خرج العديد من المثقفين والمثقفات المغاربة، من مختلف الأعمار والأجيال والتعبيرات الفنية، في 49 مدينةً وقريةً مغربيةً، يوم السبت 26 آذار/ مارس، إلى الشارع العام، وعبّروا في وقفات احتجاجية عن مناهضتهم للتوحش وتغوّل لوبي الاقتصاد في المغرب، وإجهازه على صوت المثقف وتغييبه بشكل مريع في السنوات العشر الأخيرة، فيما تم منع الاجتماع المركزي الكبير في الدار البيضاء من طرف السلطات المحلية، من دون تقديم أي مبررات لهذا المنع، لتخلق الاستثناء. وهذه مبادرة تعيد إلى الأذهان موقع المثقف في الشأن السياسي والثقافي.
ضد القبح والتوحش
عن هذه المبادرة، التي تقف وراءها مجموعة من المثقفين المغاربة، والتي لم يكن يُتوقع لها هذا النجاح والامتداد في القرى والمدن المغربية، والحضور الوازن للشباب والنساء بشكل كبير، يقول الكاتب شعيب حليفي، منسق المبادرة لرصيف22، إنها جاءت لمناهضة القبح والتوحش اللذين يطالان كل شيء وما يترتب عنهما من اختلالات وأعطاب، والمطالبة بإعادة النظر في السياسات العمومية والسياسة الثقافية في علاقاتها بالفاعلين والجهات، وإعادة الاعتبار إلى الثقافة والمثقفين في المغرب، وطرح البدائل الممكنة من أجل تحقيق نهضة ثقافية حقيقية تعيد للمثقف المغربي أدواره الطبيعية والطلائعية في المجتمع، وتعيد للثقافة ألقها وتوهجها وتبعدها عن الطابع الفولكلوري الذي يرغب البعض في تسييجها به.
يقول الكاتب شعيب حليفي، منسق المبادرة لرصيف22، إنها جاءت لمناهضة القبح والتوحش اللذين يطالان كل شيء وما يترتب عنهما من اختلالات وأعطاب، والمطالبة بإعادة النظر في السياسات العمومية والسياسة الثقافية
ويضيف حليفي، الذي سبق أن كان وراء مبادرة مماثلة في شهر شباط/ فبراير من عام 2010، من خلال تأسيس "المرصد المغربي للثقافة" للاحتجاج على التدبير الثقافي لوزارة الثقافة في عهد الوزير بنسالم حميش بشكل خاص، والحكومة المغربية بشكل عام، أننا "وصلنا إلى مرحلة التوحش في غابٍ لم يعد آمناً، فبعد مرحلة تطويعٍ قاسية خلال العشر سنوات الماضية، عشنا في محنة رخيصة، كانت تمهيداً للمحنة الكبرى التي يعرفها المغرب اليوم، ومن ملامحها القاسية "قتل" المجتمع بسرعة قياسية، والحقيقة أنها مراوغات السطح الذي يخفي أن المجتمع في خطر من الهدم وهيمنة الزيف وأشكال لا محدودة من الاستسلام ورشو النخب وتفكيك الفئات وعزلها، وتبخيس القيم الإنسانية بحمولاتها لفائدة أنانية متطرفة".
يؤكد شعيب حليفي، الذي يعقد العزم على الشباب في المضي قدماً بهذه المبادرة، وسبق أن وجه نداءً إلى المثقفين في شهر شباط/ فبراير الماضي، من أجل الدفاع عن المجتمع، أن التوحش بلغ مرحلته القصوى، وأن من يقفون وراءه يعتقدون أنهم امتلكوا مجتمعاً بلا وعي، انتهت صلاحية مقاومته، متسائلاً: "هل فعلاً انتهت صلاحية وجودنا وصرنا مجرد أشباح لا قدرة لنا على النقد والمواجهة والمشي في الصفوف الأولى والحارقة؟".
"هل فعلاً انتهت صلاحية وجودنا وصرنا مجرد أشباح لا قدرة لنا على النقد والمواجهة والمشي في الصفوف الأولى والحارقة؟". مثقفون مغاربة يجيبون: "لا"
كردٍّ على هذا السؤال، يجيب شعيب حليفي في تصريح لرصيف22، بأن التجاوب والتفاعل الكبيرين للمثقفين المغاربة، وحتى أولئك المنتسبين لمؤسسات رسمية، مع هذه المبادرة، هو الجواب الحقيقي على أن المثقف المغربي قادر على المبادرة، وأن من حقه الدفاع عن بلده ومجتمعه وبالطريقة التي يراها مناسبةً، مشيراً إلى أن المنع الذي طال الاجتماع المركزي الكبير في الدار البيضاء، والذي كان هو منسقه، ينمّ عن سوء فهم السلطات المحلية وعدم درايتها بالدور الحقيقي الذي يمكن أن يقوم به المثقف من نشر للوعي، وتعزيز الإحساس بالوطنية، والدفاع عن القيم المجتمعية الأصيلة، وعن الوحدة الترابية الوطنية، وأنها المرة الثالثة التي تمنعهم فيها السلطات من عقد نشاط ثقافي: الأولى في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بقيادة لفضالات ببنسليمان، والثانية في 12 آب/ أغسطس 2017 في موسم الفروسية "أولاد يحيى لوطا" في إقليم بنسليمان.
اختبار جديد للثقافة في المغرب
ويؤكد حليفي أن هذا المنع هو "فصل من السلوك العدواني تجاه الثقافة المغربية والمثقفين والجمعيات، ولهذا نخبرهم بأننا في وطننا الواحد نحيا بلا أسوار ولا رهبة ولا مركّب نقص، ونمارس الفعل الثقافي النبيل بلا وصاية أو تعليمات، ورؤوسنا عالية تلامس السماء، وتعبّر عن وجودنا بمشاعر واضحة وصفاء، وعقل يصارع القمع والمنع والعسف من أجل مغرب ديمقراطي يسوده الأمن الثقافي والاطمئنان العام".
وعن مقارنة هذه المبادرة بسابقتها في عام 2010، يقول حليفي إنها مبادرة مغايرة ينخرط فيها جيل جديد من الشباب المثقفين، الذين يقطعون مع الأساليب التقليدية في تدبير الشأن الثقافي، ويطالبون بوضع إستراتيجية حقيقية للفعل الثقافي في المغرب، ويرى فيها "اختباراً جديداً للثقافة المغربية، للتعبير عن حضورها بكل الأشكال الممكنة دفاعاً عن المجتمع في سيرورته وتحولاته وما ينتجه من تمثيلات تتشابك مع الإنتاج الأدبي والفني والفكري، وكافة التعبيرات الأخرى غير المصنفة، إذ تلتقي أصوات عموم المغاربة، بأصوات أجيال من المثقفين الممتلئين أملاً ومناعةً من وحشية الاستسلام ووجوهه المتبدلة".
عبّروا في وقفات احتجاجية عن مناهضتهم للتوحش وتغوّل لوبي الاقتصاد في المغرب، وإجهازه على صوت المثقف وتغييبه بشكل مريع في السنوات العشر الأخيرة، فيما تم منع الاجتماع المركزي الكبير في الدار البيضاء
وقد اتخذت اللقاءات التي شهدتها القرى والمدن الـ49 في المغرب، التي ساهمت في هذه المبادرة التي تُعدّ سابقةً في البلاد بالنظر إلى امتدادها وابتعادها عن الإطارات الثقافية المتهالكة التي تحاول إعادة بناء نفسها من جديد، شكل الحوار بين الفاعلين في المجال الثقافي والمجتمعي، من أجل البحث عن السبل المثلى لمقاومة القبح والتوحش المستشري في المجتمع بكل أشكاله البائسة، إذ خلص المشاركون في هذه اللقاءات إلى مقترحات والتزامات أساسية تضع المثقفين في صف "الثقافة المضادة"، ومع المجتمع بوعي اندماجي، وتدعو المسؤولين الحكوميين إلى الحد من آثار السنوات العشر العجاف، وإعطاء مؤشرات عملية لانطلاقة جديدة، ودعوة أخرى للمغاربة، على اختلاف مسؤولياتهم، إلى تمثل هويتهم التي يمكن أن تكون إرادةً حقيقيةً للتغيير والتأسيس لهويتنا وأمننا الثقافيين.
احترام العمق الثقافي
وأجمل المشاركون تلك المقترحات في عشرة عناصر أساسية هي، أولاً: دعوة وزارة الثقافة المغربية إلى احترام العمق الثقافي وتنوعه والاهتمام بالمبادرات الشبابية مع الانفتاح على الهوامش. وثانياً: دعم البحث العلمي في مختلف التخصصات والميادين وتشجيع الابتكار العلمي والمعرفي وتحفيزه، وإصلاح جذري وشمولي للتعليم العمومي. ثالثاً: تطوير المنظومة الإعلامية نحو إعلام ثقافي تثقيفي، يعلي الذوق الثقافي، ويبرز كل مقومات الحضارة والثقافة الوطنية. رابعاً: سنّ سياسة ثقافية للبلاد، ملزمة لكل القطاعات الحكومية وغير الحكومية، بعد حوار وطني حقيقي شامل. خامساً: دعوة جميع المثقفين، إلى القيام بأدوارهم التاريخية في المجتمع. سادساً: مواصلة الدفاع عن القضايا الوطنية بروح ومسؤولية ونضج فكري تترجِم وعي المغاربة ومسؤوليتهم، ومناصرة القضايا العادلة للشعوب وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني المناضل ورفض مختلف مظاهر التطبيع مع مضطهديه. سابعاً: التعسف يطول الإنسان والعمران والذاكرة، ومن حق كل مواطن إيجاد عمل يسهم به في تقدم الوطن، ومن حق البيئة أن تحيا بلا إسراف في المواد الكيماوية. ومن حق جماليات المدن عمران يليق بالحياة. ثامناً: إنصاف مدن معلومة في كل جهات المغرب، استُنزفت من المعادن، ثم تُركت لمصيرها القاسي تموت يومياً وسط الخراب، من دون أن تجد من يفكر في بدائل اقتصادية تعيد الحياة بدورتها الطبيعية. تاسعاً: رفض تفكيك الطبقة الوسطى بتفقيرها وتهميشها، والزج بالطبقات الفقيرة إلى المجهول، مما وسّع من دائرة التوتر الاجتماعي والاحتقان الصامت. وعاشراً: تجاوز السياسات الترقيعية في المجالات الحيوية في المغرب واعتماد سياسات عمومية بحلول جذرية، وتخليق الحياة العامة ومحاربة مختلف أشكال الفساد، مع الدعم الفعلي والدائم للعمال والفلاحين والأسر المعوزة ورفع التهميش عن الفئات الهشة والفقيرة، ومعالجة الاختلالات الاجتماعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون