اليوم الأول: 50غراماً من الطحين و50 أخرى من الماء في مرطبان سعته نحو كيلوغرام، ويُخلطان جيداً.
عندما نتحدث عن العلاقات، نعتقد بأنها مختصة بمجال التواصل البشري فحسب، ولكنها أشمل بكثير. مع ذلك، سأبدأ بالمتغيرات التي تطرأ على العلاقات البشرية وصولاً إلى العلاقات بالجماد.
اليوم الثاني: إن لم تجد فقاعات على وجه خميرتك المستقبلية، فلا بأس. ضع 50 غراماً من الطحين و50 غراماً من الماء، وأخلطهما جيداً.
أعلم أنّي إنسان ذو هوية ثابتة أبني من خلالها علاقاتي الاجتماعية، ولكن هل أستطيع أن أتصرف وأتحدث في نفس الأسلوب والنمط ذاته مع جميع الأشخاص؟
أليس من الممكن أن تمشي هويتي على حبلٍ بين الثابت والمتغير أو أن الزمان والمكان في علاقة متغيرة مع هذه الهوية الثابتة؟
طبعاً لا أحد يعتقد بأن صديقه كأمه مثلاً أو أباه كزميله في العمل أو أن أخته كأخيه. وكل ما اقتربنا وابتعدنا عن الأبعاد تظل الهوية ثابتة في الصورة، متغيرة في التفاصيل إلى ما لا نهاية ربما.
أعلم أنّي إنسان ذو هوية ثابتة أبني من خلالها علاقاتي الاجتماعية، ولكن هل أستطيع أن أتصرف وأتحدث في نفس الأسلوب والنمط ذاته مع جميع الأشخاص؟ أليس من الممكن أن تمشي هويتي على حبلٍ بين الثابت والمتغير أو أن الزمان والمكان في علاقة متغيرة مع هذه الهوية الثابتة؟
اليوم الثالث: تفتح المرطبان وتجد بأن الفقاعات قد بدأت في التكون وعليك منذ الآن التحقق من عملية التخمير، والتأكد هل مستوى الخليط سيرتفع أو لا.
تكرر نفس العملية، ولا تنسَ أنْ تخلطهم جيداً.
في يدي ملعقة، وأنا أعلم بأنها أداة للأكل، ولكن ماذا لو قررت أنها لفتح قنينة الكوكا كولا فقط؟ ألم تتغير علاقتي مع الملعقة؟ ألم يُفتح باب جديد للعادة؟
اليوم الرابع: تفتح المرطبان وتجد الفقاعات، تنظر إلى مستوى الخليط، هل ارتفع؟ لا تعلم؟ تنظر مجدداً... تباً كيف لك أن تعلم؟
تكرر نفس العملية وتخلط المزيج جيداً.
في يدي ملعقة، وأنا أعلم بأنها أداة للأكل، ولكن ماذا لو قررت أنها لفتح قنينة الكوكا كولا فقط؟ ألم تتغير علاقتي مع الملعقة؟ ألم يُفتح باب جديد للعادة؟
ماذا عن الضيعة أو المدينة؟ أليس وجودك في الضيعة قائماً على ماذا تفعل هناك؟ وبشكلٍ بديهي، يكون الأمر مختلفاً عما تفعله في المدينة؟
في الضيعة، هذا الطريق الذي يحيطه شجر الكرز والجوز، والمكان الذي تذهب إليه خصوصاً لشرب القهوة، والأماكن العالية والدهاليز، أليست كل هذه علاقات؟
لماذا، وأنت في المدينة، تحتاج إلى متنفس مثل السينما، والمسارح، والمعارض، والندوات؟ أليس من أجل بناء العلاقات حتى ولو مع لوحة، ومقاومة أيام العمل المختزلة في رجوعك إلى البيت وتحويلك إلى روبوت؟
اليوم الخامس، تطمئن إلى أن الفقاعات أصبحت أمراً واقعاً، وتفرح عندما تجد أن مستوى الخليط ارتفع، وتقلق في نفس الوقت لأن رائحة الخميرة كرائحة جورب وُضع بالفرن بعد رحلة صيد.
تعيد نفس العملية وتخلط المزيج جيداً.
الاكتئاب والعلاقات مرتبطان، دون أن يكونا على صلة.
دعك من أن المكتئب يتجه للاعتزال فوراً، ولكن هل يستطيع أن يقيم علاقة مع الطعام مثلاً أو مع شجرة أو حمام في كلّ صباح؟ لماذا نبتعد عن العلاقات عندما نكتئب؟
اليوم السادس كاليوم الخامس، والرائحة عادت إلى مجراها بدلاً من أن تشبه رائحة الجورب.
تكرر نفس العملية، وتخلط المزيج جيداً.
هل صورتي هي أنا أم هي صورة عني لم تعد تعني لذاتي شيئاً غير أنها أثر مما يبقى من المتغير؟
أستيقظ في الصباح متشوقاً لرؤية ما حصل للخميرة. وأنا لم أجرؤ بعد على إعطائها اسماً يخصها، وهي نصيحة وجدتها عند جميع الذين شرحوا طريقة صنع الخميرة الطبيعية.
أغمض عينيّ، وأجلس إلى طاولة فلاسفة، وأتخيل الفيلسوف اليوناني في عصر ما قبل سقراط، هرقليطس، يقول لي: "لا يمكنك أن تضع قدمك في النهر مرتين". وأتذكر المعنى وراء هذه المقولة حول من أنا عليه، وماذا تغير. وهل ما زلت الشخص نفسه منذ خمس سنوات؟ منذ سنة؟ منذ دقيقة؟
هل صورتي هي أنا أم هي صورة عني لم تعد تعني لذاتي شيئاً غير أنها أثر مما يبقى من المتغير؟
وأزيد على هرقليطس: "لا يمكنك أن تضع نفس الكمية في نفس المحتوى وتتوقع نفس النتيجة. هذه هي متعة العلاقة وأكثر".
ما هو الثابت والمتغير في العلاقات؟ أحاول إيجاد تسمية لخميرتي. كل كيان يحتاج إلى تسمية ما ليبقى، على ما أظن، أو لنستطيع تحديد ما هو ثابت وليفعل المتغير ما يريد. تنشأ علاقتنا من خلال الصور، أو تنشأ وتتراكم لأننا لا نعلم كيف سنكون معها غداً. وهذا الفضول للاكتشاف يسعدنا لأننا، أثناء اكتشافنا للآخر، نكتشف ذاتنا.
ماذا عن الضيعة أو المدينة؟ أليس وجودك في الضيعة قائماً على ماذا تفعل هناك؟ وبشكلٍ بديهي، يكون الأمر مختلفاً عما تفعله في المدينة؟
إذا كانت هذه العلاقة مع الأشخاص أو مع الورد أو حتى الأشياء، فإنّنا نلعب ويرمي بعضنا إلى بعض جزءاً من حياتنا. ربما هذا الجزء هو كالبكتيريا التي كوّنت صورة جديدة من الطحين والماء.
اليوم السابع كاليوم السادس، تغرف ملعقتك في الخميرة وتضعها في كوب ماء، فتجدها تطفو، وينجح اختبار الخميرة. باتت الخميرة جاهزة الآن. سمّيتها "جلنار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين