شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ماذا بعد حرق القرآن في السويد... وما هو الحلّ؟

ماذا بعد حرق القرآن في السويد... وما هو الحلّ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 19 أبريل 202203:43 م
Read in English:

What comes after the latest burning of a Quran in Sweden?

تشهد السويد مظاهرات وأعمال شغب وحرق سيارات وإصابات بالعشرات، كردة فعل على حرق اليميني المتطرف، راسموس بالودان، القرآن. بالودان محامٍ وسياسي دنماركي سويدي، ومؤسس حزب Stram Kurs 2017، المناهض للهجرة والإسلام عموماً في الدنمارك.

بالودان ضمنياً يريد إثبات أن الهجرة العشوائية واحتضان الجاليات المسلمة خطأ، لأنهم مجرمون ولا يؤمنون بحرية التعبير، ولكن تصريحاته الرسمية عند حرقه القرآن تفيد بأنه "يريد خلق نزاع"، وها هو قد نال ما أراد. 

خلال بضعة أيام فقط، استطاع بالودان ذو الفكر النازي بطريقتة الشعبوية الخاصة، إثبات وجهة نظره للملايين في السويد وخارجها، بتحريض المسلمين وبعض الجماعات الإجرامية في المجتمعات الموازية بحرق سيارات الشرطة وحتى السيارات المدنية وإصابة العشرات من الطرفين وتكبيد السويد خسائر تُقدَّر بالملايين. ومع اقتراب موعد التصويت لانتخابات 2022، وإن كان السويدي لن يصوت لحزب بالودان الدنماركي، أو لأي حزب يميني متطرف داخل السويد، فالأكيد أن السويدي سوف يعيد التفكير مرتين قبل التصويت لحزب من اليسار مثلاً، بسبب ردود الأفعال هذه على حرق بالودان القرآن. 

لكن بالودان في لبّ نشاطه، لا يفعل أي شيء يخلّ في ما سبق من وجهة نظر القانون.

يضمن القانون السويدي والأوروبي، تماشياً مع المادة 10 من اتفاقية حقوق الإنسان، حرية التعبير عن الرأي بغض النظر عن محتواه، وبغض النظر عما إذا كان من يعبر عن رأيه فرداً أو مجموعةً أو نوعاً من وسائل الإعلام. القيد الوحيد القائم على حرية نشر الأفكار، هو عندما يروّج صاحب الخطاب الأيديولوجيا النازية، وإنكار الهولوكوست، والتحريض على الكراهية والتمييز العنصري. فحسب المادة 17 من الاتفاقية، لا يجوز استخدام حرية التعبير بطريقة تؤدي إلى "تدمير الحقوق والحريات التي تمنحها الاتفاقية". 

قد يقول قائل إن بالودان يروّج النازية، أو إن بالودان يثير حفيظة المسلمين مما يؤدي إلى تدمير الحقوق والحريات. وقد يقول آخر ماذا عن حرية الاعتقاد وممارسة الأديان؟

لكن بالودان في لبّ نشاطه، لا يفعل أي شيء يخلّ في ما سبق من وجهة نظر القانون. وفي حين أنه لا يوجد مبرر من الناحية الأخلاقية لتصرفات بالودان النازية الحمقاء، فإن حرق بالودان القرآن تحت نظر القانون، يختلف عن التحريض على فعل كراهية ضد مجموعة عرقية وتشويه سمعتها أو الدعوة إلى تعنيف مجموعة دينية، وتالياً هو لا يُخلّ بالسلام والأمن العام. أي أن بالودان لا يحمل ميكرفون، ويدعو إلى مهاجمة المسلمين في بيوتهم، ولا يمنع أحداً من الذهاب إلى الجامع لممارسة دينه. في نظر القانون، بالودان يحرق "كتابه الخاص" حسب تعبيره على صفحته الشخصية على الإنستغرام. والقرآن هو مجرد كتاب ليست له أي صفة شرعية في نظر القانون السويدي، فلا تُستمد منه تشريعات كما يحدث في بلداننا، ولذلك يضمن القانون السويدي حرية التعبير عن هذا النوع، لأن سقف الحريات عالٍ جداً إلا في حالات خاصة جداً، كترويج النازية مثلاً. وهذا لأن سقف الحريات في السويد وغيرها من البلدان الأوروبية يستند إلى "مفارقة التسامح" التي طرحها الفيلسوف النمساوي الإنكليزي، كارل بوبر، في كتابه "المجتمع المفتوح وأعدائه" منذ العام 1945. 

