عرس حول جثّة مبتهجة
كلّما سمعتُ زغاريداً وزفةً أعودُ إلى تذكّر تفاصيل عرسي، فأنوحُ بصمتٍ وألطمُ بخيبةٍ وألعنُ كلَّ شيءٍ سرّاً.
كنتُ طالبةً في كلية الهندسة الزّراعية، عندما تعرّفت عليه أول مرةً. جلسَ إلى جواري في القاعة، وفي تلك اللحظة كانت أول مرة أشمُّ رائحة جسدي، وأدرك أنّ للأنثى رغبة راحت تعبق من كلّ خلية وكلّ مفصل في جسدي. ثمَّ يوماً بعد يوم، صرتُ أنتظر دخوله القاعة، راجيةً أن يجلسَ على مقربةٍ منّي لأستمتع برائحة الرّغبة تفوح من بين ساقي.
كنتُ شغوفةً بالزّيتون والنّباتات الطّبية والعطرية، أقضي معظم وقتي في المنزل في قراءة أبحاثاً وكتباً حولها عبر الإنترنت، وخلال المحاضرات الجامعية كنت دائماً أحصل على ملاحظات استحسان من قبل أساتذتي، ولمعَ اسمّي بين طلاب الدّفعة. وجاء اليوم الذي اقترب منّي قائلاً: "زميلة بتسمحيلي صوّر دفترك القسم عملي". كانت لكنته السّاحلية مختلفة عن لكنتي، أحبّبتها بعفويتها وبساطتها تماماً كما أحبّبت زرقة عينيه التي اكتسبها من البحر، تماماً كما أحبّبت رائحة الرّغبة في جسدي التي اختبرتها بفضله دون أن يعلم بدايةً.
في اليوم التّالي كنت قد صوّرت له جميع المحاضرات من قسم عملي إلى قسم نظري، أخذتها للبيت أضفتُ عليها الملاحظات الهامّة، وسلمّته إيّاها في اليوم الذي تلا العطلة.
مسكَ يدي اليسرى وألبسني ورقة الكينا بعدما كان قد صنع منها خاتماً. قطفتُ ورقة كينا وألبسته إيّاها خاتماً. اقتربَ من جبيني وقَبّلني قائلاً: أنتِ الآن زوجتي... مجاز
تفاجأ بدايةً، وشكرني كثيراً، ودعاني لنشرب كوب قهوة ورقي، تحوّل مع الوقت لأكواب لا منتهية.
هبوب أول
صرنا ندرس معاً في كافتريا الكلية، وفي ساحاتها، وبدأت بذلك قصة حبّنا، واشتعلت الرّغبة التي كنّا نخفيها بدايةً، خاصةً وأنا بنت متفوقة ومحجبة. إذ يُشاع في مجتمعنا أنّ الطّالبة "النّرد" لا علاقة لها بالحبّ، فكيف الرّغبة! والبنت المحجبة لها صلاتها والتزامها، وهذا نقيض الرّغبة.
بعد سنة دراسية تظاهرنا فيها أمام جميع طلاب الدّفعة أنّنا مجرد زميلان نتعاون في الدّراسة، وبعد مئات محاولات الهرب من ناظري ابن عمي الذي كان يدرس معي في نفس الكلية، يسبقني عمراً خمس سنوات لكن دراسةً فقط سنة واحدة، ذات يوم بينما كنا نجلس في إحدى القاعات الدّراسية نراجع بعض المعلومات استعداداً لمذاكرة قسم العملي في اليوم التّالي، هبّت ريح من شباك القاعة المفتوح، أُطبقَ بفعلها باب القاعة، نظرَ لعيني مباشرةً مُبتسماً وقالَ: هذه المرة الأولى التي نكون فيها في غرفة بابها مغلق. اقتربَ منّي مباشرةً بعدما ابتسمت لكلامه، وبشغفٍ راح يُقبّلني من شفتي، في الوقت الذي شعرت فيه أنّ عسلاً يسيل في فمي، وضعَ يده على نَهدي وراح يفركه من فوق قميصي الفضفاض، ثمّ بخفةٍ فتحَ أزرار قميصي العلوية ووضع فمه على نهدي. شعرتُ بسيلٍ بين ساقي، فزَررت قميصي بسرعة وركضتُ للحمام، وقفت وسط الحمام أبتسم لرغبتي السّاخنة التي اكتشفتها للتو، كنت منتشيةً تماماً، أشعرُ أنّ الكون بأسره يحملُني ويدور بي بهجةً.
خرجت وكان قد وضّب دفاترنا وأشياءنا، قال لي: ماذا حدث.
أجبت: إنّها الرّغبة، هل سنتزوج؟ ضحكَ بقوة قائلاً: أحبّك، سنتزوج يوم الخميس. خرجنا لممشى الكلية بينما كان يمسك يدي، ولأول مرة لم أُمانع أو أخاف، كنت أشعر حقاً أنّي أصبحتُ حلاله. قطفَ ورقة كينا وقالَ: لن ننتظر الخميس، سنتزوج الآن، هل تقبلين بي زوجاً؟
ضحكت وأثبت مباشرةً: نعم، أقبل. مسكَ يدي اليسرى وألبسني ورقة الكينا بعدما كان قد صنع منها خاتماً. قطفتُ ورقة كينا وألبسته إيّاها خاتماً. اقتربَ من جبيني وقَبّلني قائلاً: أنتِ الآن زوجتي.
اليوم وبعد خمس سنوات من زواجي الدّموي، كلّما سمعتُ أنّ هناك عرساً ما، أفرك نهدي ثمّ أركض لقطف ورقة شجرة خضراء أصنع منها خاتماً، ثمَّ أبكي حتى يُغمى عليّ... مجاز
ذهب وجلبَ علبتي عصير وعادَ مسرعاً جلس بجواري على المقعد تحت شجرة الكينا، فتحَ عُلبتي العصير قدّم إحداهما لي قائلاً: فلنشرب نخب حبّنا. قلت بصوتٍ خجول: وهل سنشرب الكحول إن تزوّجنا؟ ضحِك قائلاً: إن تزوّجنا! لقد تزوّجنا وانتهى الأمر، ستذهبين معي إلى جبال السّاحل حيث أعيش، هناك لن نشرب الكحول، بل العرق البلدي الشّهي. قال ذلك وهو يضحك وتابعَ: سنعمل معاً ونبني مختبراً لتحليل مختلف الأعشاب الموجودة في جبال السّاحل الغنية بالأعشاب الطّبية والعطرية، سنقدّم دراساتنا لمعامل الأدوية ومستحضرات التّجميل، سنبني معاً بيتاً وعملاً يا زوجتي الحلوة، التي ركضت إلى الحمام من الرّغبة، لكن حينها لا حاجة لتتفقدي شيء في الحمام، سأتولى أنا الأمر، قالَ عبارته الأخيرة وهو يمرر سبابته على طول أنفي.
نهاية أولى
كان ذلك يوم زفافي المُتخيّل الذي به طرتُ لسابع سماء، ثمّ سقطتُ منها مجرد وصولي للمنزل ذلك اليوم، ليُهشّم ذلك السّقوط جمجمة حياتي ويشوهها.
أثناء مراسم العرس البريء بينما نجلس نحلم ونضحك ونلهو، كان ابن عمي عن بعد قد التقط لنا عدّة صور بكاميرا هاتفه المحمول، وعادَ بها إلى والدي والعائلة، التي كانت تنتظري بعيون يقدح الشَّرر منها. انهالوا عليّ بالضّرب الواحد تلوَ الآخر وهم يرددون: "تلهين مع شاب كافر يا عايبة؟".
في ذلك اليوم لم يسل الدّم من بين ساقي كما يحدث نهاية ليلة الزّفاف، بل من رأسي وأنفي وفمي، ولم يبقَ موضع في جسمي إلّا وأصبحَ فيه كدمة. أبي، أخوتي، أعمامي السّتة، وأولاد أعمامي السّبع والعشرين، جميعهم اجتمعوا لينقذوا شرف العائلة!
بعد ثلاثة أسابيع خرجت من المشفى، لأتزوج عنوةً ودون أي كلمة منّي، ابن عمي الذي أنقذَ شرف العائلة.
اليوم وبعد خمس سنوات من زواجي الدّموي، كلّما سمعتُ أنّ هناك عرساً ما، أفرك نهدي ثمّ أركض لقطف ورقة شجرة خضراء أصنع منها خاتماً، ثمَّ أبكي حتى يُغمى عليّ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...