حياكة الكلام
جسد المرأة لأول مرة
لم تكن فكرة شراء شاعر أو فنان أو إله فكرةً مبتكرة قدر ما كانت طريفةً إلى حدٍ كبير، فقد خطرت اللفتة ذاتها ببالي أيام طفولتي مراراً، ولا أقول هذا لنزع الأحقية من ألفونسو كروش بالطبع، فالرواية على أية حال إعادة خلق لأفكار الطفولة وهواجسها برؤية معاصرة.
طفولة المرء هي عصره الذهبي لكنها عصر صدماته و إخفاقاته أيضاً، بمعنى أنها عصره الجليدي و الحجري أيضاً .
و بالحديث نيابة عن نفسي، أدعي أنني تعرفت على الرب بصورته الموروثة وأنا طفل في الابتدائية، ولم يحدث ذلك في البيت، إنما في المدرسة.
لحظتئذ بدت معلمة التربية الإسلامية أكثر اتزاناً وهي تشرح لنا الفكرة ببساطة :
ثمة إله عظيم رفع السماء دون عمد، وهو يتطلع لنا من هناك، في الأفق الذي نراه صافياً، وهذا الإله الخارق لا يمكن أن نلمسه أو نسمعه، لكننا نتحسس آثاره نعمه أو عقوباته.
أيامها كانت الحرب الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين على الأبواب، وكان العراق أحد دول "محور الشر"، حسب تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش آنذاك، وبالمقابل، ظهرَ صدام أكثر إيماناً بالله من ذي قبل، فصارت صورته وهو يصلي راسخة في الذهن أشد مما مضى، ازداد التساؤل حول الإله في ذهني، وجاءت الحرب كرهان على وجوده وقدرته: هل سيقف الله معنا أو مع الأمريكان؟
سألت أبي الذي كان يمقت صدام بشدة: هل سيقف الله معنا أم مع الأميركان؟ فأجاب بأنه سيقف معنا لأجل الإمام علي فحسب... مجاز في رصيف22
سألت أبي الذي كان يمقت صدام بشدة، فأجاب بأنه سيقف معنا لأجل الإمام علي فحسب، وكانت تلك عقيدة لا تتزعزع عنده، إذا دخل الجنود الأمريكان لضريح أمير المؤمنين علي، فقد يظهر الإمام الغائب وتقوم القيامة بعد ذلك بقليل.
عدم وجود آلهة أخرى
لم أحبذ مواجهة أبي بما أفكر به، ففضلتُ أن أسأل معلمتي في فرصة الدرس وبالفعل تقدمتُ لها بخجل، وطلبت منها بخفوت أن تسمع ما أفكر به، وإذا قبلت ذلك مني، بدأت بطرح فكرتي مباشرة بسؤال صادم لها :
هل هناك إله واحد أو أكثر من إله؟
أجابت: إله واحد.
علقتُ: كيف نتأكد من عدم وجود آلهة أخرى؟
سكتت ثم ردت: هذا ليس سؤالاً. هذا وسواس شيطاني عليك التخلص منه بالذكر و الصلاة. ربتت بعد ذلك على رأسي و طلبت مني الاهتمام بدروسي فقط.
إلهي الزجاجي العزيز
بعد سنوات من النسيان والاعتياد واللامبالاة، فكرت بأن أتعامل مع الأمر بصبيانية. أن اشتري إلهاً للتسلية والمرح، أليس غاية الإله إسعادنا؟!
بدت الفكرة لامعة و مريحة و مقبولة ساعة ما عرضتها على أخي الصغير، وقد اتفقنا أن يشتري كل واحد منا إلهاً خاصاً به، وعندما طلب مني أن أساعده باختيار إلهه أيضاً، أجبتُ: ليس من اللائق أن يجيء إله أحدنا على ذوق الآخر .
اتفقنا أنا وأخي أن يشتري كل واحد منا إلهاً خاصاً به، وعندما طلب مني أن أساعده باختيار إلهه أيضاً، أجبتُ: ليس من اللائق أن يجيء إله أحدنا على ذوق الآخر ... مجاز في رصيف22
بعد أن جمعنا بعض الدنانير، قررت أن أشتري بلبلا زجاجياً. أعجبني لونه وقرر أخي أن يشتري قلادة. ثمة اختلاف بين الإلهين بالطبع، لكنّ درجةَ عنايتنا بهما كانت متقاربة، إذ أخفى أخي إلهه تحت رقبته، ورحت أحافظ على إلهي من أن يخدش.
الآلهة لا تشترى
في عراك مفاجئ بيني وبين أخي وصل الأمر إلى التهديد بكسر إلهي، ورحت بدوري أهدده بقطع إلهه ثم تفتيته. اشتد صراخنا واشتبكنا بالأيدي، حتى تدخلت أمي غاضبة بشدة هذه المرة، نال كل واحد منا حصته من التأديب، وبعد أن هدأت من روعنا، سألتنا عن سبب عراكنا فقلت لها: إنه يريد كسر إلهي.
- إلهك؟
- أقصد بلبلي الزجاجي.
فيما ردّ هو على الفور: وأنت تريد قطع إلهي.
أجابتنا أمي دون أن تأخذ النزاع على محمل الجد: أنتما أهم مما تتقاتلان من أجله، والإله أعظم من ذلك التخريف.
و لكي تنهي خلافنا، طلبت أن يعبد كلانا الإله نفسه، الإله الذي لا يرى، لا يوصف ولا نسمع صوته. كانت تقصد الإله الذي تعبده المعلمة بالطبع.
سكت أخي، لكني سألتها: كيف سأعبد الإله الذي لا أخاف عليه من أن يخدش أو يكسر؟
ساد صمت طويل لم أتذكر جوابها بعده، لكن الرهان جاء مفاجئاً: خسر صدام الحرب، دخل الجنود الأمريكان النجف الأشرف، ولم يظهر المهدي، ولم تقم القيامة حتى الآن!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 19 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 19 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت