في الوقت الذي يحتفل فيه المصريون بحلول شهر رمضان الكريم، تعيش أسر كثيرة حالة من القلق بسبب دخول أبنائها من المعتقلين أو المحبوسين على ذمة قضايا سياسية إضراباً مفتوحاً عن الطعام داخل السجون بسبب سوء أوضاعهم وما يشكونه من تكرار الاعتداء عليهم وانتهاك حقوقهم الأساسية التي يكفلها لهم قانون السجون ولائحة السجون المعتمدة في مصر.
وشهدت السجون خلال الأسابيع الأخيرة ثلاث موجات من الإضراب، بدأت الأولى قبل نحو 50 يوماً، وتلتها الثانية قبل أسبوع، أما الثالثة وهي الأحدث فبطلها المعروف حتى الآن معتقل وحيد هو المبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، الذي بدأ إضرابه المفتوح عن الطعام أول أيام شهر رمضان، حسبما أعلنت شقيقته الباحثة منى سيف بعد زيارتها له، الثلاثاء 5 أبريل/ نيسان الجاري.
الموجة الأولى
في سجن عنبر المزرعة بمجمع سجون طره، بدأ الطبيب وليد شوقي وعبد الرحمن طارق المعروف بـ "موكا"، وأحمد ماهر "ريجو" ضمن مجموعة ضمت 12 معتقلاً في فبراير/ شباط الماضي، إضراباً عن الطعام، اعتراضاً على استمرار حبسهم الاحتياطي، وتدويرهم على ذمة قضايا جديدة بعد صدور قرارات تقضي بإخلاء سبيلهم.وتقول سارة طارق شقيقة موكا إن شقيقها أعلن الإضراب في فبراير/ شباط الماضي، بعد تدويره للمرة الثالثة عقب صدور قرار بإخلاء سبيله. ولا يزال موكا حبيساً رغم تجاوزه الحد الأقصى للحبس الاحتياطي من دون محاكمة، وهي المدة التي زادت بموجب قرار رئاسي لتصل إلى عامين.
بحسب تقارير حقوقية محلية ودولية، دأبت السلطات المصرية منذ العام 2013 على استخدام آلية الحبس الاحتياطي لضمان سجن معارضيها لمدد غير محدودة من دون إخضاعهم لمحاكمات جادة
وبحسب تقارير حقوقية محلية ودولية، دأبت السلطات المصرية منذ العام 2013 على استخدام آلية الحبس الاحتياطي لضمان سجن معارضيها لمدد غير محدودة من دون إخضاعهم لمحاكمات جادة، مكتفية بالتقارير الأمنية لتمديد حبس من كان لهم نشاط سياسي أو أعلنوا آراء ترى السلطات أنها مُقلقة وتحريضية. كما تستخدم السلطات عملية "التدوير"، أي توجيه نفس الاتهامات إلى المعتقلين الذين قضوا الحد الأقصى الذي يسمح به القانون من الحبس الاحتياطي، وذلك بقيدهم على قضايا جديدة بأرقام قيد مختلفة، ما يسمح بتمديد حبسهم من دون محاكمة سنوات أخرى. وأحياناً تقوم السلطات بعملية التدوير إذا ما صدر قرار قضائي بإخلاء سبيل أحد المعارضين المحبوسين، إما لانقضاء أمد الحبس الاحتياطي المسموح به قانوناً، أو لأن القاضي يرى أن لا أدلة جادة تبرر بقاءه قيد الحبس والتحقيق.
وألقي القبض على "موكا" في سبتمبر/ أيلول 2019، بعد عام واحد من إنهائه ست سنوات في السجن بتهم مختلفة، ليستمر حبسه منذ ذلك الحين.
وتضيف سارة أن شقيقها يرفض الزيارة، ولا تعرف أسرته وضعه الصحي وسط مخاوف من تدهور صحته بسبب إضرابه المستمر - منذ خمسين يوماً، والمتكرر إذ سبق لشقيقها الإضراب أكثر من مرة.
أما وليد شوقي، طبيب الأسنان الذي ألقي القبض عليه بعيادته في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، فقد أعلن في 8 مارس/ آذار الماضي فك الإضراب خوفاً على حياته، فيما تعرض أحمد ماهر "ريجو" المعتقل منذ مايو/ أيار 2020 لاعتداءات بعد وضعه في زنزانة تضم سجناء يعتنقون أفكاراً تكفيرية، وتم "تغريبه" ونقله إلى سجن القناطر. وكان الثلاثة قد بدأوا إضراباً عن الطعام مطالبين بتقديمهم إلى المحاكمة ومواجهتهم بالأدلة على الاتهامات الموجهة إليهم وإنهاء الحبس الاحتياطي الممتد.
أعلن أحمد دومة وتلاه علاء عبدالفتاح إضرابهما عن الطعام، احتجاجاً على حرمانهما من حقوقهما الأساسية المنصوص عليها في اللائحة التفسيرية للقانون المعمول به في السجون المصرية
الموجة الثانية
في نهاية مارس/ آذار الماضي، أعلن المعتقل أحمد دومة الإضراب عن الطعام احتجاجاً على التضييق الذي يمارس ضده، إذ يستمر حبسه الانفرادي منذ ثماني سنوات، كما يعاني حرمانه من الرعاية الطبية، وهو يحتاج إلى عملية استبدال مفصل الركبة بعد تآكل المفصل، ومنع أدوية الاكتئاب ومذيبات الجلطات التي يحتاجها، بالإضافة إلى الاستجابة لمطالبه بتغيير الزنزانة وزيادة ساعات التريض والتعرض للشمس، أو دخول وسائل التسلية مثل الكتب والمجلات أو شاشة تلفزيون، وهي الحقوق التي تنص عليها لائحة السجون، ولكن إدارة السجن ترفض السماح بها.و يقضي دومة حكماً بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً على خلفية أحداث مجلس الوزراء.
وينقل مصدر مطلع رفض ذكر اسمه أنه مع إعلان دومة الإضراب عن الطعام، "فوجئ بافتعال مشكلة معه من أحد المخبرين في السجن، فقام باخطار مأمور السجن بالإضراب عن الطعام والشراب والمحاليل، فتم اقتياده إلى مفتش مباحث السجن الذي اعتدى عليه، ونقله لسجن المزرعة".
وتضامناً مع دومة أعلن عدد من المعتقلين الإضراب عن الطعام، منهم المحامي المصري زياد العليمي الذي يقضي حكماً بالحبس لمدة خمس سنوات بتهم عدة، منها "الإيحاء بنشر الرعب في قلوب المواطنين"، وطالب الماجستير أحمد سنطاوي الذي يقضي حكماً بالحبس أربع سنوات على خلفية نشر أخبار زائفة حول جائحة كورونا.
من جانبها، أوضحت الصحافية إكرام يوسف والدة المحامي والبرلماني السابق زياد العليمي، أن ابنها حين علم بالاعتداء الأول على أحمد دومة، هدد بالدخول في إضراب عن الطعام في حال تعرض أي معتقل سياسي داخل السجن لاعتداء، وحين أعلن دومة الاعتداء عليه مرة أخرى، أبلغ زياد إدارة السجن بدخوله في إضراب عن الطعام، مما دفع بها إلى إبلاغه بأن في حال استمراره سيُنقل إلى سجن طره، وهو ما اعتبره تهديداً، إلا أنه عرف بعد نقله أن النقل جاء تنفيذاً للوائح السجن التي تقضي بعزله ونقله إلى سجن يضم مستشفى.
وأضافت يوسف أن ابنها فك الإضراب بعد عدة أيام عقب الوصول لتسوية مع إدارة السجن لا تعرف بنودها.
وحسب صفحة "أحمد دومة"، فقد فك زياد وسنطاوي ودومة إضرابهم عن الطعام بعد تحسن نسبي في أوضاعهم.
علاء وحيداً
ورغم انتهاء إضراب عدد من المعتقلين، دخل الناشط والمدون علاء عبد الفتاح إضراباً عن الطعام أول أيام رمضان بحسب ما أعلنت شقيقته أمس الثلاثاء.وقالت منى سيف في منشور لها عبر فيسبوك إن علاء أعلن الإضراب عن الطعام منذ بداية شهر رمضان يوم السبت 2 أبريل / نيسان.
وأوضحت أنها رأت شقيقها خلال الزيارة غاضباً، لكنها تثق أن قراره "محسوب ومفهوم" في نظرها وإن كان مؤلماً، مبينة أن المبرمج الشاب "لا يرى جدوى من تحمله الأوضاع البشعة التي يعيشها إثر حرمانه من مساحة أمان ليرى ابنه خالد، واختزال كل عقله وأفكاره ومشاعره، وتحويله لجسد مغلق عليه في زنزانة مع اثنين من زملائه، ومطلوب منه الحفاظ على سلامته الجسدية فقط لأجل غير مسمى".
