بات شبه مؤكد أن سياسة طهران عادت إلی ما قبل الاتفاق النووي الموقع عام 2015، فحكومة إبراهيم رئيسي التي استلمت الحكم عام 2021 في انتخابات رئاسية هي الأقل مشاركة في تاريخ نظام الجمهورية الإسلامية لم تعد ترقب باحياء الصفقة الموقعة مع الغرب في عهد الحكومة السابقة المعتدلة بسیاستها والمنفتحة علی العالم حيث أنجزت أبرز اتفاق في تاريخ إيران السياسي المعاصر.
"باسم الله وباسم الشعب لم نتراجع عن موقفنا حتی خطوة واحدة"؛ هكذا جاء رد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، علی قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأربعاء الماضي 8 حزيران/يونيو، والذي يتهم طهران بعدم التعاون والامتناع عن تقديم تفسير لوجود آثار لليورانيوم في مواقع غير معلنة، باقتراح تقدمت به الأطراف المشاركة في مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
عود علی بدء
لم یكن رد إبراهيم رئيسي غريباً عن الأوساط السياسية الداخلية وحتی الخارجية، فالرجل المحسوب علی معسكر المحافظين، والذي يتبع خطی الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في شكل إدارة البلاد، بات جلياً للجميع أنه لم يحمل خطاباً جديداً في عهد رئاسته، بل عاد إلى بدء مباشرة إيران التفاوض بشأن برنامجها النووي قبل 20 عاماً، حيث الخلاف والاصطدام القائم آنذاك.
نددت إيران بالقرار، وقالت إن التقرير الجديد الصادر عن الوكالة لا يعكس تعاونها المكثف معها، كما أكدت على حقها في إعادة النظر في سياستها تجاه الوكالة
العثرات في مسار إحیاء خطة العمل المشتركة بين طهران والدول العظمی أثناء حكومة رئيسي، تشير إلی سياسة البلاد التي ترفع لواء العداء المتجاهر ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا تؤمن ولا تثق بالحوار مع الغرب، ناهيك عن التعامل والتواصل مهما كانت نتائجه الملموسة أثناء حكومة الرئيس السابق حسن روحاني التي حسنت أوضاع البلاد الاقتصادية.
وفي حين دعا قرار مجلس المحافظين طهران إلى إجراء مزيد من المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن دون أي تأخير، نددت إيران بالقرار، وقالت إن التقرير الجديد الصادر عن الوكالة لا يعكس تعاونها المكثف معها، كما أكدت على حقها في إعادة النظر في سياستها تجاه الوكالة، واتهمت الأخيرة بتسييس ملفها النووي عبر التأثر بما أسمته اللوبي الصهيوني على تقارير الوكالة.
إغلاق 27 كاميرا المراقبة
وإلی جانب الردّ السياسي، جاء رد طهران التقني بإغلاق 27 كامیرا لمراقبة الأنشطة النووية حسب ما أعلنته الوكالة، حيث جاءت إزالة هذه المعدات ضمن سلسلة خطوات، رداً على تقرير أصدرته الوكالة بشأن عثور الوكالة على آثار اليورانيوم المخصب في 3 مواقع نووية غير معلنة. كما أعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، عن مزيد من الإجراءات التي سيتخذها بلاده رداً علی سلوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
من جانبه حذر مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غَروسي، من "ضربة قاضية" لمحادثات فيينا الرامية لعودة الجميع إلی الاتفاق النووي، إذا ما استمر تعطيل تسجيل وتوثيق كاميرات المراقبة في منشآت إيران.
رغم ما حدث بين الوكالة وإيران من تمرير قرار غربي في مجلس محافظي الوكالة الأممية، والذي جاء في سياق خطوات للضغط علی الجانب الإيراني، وحثه علی العودة لمفاوضات فيينا المتوقفة منذ آذار/مارس الماضي، فلم تطلق إيران رصاصة الرحمة علی الاتفاق النووي، بردها هذا، بل كانت نبرة الرئيس الإيراني متصاعدة.
يقف إبراهيم رئيسي حائراً وسط شعبية كاسحة تدعوه للحد من التوترات الدولية وتحریك عجلة الاقتصاد وبث روح الأمل في المجتمع، وبين أقلية متشددة تستولي علی مفاصل الدولة
وتدرك حكومة رئيسي ونظيره الأمريكي جو بايدن أنهما بحاجة لاتفاق في ظل الحرب الروسية علی أوكرانيا، فإيران التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة عسرت العيش علی المواطنين، هي بحاجة إلی إزالة العقوبات الأمريكية، وواشنطن التي تتفهم أزمة الطاقة والغذاء المتعاظمة علی الصعيد العالمي تحتاج للبترول الإيراني.
ولكن يبدو أن أياً من الطرفين لم یستطع تقديم تنازلات أكثر من ذلك وفق المصالح الوطنية لكل منهما، فتطالب طهرانُ واشنطن باتخاذ قرار سياسي جريء كي تعود للاتفاق وتحسم الأمر، وتريد واشنطن من طهران أيضاً ألّا تطالب برفع عقوبات غير المندرجة ضمن الاتفاق النووي. وهنا تقف المصالح الوطنية حجرة عثرة لإنجاز الاتفاق.
