شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الهوس بالجسد المثالي... السرّ الكامن وراء

الهوس بالجسد المثالي... السرّ الكامن وراء "عنوسة" الرجال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 18 مايو 202205:28 م


"كنت أظن أن الجمال يعني أن تكون أجساد النساء كالمرمر، خالية من الندوب والحبوب، كهؤلاء اللواتي أراهن في الإعلانات. لكن الواقع كان صادماً بالنسبة لي. بعد ارتباطي بعدة فتيات أعجبت بهن، فشلت في الاستمرار لعدم قدرتي على تقبل عيوبهن الشكلية، كالنمش والهالات السود تحت العيون. حتى إفراطهن في استخدام مساحيق التجميل كان يصيبني بالغثيان". بلغ لطفي أحمد* صاحب هذا التعليق منتصف العقد الرابع من العمر، وتزوج أخيراً بعد أن وجد صاحبة "الجسد المثالي"، التي تمنى، عند قدومه إلى القاهرة، أن يقابلها سريعاً من خلال عمله في مجال الإعلام، حيث تتألق مقدمات البرامج والمؤثِّرات الجميلات.

حتى بعدما وُفِّق أخيراً في إيجاد صاحبة الجسد الذي يحلم به، لا يزال لطفي غير راض: "بعد زواجي، سريعاً ما أصبحت زوجتي سمينة بعض الشيء، وظهرت ترهلات في عدة مناطق بجسدها، وتفجرت بيننا الخلافات حتى وقع الطلاق"

بعد قدوم أحمد من إحدى محافظات الوجه القبلي إلى العاصمة، جاء الإدراك الأول: "عندما قدمت من الصعيد للعمل بالقاهرة، كنت أظن أن فتيات القاهرة يشبهن نجمات المسلسلات. رأيت فتيات بملابس متحررة بالمقارنة بملابس الفتيات في الصعيد، إلا أن أجسادهن لم تكن تشبه الصورة التي أحتفظ بها في مخيلتي".

حتى بعدما وُفِّق أخيراً في إيجاد صاحبة الجسد الذي يحلم به، لا يزال لطفي غير راض: "بعد زواجي، سريعاً ما أصبحت زوجتي سمينة بعض الشيء، وظهرت ترهلات في عدة مناطق بجسدها، حتى صرت أتحاشى النظر لها خلال علاقتنا الحميمة، وهو ما يشعرني بعدم الراحة. لم ينته الأمر على خير، تفجرت بيننا الخلافات حتى وقع الطلاق".

حقائق إحصائية

لطفي ليس حالة فردية، فحسب دراسة غير منشورة اطلع عليها رصيف22، أعدها باحثون اجتماعيون في مكاتب التسوية بمحاكم الأسرة بمصر، فإن أكثر من 55 % من حالات سوء المعاملة الزوجية ترجع إلى عدم رضا الرجال عن تغير شكل أجساد النساء بعد الزواج.

وفقاً للدراسة، تجاوزت نسب الطلاق 30 % بين المتقاضين في إحدى محاكم شرق القاهرة، بسبب مقارنة الأزواج بين أجساد زوجاتهم، وأجساد اللواتي يظهرن على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي. وأشارت الدراسة إلى أن 40 % من العينة أرجعت الطلاق لملابس الزوجات داخل المنزل.

وأشارت دراسة مكاتب التسوية التابعة لمحاكم الأسرة إلى أن نحو 65% من الخلافات بين الأزواج سببها اتهام الزوج زوجته بعدم العناية بمظهرها.

دراسة لوزارة العدل المصرية: أكثر من 55 % من حالات سوء المعاملة الزوجية التي تؤدي لرفع قضايا الطلاق والخلع، تبدأ من عدم رضا الرجال عن تغير شكل أجساد النساء بعد الزواج

ورصدت محكمة الأسرة بمدينة نصر و 6 أكتوبر (مدينة جنوب غربي القاهرة) وإمبابة وزنانيري (شرق القاهرة)، أكثر من 50% من الخلافات الزوجية التي يترتب عليها رفع الزوجات دعاوى طلاق وخلع، سببها اتهام الأزواج للزوجات بالإهمال في المظهر وشكل أجسادهن بعد الزواج، وهناك أكثر من 30 % من السيدات طلبن الطلاق أو الخلع بسبب سخرية أزواجهن من مظهرهن ومقارنتهن بأخريات.

على الرغم من ندرة الدراسات التي تتعرض للسلوك الجنسي للمصريين، أجرت الباحثتان زينب القاسمي وداليا الدسوقي دراسة نشرتها كلية الطب في جامعة المنوفية في العام 2016، حملت عنوان "الخيال الجنسي والاستمناء والبورنوغرافيا بين المصريين".

وجدت الدراسة التي اعتمدت عيّنتها كلياً على المصريين حصراً أن معظم مستهلكي المحتوى الجنسي المقدم عبر الوسائط المختلفة وعلى رأسها الإنترنت، هم من الرجال في سن الزواج، بين 20 و 40 عاماً وما فوق، على عكس ما يشاع من أن معظم مستهلكي المحتوى الجنسي الإباحي من المراهقين، إذ لم تتجاوز نسبة من هم أقل من 20 عاماً 11.5%. إلا أن في ذلك إشارة إلى أن التعرض للمحتوى الإباحي يبدأ في سن مبكرة بين الذكور المصريين.

دراستان في جامعة المنوفية: استهلاك الرجال المصريين المتزوجين للمواد الإباحية يفوق غير المتزوجين. والإحباط الجنسي بين المتزوجين يزداد ويبدأ مبكراً بين النساء، إلا أن الرجال يقدمون على اتخاذ رد فعل رافض تجاه شريكاتهم بنسب تفوق النساء

كذلك وجدت الدراسة أن نسب سكان الريف المستهلكين للمحتوى الإباحي تتجاوز نسب سكان المدن والمناطق الحضرية، كما يتفوق المتزوجون على غير المتزوجين في استهلاك المحتوى الإباحي بنسبة 52% من عينة الدراسة. فيما تتفوق النساء، خاصة المتزوجات منهن- على الرجال في اللجوء إلى الخيال الجنسي sexual fantasy من دون التعرض للمواد الإباحية، ما يشير إلى اتباع النساء نمطاً مختلفاً لتعويض عدم رضائهن جنسياً عن شركائهن (أزواجهن) بحسب عينة الدراسة، في حين يرتفع استهلاك الرجال للمحتوى الإباحي واللجوء للاستمناء، خاصة بين المتزوجين منهم.

  عدم الرضا الجنسي في العلاقات الزوجية المستقرة تستعرضه الدراسة نفسها من خلال إحصاءات تكشف أن لجوء الرجال المتزوجين للاستمناء واستهلاك المواد الإباحية يرتفع بشكل كبير بين من زادت فترة زواجهم على 10 سنوات، في حين تلجأ النساء المتزوجات للخيال الجنسي والاستمناء قبل أن يتممن عشر سنوات من الزواج، ما يؤشر لارتفاع نسب عدم الرضا بين النساء عن النسب بين الرجال.

وهذا ما يتناقض مع إحصاءات محكمة الأسرة. ويؤشر إلى أن الرجال أكثر تعبيراً عن عدم رضاهم الجنسي بالمقارنة بشريكاتهم من النساء.

"كان خطيبي يحدق في وجهي بطريقة غريبة. اعتقدت في البداية أن لديه مشكلة نفسية، لكني عرفت السر مع أول بقعة ظهرت على وجهي، إذ كان يراقبني كي يلفت انتباهي فوراً إلى أي تغيير في صفاء بشرتي أو وزني، حتى كرهت النظر في المرآة"

تلك النتائج تكاد تتطابق، مع بعض الاختلافات الإحصائية المرتبطة بحجم العينة وآلية انتقائها، مع دراسة أخرى صادرة أيضاً عن جامعة المنوفية، حول أثر البورنوغرافيا على المتزوجين في مصر. وخلصت الدراسة إلى أن للبورنوغرافيا – ومعظم جمهورها من الرجال- تسهم في عدم الرضا الجنسي بين المتزوجين في مصر.

أماني وحقائق

"كان خطيبي يحدق في وجهي بطريقة غريبة، كأنه يريد اكتشاف شيء ما. اعتقدت في البداية أنه مريض أو لديه مشكلة نفسية، لكني عرفت السر مع أول بقعة ظهرت على وجهي أثناء خطبتنا، إذ كان يراقبني كي يلفت انتباهي فوراً إلى أي تغيير في صفاء بشرتي، ولاحقاً، أي تغيير يطرأ على وزني". تلك المراقبة التي وجدت سلوى سليمان أنها تتعرض لها طول الوقت أفقدتها ثقتها بنفسها وأشعرتها أنها تحت المجهر. تقول: "كرهت النظر في المرآة"، فلم تتردد في الاستجابة لنصائح فسخ الخطبة للحفاظ على سلامها النفسي.

تلاحظ سلوى ان الأفلام لا تحوي بنات يشبهنها لا في الملامح أو الجسد والشكل. تقول: "من غير المنطقي ظهور بطلات بمواصفات جسد خرافية طول الوقت. لست ضد بحث الرجل عن جسد يفضله، ولكني ضد أن يتصور أن هناك فتاة مثالية الشكل والجسد وبلا عيوب".

يقول الدكتور هاشم بحرى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، لرصيف22: "لا ينبغي أن نلوم الرجل الذي يبحث عن نموذج خيالي لمظهر الأنثى، لأنه ضحية وسائل الإعلام والعوالم الافتراضية، كما أن هذه الصورة المثالية تشجعها الفتيات ويحاولن الوصول إليها لإرضاء أذواق الرجال".

ويضيف: "تلعب شخصية الرجل دوراً محورياً في الانسياق وراء النماذج غير الواقعية لشكل الأنثى، وافتقاد الشاب للتوازن يحدث له خللاً يدفعه لأن يلهث وراء الجسد المثالي وقسمات الوجه الجميلة، وتجاهل أشياء أخرى أكثر أهمية. والنتيجة تكون علاقات تسبب الإحباط للطرفين، أو فقد الرجل القدرة على الدخول في علاقات مع النساء لأنه يحلم بنموذج غير واقعي".

الدكتور طه أبوحسين، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية سابقاً، يرى أن المشكلة "ثقافية"، ويقول: "مع تحول غرض الزواج الأساسي في المجتمع إلى إيجاد سبيل مقبول اجتماعياً ودينياً لممارسة العلاقة الحميمة، بات المظهر والقبول الجنسي أساس اختيار الشباب لزوجاتهم، وبعد الزواج يفاجأ الرجل بأن المهام المنزلية والمسؤوليات التي تتحملها المرأة في مجتمعاتنا تؤثر على صحة زوجته وقدرتها على الاهتمام الدائم بمظهرها، إلى جانب التغيرات الطبيعية التي تحدث في شكل جسدها بسبب الهرمونات والحمل والرضاعة. الرجال غير مؤهلين لأن يفهموا ويقبلوا تلك التغيرات".

وتنتقد أسماء الفخرانى، استشارية العلاقات الأسرية ومدربة الأنوثة والتنمية البشرية، ما تسميه "نغمة التهكم والسخرية من جسد الأنثى، لأنها تسبب فقدان ثقة للفتيات والنساء المتزوجات، وتضعهن تحت ضغط نفسي، خصوصاً بعد الزواج والإنجاب".

ميراث التمييز

الباحث في التراث الشعبي، الشاعر والكاتب مسعود شومان، يقول لرصيف22 إن الموروث الشعبي الشفاهي من أغان وأمثال وحكايات يكرس أنماطاً محددة من الجمال ويتغنى بها، ليتوارثها الناس باعتبارها معايير: "مثلاً التراث الشعبي ينشغل بالمرأة البيضاء اللون (البت بيضا بيضا وانا اعمل إيه)، التراث كذلك يفرض أن (العود) الجميل أو شكل جسد المرأة المثالي هو أن تكون نحيفة ولكن مع امتلاءات في مناطق معينة من جسدها، وإلا تصبح سمينة أو (معقربة) إن كانت نحيفة القوام وهكذا. هذه المعايير تجعل الأنثى لا تُختصر في جسدها، وإنما في نمط محدد أحياناً يكون بلوغه صعباً والحفاظ عليه أصعب".

ويختم شومان: "إلى جانب هذا، يبحث الرجال عن حسن الأخلاق والأصل الطيب ومواصفات أخرى روحانية واجتماعية، لكن هذه المواصفات تأتي بعد الإعجاب بالشكل".



إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard