شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
موروث الإجهاض في الشرق... أحجية الدّاية والعطّار

موروث الإجهاض في الشرق... أحجية الدّاية والعطّار

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 29 يونيو 202201:13 م

هذا المقال هو واحد من ثلاثة قامت رصيف22 بنشرها متزامنة على هامش قرار المحكمة الأمريكية العليا إلغاء الحق الدستوري للمرأة بالإجهاض، وهو القرار الذي ترك صداه في كل العالم.

تنويه طبي- قانوني:
يرِد في المقال بعض الطرق والوصفات الشعبية المتناقلة والتي تندرج تحت مسمى الطب الشعبي. ليس ثمة دليل طبي أو دراسات علمية تؤكد صحة هذه المعلومات أو خطأها.

أعشاب وحركات عنيفة وأدوات حادة

وجد الموروث الشعبي التراكمي الخاص بوصفات الإجهاض طريقه لزمن العلم، متخطياً بذلك التحريم الديني والتجريم القانوني والتحذير الطبي، فخيار الإجهاض كان دائماً موجوداً على الطاولة إذا احتاجته النساء، أحد أقدم الإثباتات على لجوء النساء إلى الإجهاض الاختياري تعود إلى زمن الفراعنة إلى العام 525 ق. م، وإلى زمن أبوقراط في قسم الأطباء الذي لم يزل سارياً إلى اليوم والعائد إلى فترة 360 ق. م. 
غالباً ما بحثت النساء عن وسائل للإجهاض، كالتجويع والصيام لأيام متتالية، واستخدام مغاطس قشور البصل المغلي كما هو الحال في الهند، أو التدليك العنيف لإحداث اضطرابات في الرحم تؤدي إلى سقوط الجنين وهي أحد الطرق المتوارثة في شمال شرقي آسيا.
بالتجربة المترددة والسرية، احتفظت العربيات بوصفات الإجهاض وتناقلنها من جيل إلى جيل، فاستخدمن الأعشاب اللاذعة التي ينصح بها العطار والمشروبات الساخنة التي قيل إن تكرار تناولها في مرحلة مبكرة من الحمل قد يؤدي إلى حدوث الإجهاض، يتم التدخل متزامناً مع مشاعر الذعر والتردد وأحياناً الذنب التي تعيشها امرأة اكتشفت حملها للتو واكتشفت معه أنها لا تريده.
أعشاب كثيرة عمدت المرأة العربية لاستخدامها لاستحضار الإجهاض: الزعتر، الميرمية، البقدونس، إكليل الجبل، العرقسوس، الكركم، السدر وحتى القرفة وزيت الخروع، استخدمتها عبر غليها وتكرار شربها بكميات كبيرة حتى حدوث النزيف الذي يعلن انتهاء الحمل.
لكن شرب الأعشاب لا يضمن دائماً الوصول إلى النتيجة المطلوبة، الأمر الذي كان يستدعي اللجوء لوسائل أخرى كتكرار القفز من ارتفاع كارتفاع الكرسي، وحمل الأوزان الثقيلة، والعمل الشاق، والغوص، وربط البطن وشدّه.
عدم نجاح الوسائل السابقة كان يضطر النساء إلى اللجوء للوسيلة الخطرة (وغالباً على يد الداية)، إذ يصبح التدخل جارحاً بالمعنى الحرفي حين يتم إدخال أداة حادة إلى عنق الرحم وإحداث جروح وتشققات فيه تؤدي إلى إسقاط الجنين.
في مسلسل "القاصرات" قدمت الفنانة داليا البحيري مشهداً للإجهاض المنزلي الذي أجرته لها داية في الصعيد المصري، لتُخلّصها من حملها جراء علاقتها السرية بعشيقها، وقد عرض المشهد قيام الداية بتحضير وصفة عشبية مكونة من الحلاوة، والقشدة، والقرفة، إذ قامت بعجن المكونات لتصبح على هيئة كرة حمراء كبيرة، وأدخلتها في رحم الفنانة، وطمأنتها بأنها ستتخلص من الحمل، وهذا ما حدث، إلا أن ذلك المشهد اكتمل بمشاهد أخرى لحالة النزيف وخطر الموت الذي تعرضت له الممثلة.

خيار الموت الصغير أم الموت الكبير؟


كان الإجهاض بالطرق الشعبية ولم يزل هو خلاص المرأة الوحيد لتجنّب القتل باسم الشرف في المجتمعات العربيّة في حالات حدوث الحمل خارج إطار الزواج، أو في حالات الاغتصاب، لأن نجاحه هو النجاة من الموت الحتمي ومن العار الذي يلحق بالعائلة.

احتمال الموت أثناء محاولات الإجهاض لغير المتزوجة، مقابل الموت المؤكد في حال انكشاف الحمل يجعل من الإقدام على الوسائل الشعبية لإنهاء الحمل هو الخيار الوحيد. في الموروث العربي القديم كانت الداية هي المساعدة في عملية الإنجاب، لكن لا يوجد شهادات أو بحوث عن مساعدتها في التخلص من الحمل خارج الزواج، لأن هذا الخيار يتم عادةً بتكتم شديد وبسرية عالية.

تعرف النساء جيداً أن الإجهاض قبل اكتمال الأسبوع العاشر أسهل بمراحل من الإجهاض بعد ذلك، لكن احتمالات النجاح في اتباع الوصفات الشعبية محفوفة بالمخاطر، بل قد تتفوق نسبة الخطر نسبة النجاة الكاملة.
كثيرات من نزفن حتى الموت، أو تعرضن للتسمم من كميات الأعشاب الكبيرة، أو أنجبن أطفالاً بقدرات عقلية أو جسدية ناقصة، أو خسرن القدرة على الإنجاب في المستقبل نتيجة الأدوات الحادة، وطبعاً من قُتلن لفشل الإجهاض بالطرق الشعبية.  

تجهض غير المتزوجة لتحافظ على حياتها وتمنع "العار" عن عائلتها، بينما تجهض المتزوجة لأسباب كثيرة ومعظمها غير مقبول من السلطة الأبوية والأديان، كعدم قدرتها على الاعتناء بطفل جديد، أو جراء الفقر، أو اللجوء، أو لأسبابها الخاصة التي لا يريد أحد سماعها، حينها ندخل العالم السري للنساء حيث يتم تناقل الوصفات والنصائح من الأم والجدة، وتصبح تجارب من مررن بنفس التجربة في البلاد التي تمنع الإجهاض الآمن أهم من نصيحة ألف طبيب.

يبدو الحديث عن الوسائل العشبية غريباً في ظل التطور الطبي في العصر الحديث، لكن المرأة العربية حتى اللحظة تعتمد هذه الوسائل لعدم قدرتها على اللجوء للحلول الطبية الجراحية أو الدوائية للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه، وسواء كانت متزوجة أم غير متزوجة، لا فرق في الحالتين من المنظور الطبي- القانوني العربي.
احتمال الموت أثناء محاولات الإجهاض لغير المتزوجة، مقابل الموت المؤكد في حال انكشاف الحمل يجعل من الإقدام على الوسائل الشعبية لإنهاء الحمل هو الخيار الوحيد

تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن 45% من حالات الإجهاض في العالم غير آمنة، وأنّ 97% منها تحدث في المجتمعات النامية، ويؤكد مدير قسم الصحة الجنسية والإنجابية والبحوث في منظمة الصحة العالمية على كون القدرة على الحصول على إجهاض آمن هو جزء أساسي من الرعاية الصحية.
لدى البحث في غوغل نلاحظ أن الأسئلة الشائعة حول وسائل الإجهاض في المنزل تفوق بكثير تلك التي حول وسائل الإجهاض الآمن، أي أننا كنساء ما زلنا نخاطر بحيواتنا لدى عدم رغبة إحدانا في الحمل، ولا نمتلك أجسادنا بصورة حقيقية عملية.

في كل البلاد العربية، ما عدا تونس، يقتصر حق الإجهاض الطبي على المرأة المتزوجة إذا كان الجنين مشوهاً، ولا يكفي تشخيص الطبيب للتخلص من الحمل، بل تحتاج المرأة إلى فتوى شرعية من شيخ يجيز لها الإجهاض.

السوق السوداء لحبوب الإجهاض

تستعمل المرأة حدسها، وذاكرتها، وعاطفتها لدى استشعارها الخطر، وهذا ما جعلني كامرأة أتعرّف للكثير من الوسائل الشعبية للإجهاض رغم عدم لجوئي لها طوال حياتي، لكن جلسات النساء والأحاديث التي تدور بينهن حول طرق زيادة الطلق وتسريع الولادة، وطرق استعجال الدورة الشهرية في حال تأخرها، تعطي فكرة عامة عن الأعشاب والوسائل التي تُستخدم كحلول للكثير من مشاكل النساء الحميمة.
وقد نتبادل نصائح حول الإجهاض من باب التراحم بسبب معرفتنا كمّ المصاعب التي يمكن أن تتبع الولادة غير المرغوب بها، وكم الخطر الذي يمكن أن يلاحقنا في حالات الحمل خارج إطار الزواج، ومدى الذعر الموجود في عقل المرأة التي تتأخر دورتها الشهرية.
في شهادة قدمتها أ. ج. لرصيف22 حول تجربتها في الإجهاض المنزلي لعدم رغبتها في إنجاب طفل جديد، تقول: " نطيّت، حملت أثاث، صرت أخبط بطني، أمشي، أكثر شي شربت ميرمية وقرفة، شربت كتير وما نزل الجنين، رحت على دكتوري وما رضي ينزللي الحمل، وطلب مني إنّي أعمل تسكير للمواسير بعد الولادة"
اللافت في شهادة أ. ج. أن أساليب منع الحمل وتحديد النسل موجودة في الموروث الشعبي وفي الطب الحديث، وأن لا أحد يجرمها رغم تحريمها من قبل الكثير من رجال الدين، الأمر الذي يثير استغراباً كبيراً حول الانتقائية التي تتبعها القوانين الطبية في مرجعياتها.  

تضيف: "أذكر شعوري بالضياع، مشيت في الشارع لا أعرف إلى أين سأذهب، صرخت، بكيت، لا أريد المزيد من الأطفال، أذكر كيف كنت أدخل إلى الحمام بانتظار أن أجد نزيفاً يعلن تخلصي من الحمل، لكن لم ينزل الجنين، ركضت ومارست رياضة عنيفة، ودعيت ربي أن يخلصني من الحمل، ثم حدث الأسوأ، بدأت الجائحة ودخلنا في فترة إغلاق كورونا".
أما من ناحية الوصاية على أجساد النساء، تضيف أ.رج.: "لم يقف زوجي إلى جانبي، رغم درايته برفضي لهذا الحمل، وصار يراقبني، ثم اكتشف أنني اشتريت دواءً للإجهاض من شقيقه الصيدلاني، فاستشاط غضباً وكأنه اكتشف خيانتي له. وهدّد بتبليغ نقابة الصيادلة عما فعله شقيقه، في النهاية لم تنفع أي من محاولاتي في الإجهاض وأكملت حملي".

لم يقف زوجي إلى جانبي، رغم درايته برفضي لهذا الحمل، وصار يراقبني، ثم اكتشف أنني اشتريت دواءً للإجهاض من شقيقه الصيدلاني، فاستشاط غضباً وكأنه اكتشف خيانتي له

دوامة البحث عن وسيلة للإجهاض بين الوصفات العشبية والأدوات البدائية لن تنتهي قبل أن تصبح العناية الطبية والإجراءات الآمنة متاحة للنساء دون التدخل في أوضاعهن الاجتماعية أو إرهابهن باطلاق أحكام أخلاقية عليهن، أما اليوم فنتيجة كل حالة الإنكار والتزمت فالحل الأقرب إلى الطب هو دواء الإجهاض الذي يباع في السوق السوداء بأسعار فلكية وبسرية عالية وأحياناً يكون مغشوشاً أو تتبعه حالات ابتزاز من البائع.
وسنظل نفقد النساء اللواتي يلجأن مضطراتٍ للعيادات غير المرخصة، ما دامت تلك المرخصة والمجهّزة لا تدخلها إلا المرأة الغنيّة وبسرية تامة بينها وبين الطبيب الذي لديه الاستعداد لمخالفة القانون مقابل مبلغ مالي لا بسبب قناعاته.
بما أن السلطات على جسد المرأة متعددة ومتفاوتة في القسوة، سيظل خيار المرأة في الإجهاض غير الآمن موجوداً ومتنامياً، لكن واجبنا كنساء ندافع عن حقنا في تقرير مصائر أجسادنا، أن ندفع باتجاه وعي أكبر بخطورة الوسائل الشعبية في التخلص من الحمل عبر تطوير النصوص القانونية التي تصرّح علناً دون مواربة بحق المرأة في جسدها أياً كانت حالتها الاجتماعية ودون وجود وصي شرعي أو قانوني. 


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard