أعلن نجم الإسكواش المصري محمد الشوربجي، صاحب المسيرة الاستثنائية وأكبر عدد من البطولات لمصر في لعبته، اللعب باسم إنجلترا اعتباراً من مشاركته في بطولة موريشيوس المفتوحة - إحدى البطولات الذهبية في اللعبة الفردية، من 7 إلى 11 حزيران/ يونيو الجاري.
فجّر القرار، الذي برّره اللاعب بحاجته إلى "الدعم" وافتقاره إلى "التقدير" في بلده الأصلي، سجالاً حاداً حول دعم الرياضة بوجه عام، والألعاب الفردية بوجه خاص، في مصر. وهو النقاش الذي لم تفلح محاولات شيطنة وتخوين وتشويه الشوربجي من قبل بعض المسؤولين ووسائل الإعلام المحلية، في إنهائه.
الأكثر إثارة للقلق في قرار الشوربجي ليس فقدان لاعب عالمي وبطولات محتملة، وإنما أن يتشجع المزيد من اللاعبين الصغار الذين يقتدون به على الإقدام على خطوة مشابهة.
لا دعم… لا تقدير
في أول تصريحاته عقب إعلان قراره، قال الشوربجي (31 عاماً) لـ"بي بي سي عربية" إن اتخاذ القرار استغرق من ثلاثة إلى أربعة أشهر بسبب الصراع بين عقله وقلبه، موضحاً أن هذا القرار سيساعده على الاستمرار في المنافسة على أعلى مستوى خلال السنوات الباقية في مسيرته الاحترافية.
وتحدث اللاعب أيضاً عن حاجته لعدة أمور أساسية لم تتوفر له في مصر مثل طبيب ومدرب خاصين في كل بطولة، والتأمين ضد أي مكروه أو إصابة من شأنها أن تعرقل مسيرته الرياضية، مشدداً على أن المسألة لا تتعلق بالدعم المادي. وقال إن إنجلترا وفرت له الرعاية لسنوات إقامته الطويلة فيها دون أن يقدم شيئاً في المقابل.
صاحب بطولات ومسيرة احترافية استثنائية في تاريخ #مصر… نجم الإسكواش #محمد_الشوربجي يقرر اللعب باسم إنجلترا بحثاً عن "الدعم" و"التقدير". مسؤولون وإعلاميون يتهمونه بالخيانة في ظل تفهّم شعبي للأسباب التي دفعته لذلك ومخاوف من لجوء آخرين لـ"التجنيس"
وأضاف: "قعدت سنين كتير جداً محدش فكّر فيا. كنت لازم آجي أنا في وقت أفكر في نفسي بصراحة. كنت بتضايق جداً لما أنزل مطار القاهرة، كل مرة أنزل بلدي، ألاقي أن صور أن همّ مفتخرين بلاعيبة مصر على البوستر في المطار وأنا اللاعب الوحيد اللي مش موجود". كما أبدى دهشته من عدم حصوله على أي راعٍ مصري طوال مسيرته.
وذكر في الوقت عينه كيف "آمن" الإنجليز به، وأعربوا عن ثقتهم في عودة قوية له في فترة كان أداؤه فيها سيئاً بينما عامله عدد من المسؤولين في مصر بطريقة سيئة.
وبينما استدرك الشوربجي بأنه يحب بلده مصر رغم كل شيء، قال إن أصعب ما في قراره كان أثر هذا القرار على اللاعبين الصغار، في إشارة إلى تخوفه على ما يبدو من أن يخطو آخرون نفس الخطوة.
بهذا القرار، أصبح الشوربجي أول لاعب مصري محترف في الإسكواش يلعب لبلد آخر بعد لعبه باسم مصر. لكنه ليس أي لاعب، وإنما صاحب أهم وأكبر إنجازات تاريخية لمصر في الإسكواش.
مسيرة استثنائية للاعب مصري
منذ بدأ الشوربجي رحلته الاحترافية في الإسكواش عام 2006، حقق 44 بطولة دولية (صاحب أعلى رصيد للاعبين المصريين من بطولات اللعبة) من أصل 71 نهائياً وصل إليه، في إجمالي 178 بطولة دولية شارك فيها.
حقق اللاعب بطولة العالم مرة واحدة في 2017 بينما حل وصيفاً ثلاث مرات. طوال مسيرته شارك في 618 مباراة، فاز في 478 منها وخسر 140 فقط، وهو رقم استثنائي لأي لاعب في الإسكواش.
علاوة على ما سبق، فاز الشوربجي ببطولة أمريكا المفتوحة ثلاث مرات، ونفس العدد من بطولة بريطانيا المفتوحة. وهو خامس أكثر اللاعبين تصدراً للتصنيف العالمي للإسكواش، برصيد 50 شهراً ليكون بذلك أكثر اللاعبين المصريين تصدراً للتصنيف.
الفساد و"المحسوبية" وغياب/ ضعف الدعم وقلة التقدير والبيروقراطية… أسباب يسوقها رياضيون مصريون لقراراتهم تمثيل دول أخرى، ومصريون يحثون على معاقبة المسؤولين عن ذلك لتفادي المزيد من خسائر "الموهوبين"
لعل هذا ما دفع محمود حسين، رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب المصري، إلى التصريح بأن اللجنة ستعقد اجتماعاً طارئاً بحضور ممثلي وزارة الشباب واتحاد الإسكواش للوقوف على أسباب قرار الشوربجي، لافتاً إلى أن "حالة من الاستياء سيطرت على جميع أعضاء اللجنة".
تشويه على غرار المعارضين
وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي اعتبر أن قرار اللاعب " مرة واحدة" و"بدون مقدمات"، لافتاً إلى أنه "من حيث المبدأ غير مقبول أن يحدث ذلك" برغم أنه أقر بضرورة "أن نقف عند القرار ونفكر ونحاسب ونتحاسب". وألمح باتهام الشوربجي بعدم الوطنية إذ قال في تصريح متلفز: "عندنا لاعبين وطنيين جداً، وطنيين جداً، كبار اللي هم رانك (تصنيف) عالي جداً راحوا ودرسوا ولعبوا في جامعات من أكبر جامعات العالم"وعادوا للعب باسم مصر"، معدداً أسماء علي فرج ونوران جوهر وهانيا الحمّامي وآخرين وأخريات.
وهدد عاصم خليفة، رئيس الاتحاد المصري للإسكواش، بـ"نشر الكثير من المستندات" التي تفضح كذب رواية الشوربجي، قائلاً إن "أي لاعب اسكواش محترف يكسب مبالغ طائلة ويستطيع من خلالها العيش بشكل جيد جداً"، وإن اللاعب كان يرفض اللعب باسم مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وأشار خليفة إلى سفر اللاعب على حساب الدولة في البطولات التي يمثّل فيها مصر، ومساعدته في استخراج جواز سفر عقب فقدان جوازه خلال المشاركة في إحدى البطولات بالخارج باعتبارها امتيازات قوية. علماً أنها التزامات بديهية تجاه لاعب أو مواطن.
وذلك عقب بيان للاتحاد يلمح لرغبة اللاعب في الاستقرار في إنجلترا وتهربه من التجنيد العسكري الإلزامي وحصوله على مكافآت مالية وتشجيعية بموجب لوائح وزارة الرياضة.
تزامنت مع هذه التصريحات الرسمية حملة إعلامية هجومية ضد اللاعب. اعتبر مقدم البرامج الرياضية ولاعب كرة القدم المعتزل أحمد حسام ميدو أن ما فعله الشوربجي "خيانة للبلد" قائلاً إن للبلد فضلاً عليه.
"#مصر تدفع الثمن بسبب كل مسؤول مُقَصر ومُهمل فارغ العقل عديم الرؤية. كفانا شعارات ومزايدات "وبعت مصر بكام"… مصر يرحل عنها خيرة أبنائها وكوادرها. قبل أن نقسو على من رحل حاسبوا من تسبب في الرحيل" #محمد_الشوربجي
وخلال برنامج "على مسئوليتي" المذاع على قناة "صدى البلد"، استنكر المذيع أحمد موسى حديث الشوربجي عن عدم حصوله على أي دعم وذكّره بحصوله على وسام الرياضة من الطبقة الأولى من الرئيس السيسي عام 2018 موضحاً أنه أعلى تكريم رياضي في البلاد. عقّب: "تقدير أكتر من كدا إيه؟".
وشاركت الناشطة السياسية منى سيف صورة لصفحة من جريدة الدستور تشن هجوماً على الشوربجي بعناوين عدة، منها "بعت مصر بكام؟" وصورة للاعب وأمامه حزم من الدولارات.
وعلقت عليها: "جنون والله. جريدة الدستور بتستخدم نفس طريقة تشويه المعارضة السياسية والحقوقيين، مع لاعب إسكواش له تصنيف عالمي عشان قرر يلعب لإنجلترا مش طبيعي والله أن ده المستوى مع أي حاجة وأي حد يعمل خطوة مش على مزاجكم".
سجال أوسع حول دعم الرياضيين
وتتعدد التقارير والتصريحات حول ضعف وأحياناً غياب الدعم في مختلف الرياضات في مصر، وعلى نحو خاص الألعاب الفردية، مع الاعتراف بوجود اهتمام نسبي بالرياضيين في الصفوف الأولى الذين يعوّل عليهم لتحقيق نتائج إيجابية.
في مناسبات عديدة، روى أبطال للعبات فردية قصص نجاح و"كفاح" بالاعتماد على أنفسهم لاستمرار مسيرتهم الاحترافية، ومن أحدث هذه القصص رحلة نجاح فريال أشرف صاحبة الميدالية الذهبية لمصر في الكاراتيه في أولمبياد طوكيو 2020. في مقابلات عدة، تحدثت فريال عن الصعوبات المادية والبيروقراطية التي واجهتها حتى تصبح بطلة، وكيف أثّر ذلك على ميزانية أسرتها المتوسطة الدخل.
بينما اختار البعض أن "ينحت في الصخر" لأجل مواصلة مسيرته الرياضية، فضّل آخرون اللعب لدول أخرى يثقون في الحصول على الدعم والاهتمام فيها. خلال أولمبياد طوكيو الأخيرة، انزعج مصريون بعدما فاز الربّاع من أصل مصري فارس حسونة لقطر بأول ميدالية ذهبية أولمبية في رفع الأثقال.
تقتصر ميزانية الإسكواش على خمسة ملايين جنيه فقط سنوياً (نحو 270 ألف دولار أمريكي). علماً أن ستة من أفضل 10 لاعبين في العالم هم مصريون، وخمساً من أفضل 10 لاعبات في العالم هن مصريات.
أوضحت تصريحات مقربين من نجل مدرب منتخب مصر الأسبق للعبة أن والده ترك البلاد إثر خلافات مع مسؤولي الاتحاد ودرّب نجله ليصبح بطلاً لكن باسم قطر. قرر عدد متزايد من الرياضيين المصريين حمل الجنسية القطرية بحثاً عن الدعم والتقدير في الآونة الأخيرة.
كذلك اختار لاعبون مصنفون حمل جنسيات دول أخرى واللعب باسمها أخيراً لأسباب مماثلة، بينهم المصنف 40 عالمياً في الفروسية عبد القادر سعيد، والمصنف 203 عالمياً في الفروسية سامح الدهان بعد أزمة استبعادهما من تمثيل مصر في أولمبياد طوكيو، وسط تقارير عن وجود "محسوبية" ومحاباة لآخرين أقل تصنيفاً. قرر سعيد اللعب باسم بلجيكا واختار الدهان تمثيل بريطانيا.
وكشف تحقيق استقصائي حديث لـ"أريج" كيف فقدت مصر نحو 350 ألف رياضي (ما يزيد عن ثلث طاقتها من الرياضيين)، اضطروا للاعتزال مبكراً، لأسباب مختلفة في صدارتها "ضعف منظومة الطب الرياضي" و"ضعف المردود المادي".
وفي مداخلة تلفزيونية، تعليقاً على قرار الشوربجي، حذّر نجم الإسكواش المصري المعتزل أحمد برادة من وجود "خلل" و"شرخ كبير" في اللعبة بحاجة إلى تدخل سريع من الدولة، مؤكداً أن العديد من نجوم اللعبة يفكرون في الإقدام على خطوة التجنيس وعدم تمثيل مصر، بناءً على تواصله المباشر معهم.
أضاف برادة أن اللاعبين الذين تواصل معهم اشتكوا عدم توفر دعم أو قلة اهتمام رسمي بهم، مبيناً "مش عايزين ندبح اللاعب لأننا (المسؤولين) برضو أخطأنا".
وتقتصر ميزانية الإسكواش، بحسب رئيس الاتحاد المصري، على خمسة ملايين جنيه فقط سنوياً (نحو 270 ألف دولار أمريكي). علماً أن ستة من أفضل 10 لاعبين في العالم هم مصريون، وخمساً من أفضل 10 لاعبات في العالم هن مصريات.
أما حارس مرمى المنتخب المصري السابق لكرة القدم شريف إكرامي، فقال: "للأسف مصر تدفع وستدفع الثمن بسبب كل مسؤول مُقصّر ومُهمل فارغ العقل عديم الرؤية وكثير الكلام قليل الأفعال".
وأردف: "كفانا شعارات ومزايدات وبعت مصر بكام إلخ… من سنين مضت ومصر يرحل عنها خيرة أبنائها وكوادرها، فقبل أن نقسو على من رحل حاسبوا أولاً من ساهم وتسبب في الرحيل".
على الجانب الشعبي، أظهر مصريون تفهماً لموقف الشوربجي. وسخر الكثير منهم من رد الاتحاد المصري للإسكواش على اللاعب.
في منشور حصد أكثر من ثلاثة آلاف إعجاب، كتب بهاء حجازي، وهو كاتب مصري: "مهم قوي أننا نقول إننا لا عندنا تعليم كويس ولا صحة كويسة وأي مصلحة حكومية بتروحها بيتداس على وشك بالجزمة لحد ما يبان لك صاحب وفي الغالب مش هيبان، مع نظام أجور مهتريء. عايز أقولك إن لما بينزل خبر في الجريدة الرسمية عن تجنيس مصري بجنسية تانية أو عن واحد تخلي عن جنسيته، بتلاقي معظم الناس بتقول يا بخته، طيب نقدم إزاي".
بالرغم من ذلك، كان هناك انتقاد للمبررات التي ساقها الشوربجي لقرار التجنيس واللعب لإنجلترا لا سيّما في ظل إيمان الكثيرين بأن الإسكواش من أكثر - إن لم تكن الأكثر على الإطلاق - الألعاب الفردية فوزاً بالاهتمام الرسمي والإعلامي في مصر.
من هؤلاء، لاعب الإسكواش المعتزل كريم درويش الذي كتب في منشور عبر حسابه في فيسبوك: "أنا عايش في الإسكواش بقالي أكتر من 35 سنة وعلى دراية بكل كبيرة وصغيرة في ما يحدث داخل الإسكواش المحلي و الدولي… أي اتحاد رياضي في العالم فيه مشاكل و فيه بيروقراطية… تكريم رئيس الجمهورية للاعبي الإسكواش ده أفضل دعم معنوي بالنسبة لي، ولا يحدث إلا في مصر… لا يوجد دعم إعلامي للعبة الإسكواش في العالم أفضل من مصر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...