شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
سلطة ضبط أم سلطة قمع؟… قرارات منع بالجملة في تلفزيون الجزائر

سلطة ضبط أم سلطة قمع؟… قرارات منع بالجملة في تلفزيون الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 14 أبريل 202205:55 م

قبل أن يتجاوز رمضان ثلثه الأول، بدأت عملية منع البرامج من القنوات الجزائرية، والبداية كانت من المسلسل الجزائري- التونسي "حب الملوك" الذي أحدث جدلاً واسعاً خلال الأيام الأولى لعرضه مع بدء شهر رمضان. فشريحة واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر وصفته بأنه "خادش للحياء"، ومتضمن "إيحاءات" غير مقبولة في المجتمع الجزائري "المحافظ"، الذي يقدّس حرمة رمضان، ويعتبر أي تصرف غير أخلاقي فيه، مرفوضاً.

قبل أن يتجاوز رمضان ثلثه الأول، بدأت عملية منع البرامج من القنوات الجزائرية، والبداية كانت من المسلسل الجزائري- التونسي "حب الملوك"

رقابة ذاتية؟

بعد موجة الغضب العارمة، قررت قناة النهار الجزائرية، التي تبث وقناة حنبعل التونسية مسلسل حب الملوك، الاعتذار ووقف عرضه، وأصدرت بياناً جاء فيه: "تتوجه قناة النهار إلى مشاهديها الكرام، بخالص اعتذارها وأسفها على لقطات غير مناسبة. تم بثها في إحدى حلقات مسلسل حب ملوك خلال الشهر الفضيل".

وتابعت: "تؤكد قناة النهار لجمهور متابعيها الأوفياء أن المشهد الذي يتضمن تلك اللقطات تم بثه سهواً". مشددة على أنها لم تقصد الإساءة إلى مشاهديها "الذين تحترمهم كلهم وتحرص على مراعاة قيم الجزائريين".

على إثر ذلك، اعلنت إدارة النهار أنها قررت توقيف بث المسلسل حالياً بغية مراجعته حلقة حلقة.

حقيقة القرار

وبعد سويعات قليلة، اتّضح أن هذا القرار لم يأت طوعاً ولا اختياراً على عكس ما يلمح إليه بيان قناة النهار. واستدعت "سلطة ضبط البث السمعي البصري" مدير قناة النهار، على خلفية بثها مشاهد "تتنافى مع قداسة الشهر الفضيل"، خاصة في الحلقة الثالثة، "التي تمس القيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري"، حسب ما أفادت به الهيئة في بيان.

وورد في البيان ذاته: "بعد دراسة الموضوع، طالبت سلطة الضبط بتوضيحات حول هذه المشاهد الخادشة للحياء، التي لاقت أيضاً ردود فعل ساخطة من طرف جميع شرائح المجتمع"، مضيفاً أن مدير القناة "اعترف بالخطأ المرتكب، ونتيجة لذلك تقرر توقيف بث حلقات مسلسل حب الملوك لمدة أسبوع، ابتداء من تاريخ يوم الاثنين إلى الجمعة المقبل، مع تقديم اعتذار من طرف القناة للرأي العام والتزامها الصارم، بعدم ارتكاب مثل هذه الأخطاء بالمراقبة القبلية للبرامج المختلفة، خاصة في شهر رمضان المقدس".

وذكرت سلطة الضبط أنها كانت قد لفتت هذه القنوات، خاصة خلال شهر رمضان، إلى "ضرورة مراعاة الأخلاق والآداب العامة وضرورة الرقابة القبلية لبرامجها المختلفة"، محذرة من أنها "ستتخذ إجراءات ردعية في حال الإخلال بهذا الإلتزام".

تقول سلطة الضبط أنها لفتت هذه القنوات، خاصة خلال شهر رمضان، إلى "ضرورة مراعاة الأخلاق والآداب العامة وضرورة الرقابة القبلية لبرامجها المختلفة"، محذرة من أنها "ستتخذ إجراءات ردعية في حال الإخلال بهذا الإلتزام"

مطاردة "بابور اللوح"

مسلسل حب الملوك ليس الوحيد الذي تعرض للرقابة والمساءلة. فقد تلقت سلطة الضبط شكاوى بخصوص مسلسل "بابور اللوح" أيضاً، الذي يعرض على قناة الشروق الخاصة، بعدما عبّرت شريحة واسعة من المجتمع عن امتعاضها من مشاهد تمس قدسية شهر رمضان ومبادئ الدين الاسلامي.

واستدعت سلطة الضبط إلى نقرها مديرة القناة التي قدّمت توضيحات بخصوص المسلسل، قبل أن تشرح القناة في بيان الملابسات، مؤكدةً أنّ المقاطع المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لا علاقة لها بما يُبثّ على شاشة القناة حالياً، ومضيفة أنّ هذه المقاطع تتعلّق بمشاهد محذوفة من الحلقات التي تُعرض على القناة، في حين تمّ نشرها في وقت سابق عبر منصة أخرى. (عرض على منصة يارا yara العام الماضي).

خدش الحياء

وجاء الامتعاض الكبير بسبب المشاهد التي لم تحترم العائلات الجزائرية، التي تعودت نمط الأعمال المحافظة، في شهر رمضان.

في حديث إلى رصيف22، يوضح كاتب السيناريو والمخرج التلفزيوني عادل محسن أن الأعمال الفنية الدرامية سينمائية كانت أو تلفزيونية، تنتج لتبث ضمن سياقات اجتماعية معينة. ويضيف: "في مصر وبعض الدول العربية توجد أفلام العيد، وفي الغرب أفلام الفلانتاين والكريسماس وغيرها. على الطريقة نفسها وُجدت الدراما الرمضانية عربياً، وتشكلت حسب الشهر الفضيل. فكانت مسلسلات الثلاثين حلقة حصراً بالعالم العربي، يفرضها عدد أيام شهر رمضان. وعليه فإن احترام الحيز الزمني للشهر الكريم، كان لا بد من أن يواكبه احترام لخصوصيته الدينية والقيمية والثقافية".

ويواصل خريج المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري: "السلسلة الفكاهية حب ملوك جاءت في رمضان لتعرض مشاهد لا تخلو من إيحاءات جنسية صريحة لم يعتدها المجتمع، ولا أظن أنه يريد أن يعتادها. لذلك فإن قرار إيقاف هذه السلسلة جاء بعد الغضب الذي أبداه الجزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم كون القرار أتى متأخراً فقد كان ضرورياً (...) الأمثلة كثيرة عن الأعمال الفنية الناجحة من دون هبوط المستوى ولا خدش الحياء العام للعائلة. علاقة الواقع بالفن ليست علاقة تطابق. ومن الغريب تكرار محاولات بث أعمال هابطة على شاشات الجزائريين".

رمضان خط أحمر 

يعتبر شهر رمضان مُقدساً عند جموع المسلمين عامة، والجزائريين خاصة. فالشبكة البرامجية على القنوات التلفزيونية تحظى بمتابعة مضاعفة في هذا الشهر. لذلك تضرب سهام النقد بقوة خلاله.

في هذا الصدد، يقول الناقد الثقافي والسينمائي محمد علال لرصيف22: "لو عرض هذا العمل خارج رمضان لما وقع هذا الجدل الكبير. فالجمهور يربط بين خصوصية الشهر وكل ما يعرض عبر الشبكة البرامجية. وهذا يفرض ما يشبه صياماً فنياً".

ويرى أن القيم "المتغلغلة" في المجتمع تتحكم فيها العادات والأعراف، مضيفاً: "المجتمع الجزائري المحافظ غير قادر على فتح النقاشات الجريئة بصوت عال. لهذا السبب ربط النظام السياسي فكرة الفن والثقافة بتبديد الأموال على العري والرقص والفجور والمجون. وهو ما شكل حكماً مسبقاً ومبطناً في صفوف الجمهور، الذي بات غير متسامح مع المثقف والفنان إذ لا ينظر إليه بعين العقل في الممارسة الفنية الحرة".

ويكمل علال: "هذا النقاش قد يبدو متعالياً بالنسبة للجمهور البسيط الذي يظن أنه يمارس حقه في ضبط القيم وفق الخلفيات العقائدية والدينية والمجتمعية، لكنه لا يعلم أن لهذه القرارات تداعيات كبيرة على المدى البعيد، ليس على الجانب الاقتصادي فحسب، بل كذلك على جوانب عدة، منها تقديم صورة خاطئة عن الفرد الجزائري والمجتمع. الغريب أن المجتمع الجزائري على أرض الواقع متسامح، ولا يشبه المجتمع الافتراضي المتطرف والإقصائي".

سلطة ضبط أم سلطة قمع؟

يحيل بعض الإعلاميين والمثقفين النقاش الدائر حول توقيف بث حب الملوك لمدة أسبوع وتوجيه إنذارات متكررة إلى وسائل الإعلام حول مضامين تبث عبر شاشاتها، إلى دور سلطة الضبط السمعي البصري، التي تدخلت بضع مرات لإيقاف برامج ومسلسلات وغلق قنوات تلفزيونية.

يعود الناقد محمد علال إلى هذه المسألة منتقداً ما وصفه بالتضييق على الحريات والمحتوى الذي يبث عبر وسائل الإعلام، ومضيفاً: "تمارس السلطة السياسية تضييقاً على الحريات تحت غطاء ما تصنفه حفاظاً على القيم، كمحاولة لإرضاء الشارع، وهذا كله من خلال سلطة ضبط السمعي البصري التي تحولت من سلطة ضبط إلى سلطة قمع، وتخلت عن دورها في التنظيم والنهوض بالمحتوى الإعلامي والصحافي وحرية التعبير. فهي تكيل بمكيالين دوماً فيما يتعلق بأداء وسائل الإعلام. علماً أن قراراتها كلها ردعية. ويمكن القول إن هذه الهيئة تحولت محكمة قمع وغلق وتوقيف ومنع".

إرهاب وانفتاح

"مصطلحات النظام العام، الآداب العامة، الفضاء العام وغيرها، تستخدم كثيراً في النصوص القانونية وهي مصطلحات فضفاضة ومطاطة". هكذا يعبر المحامي هاشم ساسي، الناشط الجمعوي والسياسي، عن الجدل الحاصل حول الأعمال الرمضانية. يقول: "السؤال المطروح هل التلفاز فضاء عمومي رغم أن الملايين يشاهدونه؟ لكن تبقى المشاهدة ذات سمة فردية، وتمتاز بكثير من الحرية. بالنسبة لي ليس التلفاز فضاء عمومياً، لكي نتحجج بأن ما يأتي فيه يجوز منعه، لأنه "خادش للحياء"، فهو جهاز كالهاتف يمكنك مشاهدة وتلقي ما تشاء من دون أن يتدخل غيرك فيما تشاهده أو تتلقاه".

ويضيف: "المجتمع الجزائري تنقل من مرحلة الفكري الثوري اليساري (الثورة + فترة ما بعد الاستقلال مباشرة)، بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني اليافع، إلى فترة انتشار ما عرف زوراً بالصحوة الاسلامية، التي انتهت في ما بعد بعشرية سوداء دموية أدت إلى موت الجزائر ليلاً (المواطن الجزائري تنتهي حياته عند الساعة الثامنة ليلاً). لذا نحن أمام مواطن أبعده الإرهاب المادي المسلح عن السينما، والمسرح، والفن، وأبعده بالإرهاب الفكري الإيديولوجي عن الانفتاح على عالم الفن".

مرفوض في رمضان مقبول في غيره!

ويعتبر الذين يتبنون الرأي المخالف والرافض لتوقيف البرامج والأعمال التلفزيونية بحجة خدش الحياء، أن هذا السلوك "السلطوي" يقتل روح الإبداع، الذي يتجسد في أعمال تحاكي ظواهر من عمق المجتمع. كما يصفون الجمهور الذي يشن هجوماً شرساً عبر مواقع التواصل الاجتماعي هدفه وقف الأعمال الفنية التي تختلف مع توجهاته، بالتناقض الواضح والفاضح، بحجة أن الذين يرفضون مشاهدة هذه النوعية من الأعمال في رمضان مجاناً، هم أنفسهم يدفعون بدل الاشتراك ليشاهدوا أفلاماً غربية ومسلسلات تركية تتضمن مشاهد أكثر جرأة من المشاهد التي تتضمنها المسلسلات الجزائرية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard