خلال الشهر الماضي، تنبّه متابعو الحرب في أوكرانيا إلى إطلاق رئيس جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، قناةً باللغة العربية على موقع "تلغرام"، في خطوة عدّها الباحثون محاولةً لجذب مقاتلين من منطقة الشرق الأوسط.
ليس هذا فحسب، إذ يظهر من خلال محتوى القناة أن قديروف يريد أن يقدّم نفسه إلى العرب على أنه النموذج السليم للجهاد، وهو خادم القرآن، ويتصدى للسلوكيات الغربية المحرّمة في الدين الإسلامي، مثل المثلية الجنسية، ويستخدم القناة في الحرب النفسية والإعلامية مع الغرب، إذ يبث مشاهد تظهر مدى تسليح قواته وتدريبهم وتديّنهم.
قناة عربية
وتشارك قوّات قديروف في الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد أعلن في 18 آذار/ مارس الماضي، عبر قناته الرئيسية على المنصة التي تضم أكثر من 1.4 مليون متابع، أن القناة الجديدة تحمل اسم "قديروف نيوز عربي".
تزامن إطلاق القناة الجديدة مع نشر وسائل إعلام غربية تقارير تفيد بأن روسيا ستنشر آلاف المقاتلين المتطوعين من الشرق الأوسط، خاصةً من سوريا
تزامن إطلاق القناة الجديدة مع نشر وسائل إعلام غربية تقارير تفيد بأن روسيا ستنشر آلاف المقاتلين المتطوعين من الشرق الأوسط، خاصةً من سوريا، لدعم قواتها. وعرّف الزعيم الشيشاني النشط على وسائل التواصل الاجتماعي، النافذة الجديدة بأنها مخصصة لتقديم تحديثات عن حياة قديروف للجمهور العربي.
ومنذ إطلاقها، قدمت القناة ترجمات لمنشورات مختارة من قناة قديروف الرئيسية، ويركز محتواها بشكل كبير على الحرب في أوكرانيا، وتضمنت العديد من المنشورات صوراً للقوات الشيشانية وهي تخوض معارك بالأسلحة النارية في مدينة ماريوبول، فضلاً عن قيامها بأعمال إنسانية.
تم تخصيص عدد كبير من المنشورات للتعبير عن "شجاعة وبطولة" المقاتلين الشيشان، الذين يتمتعون بسمعة مروعة على جبهات القتال في ما خص انتهاك حقوق الإنسان، بالإضافة إلى عرض عتادهم العسكري وقدراتهم في الحرب. وقال قديروف في أحد التعليقات إن "ملايين الناس حريصون على الدفاع عن المصالح العزيزة لروسيا والذهاب إلى أوكرانيا. ستتاح لهم هذه الفرصة إذا لزم الأمر".
ووصف قديروف نفسه في أول تعليقاته على القناة، بأنه "خادم للقرآن"، و نشر عدداً قليلاً من المنشورات المتعلقة بالدين ومقاطع فيديو له ولقواته في أوكرانيا وهو يصلي ويستمع إلى خطب دينية.
واستقطبت القناة حتى الآن أكثر من 14 ألف متابع يتفاعلون بانتظام مع المطبوعات المكتوبة باللغة العربية الفصحى. وفي 24 آذار/ مارس الماضي، نشرت القناة رسالةً قالت فيها إن متابعاً يتحدث العربية، أرسل شكراً للزعيم الشيشاني على "إحياء الجوهر الحقيقي للجهاد"، والذي قال إن الجماعات المتطرفة شوّهته.
وناقش عدد قليل من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب أسباب قرار قديروف فجأةً التواصل مع العالم العربي. وتكهن كثيرون بأن قديروف ربما يستعد لجذب مقاتلين سوريين وحشدهم للمشاركة في المعارك في أوكرانيا، أو بأنه قد يحاول تعزيز العلاقات مع الدول العربية.
حشد المقاتلين العرب
وقال الباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمنية، فراس الياس، لرصيف22، إن "الهدف هو تحقيق أكبر قدر من التأثير والوصول إلى إنجاح تكتيك جديد بدأت تعتمده روسيا في التوجه نحو المقاتلين العرب، وتحديداً الذين يشبهون القوات الشيشانية من حيث الفكر والتعاطف الديني، من أجل خلق فكر نوعي تواجه به الحركات اليسارية والقومية الأوكرانية المتشددة".
نشرت القناة رسالةً قالت فيها إن متابعاً يتحدث العربية، أرسل شكراً للزعيم الشيشاني على "إحياء الجوهر الحقيقي للجهاد"، والذي قال إن الجماعات المتطرفة شوّهته
برأي الياس، الذي تابع لفترة طويلة الجماعات المسلحة في العراق ونشاطها على تلغرام، أن "ما لا شك فيه، أن قديروف يدرك تماماً أهمية هذه القناة في حشد مزيد من الدعم العسكري والمعنوي له، وسعيه إلى جعل هذه القناة وسيلةً للتواصل مع المقاتلين العرب، الذين يترددون في القتال إلى جانب القوات الروسية، فضلاً عن جعلها وسيلةً لتحييد المقاتلين العرب الذي يريدون القتال إلى جانب القوات الأوكرانية، وبذلك يكون قد حقق أكثر من هدف في آن واحد، في ظل حرب المعلومات التي تواجهها روسيا اليوم".
ولفت الباحث العراقي إلى أن التقييد الإعلامي الذي تواجهه روسيا اليوم بسبب حربها في أوكرانيا، جعلها تولي تطبيق تلغرام أهميةً كبيرةً، إذ لا يقتصر الأمر على قديروف فحسب، وإنما نجحت روسيا في الآونة الأخيرة في فتح ما يقارب الألف حساب على التطبيق، والهدف من ذلك الحصول على المعلومات الاستخبارية من داخل أوكرانيا، وتجنيد المقاتلين الأجانب، والتوجه بالخطاب الروسي نحو الخارج بأكثر من لغة، وهو ما تجسده خطوة قديروف الأخيرة.
بروباغندا مدروسة
روّج قديروف لقناة أخرى أُطلقت حديثاً تُسمّى "Chechen News Arabia"، قال إنها مخصصة للأخبار العربية حول الجمهورية التي تتمتع بحكم ذاتي في روسيا والواقعة في شمال القوقاز.
تركّز القناة، التي تم إطلاقها في 28 شباط/ فبراير الماضي، بعد أيام قليلة من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، على تقديم تحديثات سياسية على وسائل التواصل الاجتماعي ذات صلة بالحرب ومؤيدة لموسكو.
ومن الأمثلة التي تعكس محتوى القناة، ملصق يسلّط الضوء على الإرث اليهودي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ودعمه إسرائيل في محاولة لإثارة الكراهية ضد أوكرانيا، وفي مقطع فيديو تضمّن ترجمات عربيةً، سخرت امرأة شيشانية من سلسلة مطاعم وجبات سريعة أمريكية لانسحابها من روسيا، متفاخرةً بأن الطعام "الصحي" هو فقط الذي يتم تناوله في بلدها.
يحاول قديروف الوصول إلى المقاتلين العرب لتوظيفهم في مسعاه لمؤازرة "معلّمه" فلاديمير بوتين، مصوراً نفسه على أنه "خادم القرآن" و"نموذج الجهاد غير المشوّه"، من دون أن يُسقط من حساباته استثمار صورته عربياً في وقت لاحق
وقال مقطع فيديو آخر، إن الغرب أراد نشر "قذارة" حقوق المثليين في روسيا، ووضع صوراً لأشخاص يرتدون أزياءً جنسيةً صريحةً في تجمع للمثليين.
من جانبه، قال المحلل السياسي الروسي دنيس كوركودينوف، إن "الوحدات العسكرية الشيشانية هي العناصر الأكثر استعداداً ونخبويةً في الجيش الروسي لإنجاز المهام القتالية الموكلة إليها، والتي لها أهمية قصوى لمصالح الكرملين".
وأضاف لرصيف22: "يُطلَق على الشيشان تحت حكم رمضان قديروف، عن جدارة، لقب ‘جنود مشاة فلاديمير بوتين‘، لأنهم ينفذون الإرادة المباشرة للزعيم الروسي للحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة. وأي تهديد ضد الوحدات العسكرية الشيشانية هو تهديد شخصي لرئيس روسيا".
سلاح نفسي
حلل الباحث في مركز ويلسون الأمريكي، كميل غالييف، الفيديوهات التي يتم نشرها على قنوات قديروف، سواء العربية أو الروسية أو الإنكليزية، مشيراً إلى أنها نوع من العلاقات العامة أو سلاح نفسي".
وفي سلسلة تغريدات، قال غالييف: "عندما تنظر إلى قوات قديروف في أوكرانيا، يمكنك أن ترى مدى نظافتها، ومدى نضارتها، وعدم تعبها على الإطلاق. إنهم مثقلون بالمعدات بشكل كبير. لماذا؟ لأن هذا نوع من العلاقات العامة لإظهار الرعب لدى الخصم وفي الحقيقة لا يخوضون قتالاً. إنهم كالشرطة ويقومون بوظائف كتعذيب واستجوابات ويحافظون على السيطرة وليس القتال".
وتداول الناشطون على موقع تويتر، فيديو دلّل به الباحث على كلامه، يُظهر أحد جنود قديروف وهو يستجوب أسيراً أوكرانياً ويجبره على ترديد اسم أحمد والد رمضان قديروف.
الوحدات العسكرية الشيشانية هي العناصر الأكثر استعداداً ونخبويةً في الجيش الروسي لإنجاز المهام القتالية الموكلة إليها، والتي لها أهمية قصوى لمصالح الكرملين
ويختلف مظهر قوات قديروف عن المجاهدين الشيشان في حرب الشيشان الأولى، وهناك فرق واضح رصده الباحثون، سواء في الملابس الخفيفة لهؤلاء المقاتلين الأوائل ومعداتهم التي كانت أقل، كما أن مظهرهم قذر للغاية من القتال، على عكس قوات قديروف المتلألئة من النظافة واللحى والشوارب المهذبة.
وأشار الباحث إلى روايات صحافيين روس قالوا إن مقاتلي قاديروف لم يدخلوا المعارك في ماريوبول الشيشان.
حرص مقاتلو قاديروف أيضاً على نشر فيديوهات مصحوبة بأغانٍ دينية باللغة العربية، تظهر توزيع مساعدات إنسانية على المدنيين في ماريوبول أو يتبارزون على أنغام مسلسل "قيامة أرطغرل" التركي الذي حظي بشعبية كبيرة في العالم العربي.
وفي تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قالت إن الصور التي تبثها القنوات الدعائية الروسية عن وجود جنود من الشيشان في أوكرانيا هدفه استعمالها كسلاح نفسي ضد الأوكرانيين.
وذكرت المجلة أن صوراً تم تداولها على نطاق واسع تظهر تسليم العشرات من القوات الخاصة الشيشانية أوراق لعب تحمل أسماء الأهداف المقصودة وصورها، لإخافة الأوكرانيين.
ليس هذا فحسب، بل زعمت الدعاية الروسية وشبكة قنوات تلغرام الموالية للكرملين، والتي تم استخدامها لضخ معلوماتهم عن الحرب، أنه في أي مكان هناك ما بين 10 آلاف و 70 ألف مقاتل شيشاني، وصفهم قديروف بـ"المتطوعين".
وقال جان فرانسوا راتيل، الأستاذ في جامعة أوتاوا والخبير في شؤون روسيا والقوقاز، لفورين بوليسي، إن هذا ليس من قبيل الصدفة، لأن "العملية النفسية تهدف إلى جعل الناس يعتقدون أن ما حدث في الشيشان سيحدث في أوكرانيا، وإنهم سينتصرون وينهبون ويغتصبون ويقتلون".
تبادل الأدوار
انتشرت العديد من الفيديوهات للمقاتلين الشيشانيين الذين أتوا لقتال الروس والدفاع عن العاصمة كييف، وكانوا يهتفون "الله أكبر"
وبرأي كوركودينوف، فإن "الغرب بات يخاف من الشيشان، لأنهم محاربون ممتازون لا يرحمون مع أعدائهم، ومنصفون لأصدقائهم، والعلاقة التي لا تنفصم بين قديروف وفلاديمير بوتين، تخلق لهم صورة قوة لا تُقهر، وبفضلها (الصورة) لا تزال روسيا قائمةً".
في المقابل، يبدو أن الجانب الأوكراني يستخدم السلاح ذاته، إذ ألقى أحمد زكاييف، الذي يقود الحكومة الشيشانية الانفصالية في المنفى، بياناً مع اندلاع الحرب، أعلن فيه عزمه تشكيل مفارز تطوعيةً من الشيشان الذين يعيشون في الخارج، للقتال إلى جانب الحكومة الأوكرانية، وفقاً لمقطع فيديو نشره موقع إجازيت الإخباري.
تشير التقديرات إلى أن هناك نحو 150 ألف شيشاني يعيشون في أوروبا، لكن فرنسوا راتيل، قال إن دعم زكاييف المعلن لكييف قد لا يعني الكثير بسبب نفوذه المحدود في الشتات.
وانتشرت العديد من الفيديوهات للمقاتلين الشيشانيين الذين أتوا لقتال الروس والدفاع عن العاصمة كييف، وكانوا يهتفون "الله أكبر"، وقد تم تداول الفيديوهات على نطاق واسع في مشهد على ما يبدو أيضاً أنه يتم استخدامه كسلاح مضاد في الحرب النفسية ضد الروس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...