تقوم مفارقة التسامح على فكرة أن التسامح المطلق مع كل أنواع الفكر، قد تؤدي إلى خلق بيئة خصبة لنمو فكر غير متسامح، وتالياً تدمير حالة التسامح في المجتمع كلياً.

إذاً، خطاب الكراهية غير محمي بموجب المادة العاشرة من اتفاقية حقوق الإنسان-قانون حرية التعبير عن الرأي.

وهناك أمثلة كثيرة خارج السويد وداخلها لمخالفة أشخاص برؤى مختلفة وبمواضيع مختلفة للمادة العاشرة من قانون حرية التعبير، وأذكر بعض الأمثلة للمقارنة مع قضية حرق بالودان القرآن. 

في حين أنه لا يوجد مبرر من الناحية الأخلاقية لتصرفات بالودان النازية الحمقاء، فإن حرق بالودان القرآن تحت نظر القانون، يختلف عن التحريض على فعل كراهية ضد مجموعة عرقية وتشويه سمعتها أو الدعوة إلى تعنيف مجموعة دينية، وتالياً هو لا يُخلّ بالسلام والأمن العام

قضية Vejdeland السويد

قام أربعة مواطنين سويدين من منظمة تُدعى الشباب الوطني، بتوزيع أكثر من مئة منشور على المدارس، وتركوها على خزانات الطلاب زاعمين في هذه المنشورات أن المثلية الجنسية هي "نزعة جنسية منحرفة"، و"لها تأثير مدمّر أخلاقياً على جوهر المجتمع"، وأن هذه الظاهرة هي المسؤولة عن تطور فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز.

ادّعى المتهمون أنهم لم يقصدوا التعبير عن ازدراء المثليين جنسياً كمجموعة، وذكروا أن الغرض من نشاطهم كان "بدء نقاش" حول الافتقار إلى الموضوعية في التعليم في المدارس السويدية. ووجدت المحكمة أن هذه المنشورات تشكل مزاعم خطيرةً ومضرةً، حتى لو لم تكن تحريضاً مباشراً على فعل كراهية. وشددت المحكمة على أن التمييز على أساس التوجه الجنسي لا يقل خطورةً عن التمييز على أساس العرق أو الأصل أو اللون. وخلصت إلى أنه لم يكن هناك انتهاك للمادة 10 من الاتفاقية، إذ عدّت السلطات السويدية أن التدخل في ممارسة المراهقين حقهم في حرية التعبير، ضروري في أي مجتمع ديمقراطي، وذلك لحماية السمعة وحقوق الآخرين.

في البداية، تمت محاكمة المواطنين السويديين الأربعة بتهمة "التحريض ضد مجموعة قومية أو عرقية"، وحكمت المحكمة الجزائية على المواطنين الأربعة بالغرامة والسجن. ثم استأنف المتهمون هذا القرار أمام محكمة الاستئناف السويدية، وبالفعل غيرت محكمة الاستئناف العقوبة إلى غرامات فحسب، بدل السجن.

قضية Perinçek سويسرا

بيرينجيك سياسي تركي، أعرب علناً في سويسرا عن وجهة نظره بأن عمليات الترحيل الجماعي والمذابح التي تعرّض لها الأرمن في الإمبراطورية العثمانية في عام 1915، والأعوام التي تلته، لم تصل إلى حد الإبادة الجماعية. لذا، رأت المحاكم السويسرية أن دوافعه بدت عنصريةً وقوميةً، وأن تصريحاته "لم تسهم في النقاش التاريخي". واشتكى المتهم بيرينجيك من أن إدانته الجنائية وعقوبته انتهكتا حقه في حرية التعبير، لكن المحكمة رأت في قرارها النهائي أن بيرينجيك هو نفسه من انتهك المادة 10 من اتفاقية حقوق الإنسان الخاصة بحرية التعبير عن الرأي.

السؤال الذي يطرح نفسه: إن كان حرق بالودان القرآن تعبيراً عن الرأي، إلا أنه في الوقت ذاته احتضان لفكر غير متسامح (الفكر النازي)، كما عبّر عنه كارل بوبر. إذاً لماذا يُسمح به في الأصل؟

قضية Norwood المملكة المتحدة

في قضية نوروود عرض المتهم في نافذته ملصقاً يمثّل أفكار الحزب الوطني البريطاني الذي كان ينتمي إليه.

