شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ارتديت كيساً بلاستيكياً بدل الواقي الذكري، هل سأُصاب بالإيدز؟"... وغيرها من الأسئلة الطبية الغريبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 17 يونيو 202204:00 م

عندما نتصفح مواقع الاستشارات الطبية، ونقوم بجولة سريعة على الأسئلة المطروحة، قد نجد عدة استفسارات غريبة، من بينها: "لقد جامعت دجاجة، هل من الممكن أن ينتقل لي الإيدز، خاصة وأني لاحظت أن مؤخرة الدجاجة نزل منها دماء؟".

في الواقع، تنتشر الأسئلة الطبية الغريبة، بكثرة في كل أماكن وتجتاح مواقع الاستشارات الطبية، الأمر الذي يجعلنا نلمس غياب التوعية في عالمنا العربي.

السؤال النموذجي والسؤال الغريب

نتصفح الأسئلة أكثر فأكثر، ثم نتذكر مشهد البواب في فيلم "حب البنات"، حين سأل أحدهم الطبيب النفسي الذي يقوم بدوره أشرف عبد الباقي: "يعني لما ايه يوجعني آجي أكشف عندك؟".

تحرص المؤسسات والمراكز الطبية، على أهمية أن يقوم المرضى بطرح الأسئلة المناسبة، كما تنصح معاهد الصحة الوطنية الأميركية، المريض/ة، بتدوين الملحوظات حول الأعراض التي يشعر بها قبل زيارة الطبيب/ة، والإجابة على بعض الأسئلة المتعلقة بها: هل هي مستمرة؟ هل لها نمط معيّن يتكرر يومياً؟ هل هناك ما يزيد من حدتها أو يجعلها أفضل؟ هل تؤثر على الأنشطة اليومية؟ مشددة على ضرورة أن يكون المريض واضحاً ومختصراً عند وصف الأعراض التي يعاني منها.

عندما نتصفح مواقع الاستشارات الطبية، ونقوم بجولة سريعة على الأسئلة المطروحة، قد نجد عدة استفسارات غريبة، من بينها: "لقد جامعت دجاجة، هل من الممكن أن ينتقل لي الإيدز، خاصة وأني لاحظت أن مؤخرة الدجاجة نزل منها دماء؟"

وضعت عيادات كليفلاند، 15 سؤالاً نموذجياً ينبغي أن يسألهم المريض حول أعراضه وتشخيصه، إلا أن المشكلة تتخطى هذه الأسئلة النموذجية، بحيث تكون غريبة بامتياز.

تطرح إحدى الطبيبات مشكلتها مع الأسئلة الغريبة للمرضى على موقع "كورا"، وتحكي عن سيدة كانت تصر على إجراء اختبار لمعرفة لون طفلها، وحينما أخبرتها الطبيبة بأنه لا يوجد اختبارات مثل تلك، انتابت المرأة حالة من الهستيريا، وباتت تردد الجملة التالية: "لا أريده أسود"، فأجابتها الطبيبة: "طالما لا تريدين طفلاً أسود من الأحرى ألا تمارسي جنساً غير محمي مع رجل أسود".

وهناك مريض ذهب لإجراء عملية حشو لأسنانه، وفي نهاية جلسة العلاج، طلب من الطبيب أن يعطيه "السوس" الذي استخرجه من أسنانه.

واشتكت شابة على موقع "ويب طب" من أنها لا تستطيع تقيؤ ما تأكله لإنقاص وزنها، وغيرها من الأسئلة والمواقف الطريفة التي تعكس للأسف الجهل وقلّة الوعي في مجتمعاتنا.

دور الطبيب وسط جهل المريض

صحيح أن الأسئلة الغريبة تنتشر حول العالم، إلا أنها تأخذ في منطقتنا بعداً مختلفاً.

وفق دراسة أجراها قسم بحوث الصحة العامة في مركز الجالية العربية للخدمات الاقتصادية والاجتماعية ( ACCESS )، فإن أوضاع الصحة العامة وعملية التثقيف الصحي في الدول العربية، محدودة للغاية، وتعتبر فكرة الرعاية الوقائية في حدّ ذاتها "رفاهية"، بينما يميل الوعي العام حول القضايا الصحية إلى الانخفاض.

بحسب الدكتور أحمد حلمي، طبيب الأطفال في مستشفيات جامعة بنها، فإن أحد أبرز أسباب الأسئلة الغريبة، هو قلّة التثقيف وانعدام الوعي الصحي، وفي تلك الحالة يكون الطبيب أمام خيارين: إما الاستنتاج والتخمين أو التوعية.

وشرح حلمي لرصيف22، أنه في حال كان المريض يعاني من مشكلة صحية يجهل التعبير عنها أو وصفها، يمكن للطبيب مساعدته بطرق شتى في وصف الأعراض التي يمر بها بدقة وتقريب المفاهيم قدر الإمكان، وأحياناً يتطلب الأمر إجراء فحوصات طبية للوقوف على المشكلة بدقة، إذ "ربما يصف المريض ما يمر به بشكل خاطئ، وعندئذ تكون الفحوصات هي الفصل".

وأضاف: "أما إذا كانت المشكلة غير منطقية أو غير طبية من الأساس، في هذه الحالة يقوم الطبيب بتوعية الشخص الذي يطلب المساعدة".

في الواقع، لا يوجد دليل انعدام الوعي الصحي أكبر من المشهد الذي رأيناه، في بداية انتشار موجة كورونا في مصر، حيث أجبر سائق تاكسي راكباً صينياً على النزول من السيارة وسط طريق سريع، اعتقاداً منه أن الراكب يحمل الفيروس لمجرد أنه صيني.

أو واقعة الدكتورة المصرية دينا عبد المجدي، التي حاول جيرانها طردها من المنزل، لأنها كانت تعالج مصابي كورونا.

أو الذي طلب تزوير شهادة طبية، فعرض الطبيب عليه خدمته.


المريض القهري

"أسباب السخونية منها البكتيريا، تتنوس ممكن أو ديبثريا.

يعني ايه ديبثريا؟

ديه قشرة فول رشقت في الكلية أو ناموساية، جابتله ملاريا".

في كل مرة يشك فيها طاهر (صحافي مصري) من عارض ما، سرعان ما يحاول معرفة على ماذا تدل تلك الأعراض، لكنه يجد نفسه في دوامة لا تنتهي، ويتطور القلق لديه جرّاء ما يقرأه على الإنترنت، لكنه رغم معرفته أن الأمر مبالغ فيه، لا يستطيع التوقف عن البحث والقراءة، كاشفاً لرصيف22، عن التكلفة المادية المترتبة عليه، كونه يضطر أحياناً لإجراء فحوصات في المختبر أو زيارة الطبيب المعالج، بسبب قلقه المتواصل: "كلما أنتهي من مشكلة تظهر أخرى"، على حدّ قوله.

في هذا الصدد، أوضح الدكتور أحمد حلمي لرصيف 22، أنه في حين يقوم بعض المرضى بإجراء بحث على الإنترنت لمحاولة فهم أعراضهم قبل أن يقصدوا الطبيب، وهو ما يعطيهم مساحة أكبر من الفهم وتلافي الأسئلة الغريبة وتوجيه الأسئلة الصحيحة عن الحالة، قد يقوم شخص ما يعاني من وسواس قهري بإجراء بحث عن عَرَض ما على غوغل فيزداد قلقه، ثم يدخل إلى مواقع الاستشارات الطبية ويطرح سيلاً من الأسئلة الغريبة، على غرار شاب عمره 18 عاماً، يبدو أنه قلق من أن صحته جيدة، متسائلاً عن سبب عدم الإصابة بالزكام لمدة تزيد عن 8 أشهر.

انعدام الوعي الجنسي

تمنح ميزة الهويات المخفية على الإنترنت، الفرصة لطرح كل أنواع الأسئلة دون خجل، لكن بعض الأسئلة تكون غريبة عندما تكون المسائل متعلقة بالمشاكل الجنسية والأمراض المتعلقة بها، كسؤال أحدهم: "هل ينتقل فيروس الإيدز إذا تم استعمال كيس بلاستيكي بدلاً من الواقي الذكري؟ علماً أن فترة الإيلاج كانت من دقيقة إلى اثنتين على الأكثر وقد تم القذف خارج الفتاة".

وفق صندوق الأمم المتحدة للسكان، تتمثل مشكلة مصر، في انعدام الوعي الجنسي والثقافة الإنجابية، وهو ما أظهرته الدراسات الاستقصائية الرسمية وغير الرسمية.

وفق مسح شامل أجري في العام 2009، شمل 15 ألف شاب وفتاة بين الـ10 والـ 29 عاماً، أدلوا بأن مدارسهم لم تثقفهم جنسياً على الإطلاق.

وبحسب نتائج المسح، يظهر انعدام الوعي الجنسي والثقافة الجنسية عند الفتيات أكثر من الذكور، حيث تدل ردود فعلهم الأولية على أول دورة شهرية، والتي تشمل الصدمة والبكاء والخوف، على عدم تثقيفهم جيداً في المراحل التعليمية أو من أسرهم. وتضيف النتائج أن أكثر من نصف الإناث والذكور يحصلون على معلوماتهم الجنسية من أصدقائهم.

بعض الأسئلة تكون غريبة عندما تكون المسائل متعلقة بالمشاكل الجنسية والأمراض المتعلقة بها، كسؤال أحدهم: "هل ينتقل فيروس الإيدز إذا تم استعمال كيس بلاستيكي بدلاً من الواقي الذكري؟

أثناء زيارة شاب مصري لأحد معامل التحاليل الطبية بوسط القاهرة لإجراء فحوصات الإيدز، وهو فحص يجريه بشكل دوري، شرعت المسؤولة عن أخذ عينته في استجوابه واختتمت كلامها في النهاية بـ "ربنا يهديك". وحين نزلت قطرات من الدماء على الأرض خلال أخذها العينة، بدا وكأن حالة طوارئ أعلنت فجأة في المختبر، واستدعت عمال النظافة الذين سارعوا بالمسح والتعقيم، بينما هي ابتعدت عنه وأخذت في تعقيم يديها.

في نقاشها حول كتاب "الجنس والقلعة" ربطت الدكتورة، شيرين الفقي، نائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة حول فيروس HIV، بين انعدام الوعي الجنسي والثقافة الجنسية وبين ازدياد أعداد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية HIV، في العالم العربي ستة أضعاف أسرع من مناطق أخرى في العالم.

وربطت شيرين تدني الوعي والثقافة الجنسية، "بالتديّن السطحي"، وتحدثت عن سؤال يتردد على مسامعها كثيراً من رجال وسيدات: "هل هناك حدود دينية لوسائل المساعدة على الإنجاب؟ على اعتبار أن البعض لا يقبل التبرع بالحيوانات المنوية أو البويضات المستأجرة خوفاً من أن تؤدي إلى إنجاب طفل غير شرعي"، وردت شيرين الفقي بالقول: "هناك الكثير من المحرمات. الشرق عالق في حالة من الانغلاق الجنسي منذ وقت ليس ببعيد".

وبحسب الفقي: "من لا يعرف الجنس أو يسخر منه هو جاهل وغبي وضيق الأفق"، مشددة على أن الجنس بالنسبة لأسلافنا، كان مصدراً للسعادة والإبداع والحيوية.

وأوضحت شيرين أن البحث عن المسائل الجنسية في العالم العربي، ليس بالأمر السهل، لغياب ثقافة نشر ومشاركة المعلومات: "يكاد لا يوجد مجلة واحدة تتحدث عن الجنس، وفي ظل غياب الشفافية، تعتم الحكومات العربية على النتائج التي تصل إليها فيما يتعلق بالثقافة والنشاط الجنسي في المجتمعات، وهو ما يجعل أكثر من نصف الفتيات والصبيان يحصلون على المعلومات الجنسية في حياتهم المبكرة من أقرانهم، وليس عبر المدارس أو أهلهم".

وفي حين أن الوصول إلى المعلومات الخاصة بطبيعة النشاط الجنسي في المجتمعات العربية هو أمر نادر، بحسب تأكيد شيرين، لكن عملها كنائبة رئيس لجنة الأمم المتحدة لفيروس نقص المناعة البشرية، أتاح لها إمكانية الوصول إلى بعض المعلومات التي تعطي ملامح عامة عن الثقافة والوعي الجنسي في المنطقة، كاشفة أن أكثر الدول العربية التي تحاول تخطي تلك المشكلة، هي دول المغرب العربي "المغرب وتونس والجزائر"، حيث تعد تلك الدول برامج مبتكرة وتربوية في المسائل الجنسية.

هذا وحكت شيرين قصة قرية مصرية، اعتاد الرجال فيها السفر إلى الخليج: "قبل 20 عاماً كان يُلاحَظ أن هؤلاء الرجال يودعون السيدات بحرارة، قبلات وعناق، أما الآن وبعد 20 عاماً اختلف الأمر ولم يعد هناك تلامس بالأيدي".

في الختام، لا تطالب شيرين الفقي بأن يعود العرب إلى العصر الذهبي الأسطوري للتحرر الجنسي، بل إلى زمن قريب كان فيه آباؤنا وأجدادنا أكثر تحرراً وانفتاحاً بشأن تلك القضايا مما نحن عليه اليوم.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image