وتابعت منى: "ما رأيته هو انسان غاضب قرر خوض معركته بنفسه أمام سلطة تحاول بكل الطرق الملتوية أن تقضي عليه"، وكانت قد رأت شقيقها ينفض عنه الحالة التي سيطرت عليه منذ شهور، إذ يقيم في سجن شديد الحراسة 2، في زنزانة بلا تريض أو كتب، بموجب حكم بالحبس لمدة خمس سنوات من محكمة أمن الدولة "طورائ" غير متاح نقضه، "ومحكمة لم تُقِم حتى مراسم محاكمة ومرافعة"، وذلك بعد قضائه حكماً بالسجن خمس سنوات سابقة، وبعد عامين قيد الحبس الاحتياطي. "ووسط كل هذه الظروف، فإن الطريقة الوحيدة المتاحة للمقاومة له هي إضرابه عن الطعام بشكل كلي".
وأعلنت منى دعم أسرته له في معركته، مشيرة إلى أن شقيقها طلب عدة اجراءات قانونية تقوم الأسرة بترتيبها الآن مع المحامين. ضمن هذه الإجراءات ما أعلنه المحامي خالد علي عن تقديم مكتب "دفاع"، الموكل عن علاء عبد الفتاح بلاغاً للنائب العام رقمه 16270 لسنة 2022 عرائض النائب العام. وجاء في بيان خالد علي: "حيث أعلنت أسرته بعد زيارته بالأمس أنه مضرب عن الطعام منذ أول يوم رمضان ورفض استلام المأكولات التي كانت بالزيارة، وطلبنا بالبلاغ الاستماع لأقواله كمبلغ، وتوفير الرعاية الطبية له وتقديم تقارير دورية للنيابة عن حالته الصحية أثناء الإضراب".
"جبنا آخرنا"
ويخوض المعتقلون السياسيون في مصر إضرابات متكررة عن الطعام، لأسباب مختلفة على رأسها المطالبة بتحسين أوضاعهم. وأشهر هذه الإضرابات كان عام 2014، الذي حمل شعار "جبنا آخرنا"، وشارك بها معتقلون كثيرون، منهم المفرج عنه محمد سلطان، وعبد الرحمن موكا الذي كان مسجوناً وقتذاك من دون محاكمة، والمحامية المصرية ماهينور المصري والمعتقلان أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح.وتحولت حملة الإضراب إلى هاشتاغ للتدوين عن المعتقلين بنفس شعار الحملة، بالإضافة إلى حملة فعاليات نظمتها حركة 6 أبريل.
وأسفر الإضراب عن الإفراج عن عدد من المعتقلين الذين حبسوا على خلفية أحداث مجلس الشورى.
لائحة السجون
في سياق متصل قال المحامي أحمد الجدامي إن في لائحة السجون العديد من المواد التي تضمن حقوق السجناء لكنها غير مفعلة، منها المادة 43 التي نصت في فقرتها الخامسة على أن الحبس الاحتياطي لا يزيد عن 30 يوماً، كما تنص المادة الثامنة على ضوابط استخدام العنف مع السجناء التي تمنع ذلك إلا في حالات تشكيلهم خطراً أو ادى محاولات الهروب، وبضوابط محددة.وأضاف الجدامي أن المادة 30 تعطي الحق للمسجون في الحصول على الكتب والصحف والمجلات على على نفقته الخاصة، بالإضافة إلى تمكينه من مكتبة السجن، "وتتعمد بعض إدارات السجون حرمان النزلاء، خاصة السياسيين منهم من هذا الحق". كما تنص المادة 37 على الحق في الرعاية الطبية، وإخطار الأهل في حالة المرض الشديد والسماح لهم بالزيارة.
وأوضح الجدامي أن ضمن الحقوق التي منحتها اللائحة للمسجون، في التعديل الذي تم على المادة 38 عام 2015، حق المسجون التواصل تليفونياً مع أهله على حسابه الخاص، "إلا أن هذه المادة لم تُفعَّل إلى الآن".
وتواصل رصيف22 مع المحامين الموكلين عن السجناء المضربين، إلا أنهم رفضوا التعليق على الوضع الحالي لموكليهم من دون تصريح من المضربين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.