الصورة تُظهر صورة البرجين التوأمين مشتعلين، ورافقت الصورة عبارة "الإسلام لا ينتمي إلى بريطانيا... احموا الشعب البريطاني". ونتيجة هذا البوستر، أدين هذا الشخص بتهمة "العداء الشديد لجماعة دينية".

كما وأعلنت المحكمة عدم قبول شكوى المتهم، مشيرةً إلى المادة 17 من الاتفاقية، التي تحظر أي نشاط "يهدف إلى تدمير أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية". لاحظت المحكمة أنه لا يجوز استخدام حرية التعبير لتدمير الحقوق والحريات المنصوص عليها في الاتفاقية، ووجدت أن مثل هذا الهجوم العام والشديد على جماعة دينية، وربط الجماعة ككل بعمل إرهابي خطير، يتعارض مع القيم التي تعلنها الاتفاقية وتكفلها، لا سيما التسامح والسلم الاجتماعي وعدم التمييز، وتالياً فإن أي تعبير يحتوي على عناصر تمييز عنصري وديني تقع خارج نطاق المادة 10.

الإسلام بأمسّ الحاجة إلى الإصلاح حتى يتحول من وصفة سياسية لإدارة أي بلد، إلى دين سلام ومحبة عامودي حصراً، كما هو مفترض أن يكون، إذ المفترض أن يكون ديناً وليس منهجاً سياسياً، وطالما هناك إصرار على التعامل بهذا الدين كمنهج اجتماعي وسياسي، ستبقى هذه الحرب قائمةً

اللائحة تطول ولكن هنا السؤال الذي يطرح نفسه: إن كان حرق بالودان القرآن تعبيراً عن الرأي، إلا أنه في الوقت ذاته احتضان لفكر غير متسامح (الفكر النازي)، كما عبّر عنه كارل بوبر. إذاً لماذا يُسمح به في الأصل؟ السبب برأيي ليس فقط في أن القانون السويدي يضمن سقفاً عالياً من الحريات. السبب هو أن القائمين على الموضوع يرون في الجماعات المتعصبة وتصرفاتها هذه رمزاً أكبر بكثير للفكر غير المتسامح، أي أنه فكر وتصرف عنيفان غير متسامحين وأكثر تعصباً حتى بالمقارنة مع تصرف بالودان. شيء لا يصدق، لكنها الحقيقة، والدليل تصريحات ضباط الشرطة في أن العنف غير مبرر، ولن يتم السكوت عنه، وسيتم رد الصاع صاعين، هذا بالإضافة إلى المطالبات باستقالة وزير العدل مورغان يوهانسون، لفشله في إدارة الأزمة، وذلك بالتوازي مع كل هذا الاستفزاز الحاصل لمشاعر المسلمين.  

إذا ما الحل؟ الحل هو أن يتخلى المتعصب عن تعصبه، وأن تتم توعية الشباب المتعصبين من قبل المؤسسات الدينية وشيوخ المنابر والمؤثرين في الدوائر المسلمة، وأن يستقبل المتظاهرون بالودان بالورود كما قال خالد محمد، رئيس الجمعية الخيرية For the people، حتى يتلاشى هكذا فكر من التاريخ، وحتى يثبت المسلم أنه يؤمن بالديمقراطية. الإسلام بأمسّ الحاجة إلى الإصلاح حتى يتحول من وصفة سياسية لإدارة أي بلد، إلى دين سلام ومحبة عامودي حصراً، كما هو مفترض أن يكون، إذ المفترض أن يكون ديناً وليس منهجاً سياسياً، وطالما هناك إصرار على التعامل بهذا الدين كمنهج اجتماعي وسياسي، ستبقى هذه الحرب قائمةً. الأيام القادمة أصعب بكثير، وإن لم يتم تحييد الإسلام السياسي اليوم والآن، فسيخسر المسلم المسالم الكثير، وستخسر كل الفئات المهاجرة الكثير. التغيير يبدأ بتطبيق ما قاله سفير الإمارات في أميركا، يوسف العتيبة، حوا أن "الطريق إلى المستقبل يتضمن فصل الدين عن الدولة، وهذا ما نفعله في الإمارات، وما نؤمن به".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image