان يشعرون فيها دائماً بأنهم مهددون بالرحيل. كيف يمكن للإنسان أن يشعر دائماً بأنه مضطر لأن يحمل حقائبه ويغادر في كل مرة. وأن يعيد بناء حياته وصداقاته وأحلامه في مكان آخر كل مرة. وأن يحمل حياته كخيمة فوق ظهره، لأنه لا يملك أرضاً صلبة يمكن أن يبني عليها بيتاً.

إذا سافرتُ مثلاً أو تغربت أو اخترت الحياة في مكان آخر مختلف وللأبد، فسيضل دائماً لدي وطن، لدي جواز سفر أعود به إذا ما تقطعت بي السبل. أما هؤلاء، فلا وطن لهم يعودون إليه، وجواز سفرهم لا يشبه جواز السفر في شيء. إذ إنه فعلياً يعوق تحركك. جواز السفر السوري مثلاً بات أشبه بجريمة. وحملك إياه في أي مطار في العالم قد يعرضك لساعات من التفتيش والتدقيق. هذا إن تمت الموافقة على عبورك من الأساس.

أفكر في المتعبين من تغيير البيوت والوجوه والحقائب، والوداع الذي قد يطول إلى الأبد، والأشخاص الذين يسافرون نحو مصير مجهول متأملين في حياة أفضل. أفكر في كل الذين اضطروا أن يودعوا أصدقاءهم وأحبّتهم دون أن يكون لهم ضمانات أو موعد للقاء آخر.

أفكر في المتعبين من تغيير البيوت والوجوه والحقائب، والوداع الذي قد يطول إلى الأبد، والأشخاص الذين يسافرون نحو مصير مجهول متأملين في حياة أفضل. أفكر في كل الذين اضطروا أن يودعوا أصدقاءهم وأحبّتهم دون أن يكون لهم ضمانات أو موعد للقاء آخر

الضمانات والمواعيد المحددة والوداع المعروفة متى ستنتهي. هذه كلها ترف. وأن تسافر إلى غربة جديدة وأنت تمتلك خيار العودة إلى البلاد التي غادرتها هذا أيضاً ترف. وأن تضمن أنك ستستطيع بناء حياة جديدة مستقرة في البلد الذي ترحل إليه أيضاً ترف.

كل هذا يعتبر ترفاً لأن هؤلاء الذين أكتب عنهم اليوم، اللاجئين، المهاجرين غير الشرعيين، الفارين وغيرهم، لا يمتلكون مثل هذه الرفاهية. والحياة ليست فقط جميلة ورائعة كما يصورها لنا مروجو الحياة الوردية. الحياة قاسية ومتعبة وغير عادلة. الحياة ليست كما المسلسلات، لا تمنح الجميع فرصاً للوداع أو للعودة، ولا ينتصر فيها المتعبون والتائهون. الحياة قاسية جداً وغير عادلة لهؤلاء أو لغيرهم.

الأشياء التي يولد البعض ليجدها مسلّمة له، يتمناها البعض الآخر وقد يموتون دون أن يحصلوا عليها. وذلك كالحقوق الأساسية من الوطن وجواز السفر. يصارع من أجلهما الملايين حول العالم. أتتسع هذه الارض للجميع وتضيق على هؤلاء؟ أشعر بالقهر وقلة الحيلة وأنا اكتب هذه السطور، لأنني أعلم أن هذا الوضع لن يتغير ابداً، ليس في الوقت القريب على الأقل. وسأظل أراقب حولي قصصاً لأشخاص دفعوا الثمن غالياً لأنهم وُجدوا بمحض الصدفة في رقع جغرافية لم تكن قادرة على احتضانهم. فأصبحت كل بقاع الدنيا غربتهم.

الأشياء التي يولد البعض ليجدها مسلّمة له، يتمناها البعض الآخر وقد يموتون دون أن يحصلوا عليها.

في النهاية، لا يمكن أبداً أن نتحدث عن عالم عادل وحقوق وحياة كريمة. ونحن غير قادرين على أن نمنح للملايين من الناس حول العالم الشعور بالاستقرار والوطن الذي يمكن أن نوفره لهم ليملكوا الحقوق التي تحدثنا عنها.

الخيمة ليست وطناً، والإقامة المؤقتة ليست وطناً. اللجوء المؤقت ليس وطناً ووثيقة السفر ليست وطناً، البلد الذي تشعر فيه كل يوم بأنه غير مرحب بك وأنك رهينة تجاذبات سياسية قذرة ليس وطناً.

والبلد الذي لا تستطيع أن تعمل فيه إذا كنت من جنسية أخرى ليس وطناً. والبلد الذي تولد فيه وتتزوج فيه وتعمل فيه طوال عمرك، ولكن بقاءك ورحيلك منه مرهون بكفيل أو عقد مؤقت ليس وطناً. البلد الذي تضطر أن تخرس فيه كي تعيش بسلام ليس وطناً. البلد الذي لا يمكن أن تمارس فيه ثقافتك ولغتك وأن تكون أنت بكامل هويتك أيضاً ليس وطناً.

الخيمة ليست وطناً، والإقامة المؤقتة ليست وطناً. اللجوء المؤقت ليس وطناً ووثيقة السفر ليست وطناً، البلد الذي تشعر فيه كل يوم بأنه غير مرحب بك وأنك رهينة تجاذبات سياسية قذرة ليس وطناً. 

لننظر مجدداً إلى وجه العالم الحقيقي لنستوعب أن فكرة الوطن هي حلم لعدد لا يستهان به من سكان هذا العالم. وبشاعة هذه الحقيقة تحتم علينا جميعاً أن نحارب من أجل عالم يمتلك فيه الجميع رفاهية الشعور بالاستقرار، وبالانتماء لوطن. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image