تصعيد وتخوف من عقوبات أكثر
وبعد القرار الصادر من الوكالة، طالبت صحيفة "كيهان" التابعة لمكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، البرلمان الإيراني بالمصادقة علی قانون للانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90%. كما أعلن أعضاء في البرلمان الإيراني وشخصيات محافظة أخرى في البلاد عن انتقادهم الشديد لقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية ودعمهم للرد الإيراني على القرار، داعين إلى الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أيضاً.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية المحافظ فؤاد إيزدي، في حوار صحفي إن "الرد الإيراني كان موزوناً ويتفق مع إجراءات الطرف الآخر، وإن قرارات الوكالة الدولية مسيسة علی يد الدول الغربية وإسرائيل".
أما رواد منصات التواصل الاجتماعي، فتفاعلوا مع التصعيد القائم بين القرار الغربي وكذلك الرد الإيراني عليه بتشاؤم، خوفاً من دوامة التصعيد، خاصة في ظل أجواء الغموض التي تسود الملف النووي الإيراني الذي حذر الغرب منه. وتساءل الباحث الاجتماعي من التيار الإصلاحي عباس عبدي، تعليقاً علی تصعيد الرئيس الإيراني تجاه قرار الوكالة: "هل ستعود جزء من عواقب هذه المقاومة ومن ضمنها زيادة الفقر والبطالة والتضخم علی المسؤولين ومنتسبيهم؟ ".
أما الباحث الاقتصادي سيامَك قاسمي، فانتقد ردَّ الحکومة الذي أكد علی أن العقوبات لیست لها أي تأثير علی إيران، بتغريدة تشرح ما فعلته العقوبات بطهران: " تمضي 10 سنوات علی آخر مرة قالوا فيها إن العقوبات ليس لها أي تأثير، فقد تضاعفت قيمة الدولار في هذه الفترة الزمنية 32 مرة، أما معدل نمو اقتصاد البلاد كان صفراً، ومعدل التضخم فاق الـ30 بالمئة، ومعدل دخل الفرد انخفض بنسبة 40 بالمئة".
الرئيس يميل للتيار المحافظ الذي لا يرغب بالعودة إلی إرث حكومة سلفه ليخلق لنفسه إنجازاً بعيداً عن الاتفاق النووي عبر استعراض قدراته العسكرية، وفي ظل الصراع المتصاعد مع إسرائيل، وتمدده في المنطقة الذي بات يرعب جيرانه العرب
بين الحاجة لرفع العقوبات وانتعاش اقتصاد البلاد علی خطی ما فعلته حكومة الرئيس السابق حسن روحاني في التوصل إلی اتفاق مع الدول العظمی وبين نقده الحاد للحكومة السابقة ورفع شعار "لا نربط اقتصادنا بالاتفاق النووي"، يقف إبراهيم رئيسي حائراً وسط شعبية كاسحة تدعوه للحد من التوترات الدولية، وتحریك عجلة الاقتصاد، وبث روح الأمل في المجتمع، وبين أقلية متشددة تستولي علی مفاصل الدولة وتملك أبواق الدولة، تدعو الرئيس للمزيد من التصعيد مع الغرب، وتحرمه من أي تنازل مهما ينصب في صالح الشعب، ما جعله لا يملك خطاباً وإستراتيجية خاصين به.
أما ما هو واضح في حالة الضياع هذه، أن الرئيس يميل للتيار المحافظ الذي لا يرغب بالعودة إلی إرث حكومة سلفه، ليخلق لنفسه إنجازاً بعيداً عن الاتفاق النووي، عبر استعراض قدراته العسكرية، وفي ظل الصراع المتصاعد مع إسرائيل، وتمدده في المنطقة الذي بات يرعب جيرانه العرب.
وأبرمت إيران مع القوى الكبرى اتفاقاً نووياً ينص على إلغاء العقوبات الدولية المفروضة على إيران عام 2015، مقابل فرض قيود مشددة على برنامجها النووي، حيث تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدور بارز في مراقبة التزام طهران بهذه القيود. ولكن الولايات المتحدة انسحبت عام 2018 من الاتفاق بأمر من الرئيس السابق ترامب، وأعادت العقوبات تحت سياسة "الضغوط القصوى".
وجاء رد إيران التدريجي بعد عام من الانسحاب الأميركي بالتراجع عن عدد من التزاماتها وفق الاتفاق، ومنها مستويات تخصيب اليورانيوم. وبعد فوز الرئيس جو بايدن انطلقت المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي في نيسان/أبريل2021، حيث حقق تقدماً كبيراً، قبل أن تتوقف في آذار/مارس الماضي بعد عدم التوصل لنقطة مشتركة بين الطرفين الرئيسيين: واشنطن وطهران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين