شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"أكبر من سقطة"... لماذا غضبُ نساء من غناء إليسا مع سعد لمجرّد مبرَّر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 6 مايو 202203:11 م

صدمت الفنانة اللبنانية إليسا جمهورها لدى إطلاقها أغنية ثنائية (ديو) مع سعد لمجرد الفنان المغربي المتهم في عدة جرائم اعتداء جنسي بحق نساء.

في البوستر الدعائي للديو، تظهر إليسا مبتسمة مغمضة العينين دلالة على شعورها بالاطمئنان والسعادة، وهي في "أحضان" لمجرد. مشهد قد يكون عادياً في أي بوستر لأغنية رومانسية، لكنه شكّل "من أول دقيقة" - وهو للمفارقة اسم الأغنية - صدمةً مضاعفةً لجمهور إليسا التي اعتاد منها الحديث بلسان المناصِرة لحقوق المرأة والمناهِضة للعنف بجميع أشكاله.

وعلى مدار اليومين الماضيين، تعالت أصوات الانتقاد والتعبير عن الغضب من إليسا عبر وسوم عدة، منها #إليسا_تدعم_المغتصبين، وسط اتهامات لها بـ"التطبيع مع العنف الجنسي ضد النساء" و"الترويج لفرصة ثانية للمتحرشين والمغتصبين" و"طعن الناجيات والتشكيك في شهاداتهن وألمهن". 

وللفنان المغربي سجل حافل بالاتهامات وبشهادات ضده تتصل بالاعتداء الجنسي بحق نساء في أمريكا وفرنسا والمغرب منذ عام 2010 حين ارتبط اسمه بتهم اغتصاب واعتداء جسدي على فتاة في الولايات المتحدة. وبعد اتهام شابة فرنسية له باغتصابها داخل فندق ماريوت بباريس عام 2016، اتهمته شابة فرنسية من أصل مغربي بالاعتداء عليها وضربها في مدينة الدار البيضاء عام 2015.

ولم تلتفت إليسا إلى الانتقادات ولم تعلق عليها حتى نشر هذه السطور. علماً أنها نشطة في مشاركة الأخبار والتعليقات الإيجابية على الأغنية عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الـ24 ساعة الماضية. وقبل بضع ساعات، احتفت إليسا بتخطي الأغنية خمسة ملايين مشاهدة.

حذّرت معلّقات من خطورة أن "ترى ضحيّة مغتصبها مشهوراً رغم ما فعل بها" وأن "يشاهد الرجال كيف أن الاغتصاب مغفور"، وأضفن "ما دام مثلها يدعم المتحرشين والمغتصبين سيستمر التحرش الجنسي للأسف". وكثُرت الدعوات إلى مقاطعة الأغنية. 

واعتبرت الناشطة النسوية والحقوقية اللبنانية حياة مرشاد أن مشاركة "ملكة الإحساس" للفنان المتهم في عدة حوادث اغتصاب هي "طعنة للناجيات من التعنيف والاعتداء الجنسي".

"طعنة للناجيات"... #إليسا "تخذل" النساء "من أول دقيقة"، وتحذير من خطورة أن "ترى ضحيّةٌ مغتصبها مشهوراً رغم ما فعل بها" وأن "يشاهد الرجال كيف أن الاغتصاب مغفور" 

واتهمتها كثيرات بالتشدق بحقوق المرأة للفوز بدعم نسائي لا تستحقه. غرّدت الصحافية المصرية وفاء خيري: "ليه فنانة زي إليسا تعمل دويتو مع مغتصب! ليييييه! هي ناقصها إيه عشان تتعاون في شيء مهين بالشكل دا؟ حقيقي نزلت من نظري من النهاردة. بلاش كلام فارغ عن حقوق النساء، وبلاش نتخدع بكلماتها الرنانة، طالما عند الجد موفتش بمبادئها، يع!".

هل هذا الغضب مبرَّر؟

ليس منبع الغضب من إليسا والهجوم عليها كونها امرأة، إذ لسوء الحظ ليست جميع النساء مدافعات عن حقوق المرأة بالمفهوم الحقيقي للحراك النسوي، بل هنالك فريق منهن معارض لتلك الحقوق. إذ بالتزامن مع الإعلان عن الديو بين إليسا ولمجرد، أحيا الفنان اللبناني راغب علامة حفل عيد الفطر في دبي مع لمجرد. امتدح الأول الأخير بأنه "شاب كله نشاط وحيوية ومليء بالفن"، مداعباً إياه في الوقت نفسه بوصفه بـ"الصايع اللذيذ".

لم يتعرّض علامة لهجوم على إثر ذلك، وهو أمر متفهّم إذ لم يُصدّر علامة نفسه يوماً مدافعاً عن حقوق المرأة ولا يُنتظر منه تفهم وقع التطبيع مع المغتصب/ المتحرش على النساء. لكن إليسا فعلت ولا تزال. في النبذة التعريفية عنها على حسابها الموثّق في تويتر، تصف إليسا نفسها بأنها "مُدافعة عن حقوق المرأة". لم يتغير التوصيف إلى الساعة.

من المنطلق نفسه، أكاد أجزم أنه لو غنّت فنانة أخرى لا يُعرف عنها الدفاع عن قضايا المرأة، أو على العكس تُتّهم بالذكورية أو الإساءة للنساء مثل نجوى كرم وشيرين عبد الوهاب أو غيرهما، لما كان الهجوم عليهما بنفس الدرجة. 

كذلك، لا يمكن الزعم أن إليسا "اضُطرت" للغناء مع لمجرد تماشياً مع ظروف تعاقدية أو ما شابه. اللقطات والصور المتعددة التي تُظهر الهيام والانسجام التام المتماهي مع جو الأغنية الرومانسية خلال التسجيل وكواليس العمل على الديو، والاحتفاء البالغ منها بـ"نجاح" الأغنية عبر حساباتها الرسمية، ومشاركتها تعليقات لمجرد عنها وعن الأغنية، هذه كلها أمور تكذّب هذه الفرضية. بل على العكس، تؤكد أن إليسا سعيدة بهذه التجربة وغير مكترثة للاتهامات بالتطبيع مع الإساءة إلى النساء.

بعدما حثّت النساء في أغنياتها على "كسر الصمت" ورفض عنف الشريك والإبلاغ عنه، وزعمت أنها "مدافعة عن حقوق المرأة"، #إليسا تغني مع #سعد_لمجرد المتهم في عدة حوادث اعتداء جنسي وتتجاهل الانتقادات تماماً

كتبت الصحافية اللبنانية ديانا مقلد: "إليسا كررت في أكثر من أغنية وفي أكثر من تصريح أنها تشجع النساء على كسر حلقة العنف ومواجهة المعنِف وعدم الصمت. اليوم تغني إليسا مع سعد لمجرد الملاحق بعدة دعاوى في فرنسا بتهم اغتصاب. لا نتحدث عن زلة لسان أو عن رأي عابر بل عن قرار بتعويم شخص مثل سعد لمجرد. هذه أكبر من سقطة بكثير".

عام 2009، حثّت إليسا الزوجات على عدم تقبّل العنف الأسري في كليب أغنية "من غير مناسبة". كررت التجربة عام 2012، في أغنية "تعبت منك" التي تتحدث عن غيرة الرجل من نجاح شريكته فيلجأ للعنف الجسدي من أجل تعويض فشله وإرضاء ذكوريته فتنتهي العلاقة.

عام 2014 في أغنية "أنا نفسي" عبّرت أيضاً عن رفض تحكم الرجل وشعور النساء بعدم الأمان في العلاقات العاطفية. وفي الألبوم نفسه "حالة حب" صوّرت كليب أغنية "يا مرايتي" عن آثار العنف الأسري على النساء. أنهت الأغنية برسالة واضحة: "اِكسري صمتك… الصمت ما بيشفي الوجع. لا تترددي بالاتصال بالخط الساخن لـ‘كفى‘".

ليت إليسا تراجع نفسها، وتتراجع عن هذه الخطوة وتتحمل مسؤوليتها كاملةً كامرأة تدّعي مناصرة حقوق النساء.

بعد هذه المواقف، أرى أنه من المنطقي أن تشعر النساء، اللواتي أصبحن من جمهور إليسا، بالخذلان، لأنهن رأين فيها التعبير الحقيقي عن قضاياهن ومعاناتهن، وأن يعبّرن عن غضبهن من تصرفها المناقض تماماً لما ادعّته سلفاً، خاصّةً أن هؤلاء النساء وقفن إلى جانب إليسا ودافعن عنها بشراسة طوال السنوات الماضية في عدة مناسبات، خاصة حين تعرضت لهجوم من الجمهور السعودي بسبب تغريدات قديمة اعتُبرت مسيئة للمملكة، ومرات حين تعرضت للتنمر بسبب شكلها أو سنّها وعدم زواجها.

إليسا منتشية حالياً بـ"النجاح الهائل" للديو مع لمجرد، ومتفرغة كما يبدو لتلقّي المباركات من زملائها وزميلتها وجمهورها على وقع أنباء تصاعد مشاهدات الأغنية حالت، ربما، بينها وبين الانتقادات والتعليقات المستنكرة تعاونها مع فنان تكررت ضده اتهامات الاعتداء الجنسي بحق نساء.

 ليت إليسا تراجع نفسها، وتتراجع عن هذه الخطوة وتتحمل مسؤوليتها كاملةً كامرأة تدّعي مناصرة حقوق النساء. ويبقى السؤال: هل يمكن تجاوز هذا التصرّف حينذاك أم يكون "السقطة التي لن تُمحى من تاريخها أبداً؟".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard