رحلت المطربة نورهان عن عالمنا نهاية شباط/فبراير الماضي عن عمر يناهز المائة، دخلت نورهان عالم الفن من بوابة السينما تحت اسمها الفني المكوَّن من "نور" نسبة إلى المطربة نور الهدى و"هان" نسبة إلى الشِق الثاني من المطربة أسمهان. بدأت حياتها الفنية بترديد الأغنيات في التجمعات النسائية للصديقات والعائلة؛ خصوصاً طقطوقة "اللي حبِّك يا هناه" لأم كلثوم، وهي من كلمات أحمد رامي وألحان زكريا أحمد. قبل أن تشارك في أدوار هامشية عدّة في السينما؛ رغبة منها في إعانة زوجها لتربية ابنهما زياد، قبل أن تحترف الفن والتمثيل وتبدأ رحلتها الفنية الفعلية.
البدايات
ولدت نورهان واسمها الحقيقي "خيريّة جركس" في العام 1922 في دمشق، لأبوين من أصل شركسي؛ هما علي ومريم. وهي مسجلة في نفوس القنيطرة التي كانت ضيعة تضم أغلبية شركسية في منطقة الجولان. تزوجت في سن الرابعة عشرة من قاسم قاسم، وهو مُدرِّس ومترجم لبناني أتقن 11 لغة. شجعته زوجته على مواصلة مسيرته المهنية عبر الحصول على منحة لدراسة الأدب الإنجليزي في القاهرة.
نورهان الاسم الفني لـ"خيرية جركس"، المكوَّن من "نور" نسبة إلى المطربة نور الهدى و"هان" نسبة إلى الشِق الثاني من اسم المطربة أسمهان
تعرفت نورهان في القاهرة على الوسط الفني، وبدأت مسيرتها ككومبارس في السينما من خلال أفلام فريد الأطرش، قبل أن تمثل ثلاثة أفلام هي "الخير والشر" (1946) إخراج حسن حلمي، و"ابن الشرق" (1946) إخراج إبراهيم حلمي، و"ليلى في العراق" (1949) إخراج أحمد كامل مرسي. خلال تصويرها فيلم "الخير والشر" تعرفت إلى زوجها الثاني محمد سلمان، قبل أن يتم الزواج بينهما لاحقاً ويستمر لمدة خمس سنوات.
في كتاب "نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية" يشير المؤرخ الفني اللبناني محمود الزيباوي، إلى أن الصحافة الفنية اهتمت بأخبار الثنائي الجديد نورهان وسلمان، وتابعت أخبارهما الفنية في نهاية الأربعينيات. منها أنهما عادا إلى بيروت وعملا في حلب ووقعا عقداً للعمل في صالة "كريستال" بإسطنبول. انتقلا بعدها إلى بغداد وزاولا نشاطهما الفني.
في مطلع العام 1951، عادت نورهان لتسجيل أغنيات جديدة لصالح الإذاعة اللبنانية التي انقطعت عنها طويلاً. من بيروت انتقلت إلى دمشق لتغني في "ملهى الكوكب" قبل أن تغني لاحقاً في كازينو "سان جيمس" في لبنان. عادت إلى القاهرة في خريف 1952 لتغني في كازينو "(أوبرا" لكنّها كانت ترفض العروض السينمائية؛ خوفاً من الوقوع في أخطاء التجارب السابقة.
غنت نورهان على المسارح وفي المحطات الإذاعية في لبنان وسوريا ومصر وتونس والعراق والكويت. تعاملت مع أبرز ملحني تلك الفترة؛ منهم محمد محسن "يام العيون الكحيلة"، وفيلمون وهبي "هجرني وراح"، وسليم الحلو "اشتقنا والله اشتقنا"، ومحمد عبد الكريم ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب كما غنَّت الألوان الريفية التقليدية.
قررت نورهان الاعتزال مطلع الستينيات، خصوصاً بعد شعورها بالملل من الوسط الفني. وافتتحت صالوناً لتصفيف الشعر في منطقة عرنوس في دمشق، ثم انتقلت إلى بيروت مع نجلها
قامت حفيدتها المخرجة مي قاسم بتوثيق رحلتها الفنية في فيلم تسجيلي بعنوان "نورهان، حلم طفلة" في العام 2016، والذي عُرض في مهرجانات دولية ومحلية ونال جوائز عدّة. وذلك بعد أن تعرفت للمرة الأولى عن نجومية جدتها بعد زيارة قامت بها إلى دمشق في منزل الفنان دريد لحَّام.
قرار الاعتزال
قررت نورهان الاعتزال مطلع الستينيات، خصوصاً بعد شعورها بالملل من الوسط الفني، وافتتحت صالوناً لتصفيف الشعر في منطقة عرنوس في دمشق. كانت ترغب أن يشتغل معها ابنها زياد، فأرسلته إلى فرنسا، حيث تدرَّب في تصفيف الشعر عند "لوريال" في باريس. بعد تجربته الفرنسية، قرر زياد أن يدخل الجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الاقتصاد. أغلقت نورهان "صالون نور" ورافقت نجلها إلى بيروت. بعد الدراسات الجامعية، توظف زياد لدى مكتب الأمم المتحدة في بيروت وتزوج زميلته فالمكتب فاطمة سبيتي، وعاشت نورهان معهما ومع أولادهما الثلاثة: هنا، مي ورمزي، في حياة هادئة.
خلال حياتها الفنية قدَّمت نورهان عشرات الحفلات على مسارح الشام ومصر وفلسطين، وكانت تطرب لها جماهير القاهرة عند غنائها أغنيات الفلكلور اللبنانية. جمعتها صداقات مع محمد عبد المطلب وبديعة مصابني وتحية كاريوكا ومحمد عبد الوهاب وآخرين. لعل أبرز تلك الصداقات مع محمد عبد الكريم الملقب بأمير البزق. وهذا ما جعل مجلة "الكواكب" تختارها عام 1953 لتجري معه حواراً في باب "سين وجيم".
يكفي هنا أن نتذكر ما كتبه عنها زوجها الثاني، المخرج والفنان اللبناني محمد سلمان، في مجلة الإذاعة عام 1952 – نقلاً عن كتاب نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية – بقوله: "إن نورهان لم تنل من الشهرة ما نالته بقية مطربات هذا البلد، ولكنّها مع ذلك، استطاعت أن تكون بين المطربات اللواتي يتمتعن بحب الجمهور وتقديره. وعيب واحد في نورهان يجعلها غير مرشحة للثراء في طريق الفن هو أنها تحب الكمال الفني أكثر من اللزوم، فهي لا تغني مثلاً إلا بصحبة فرقة موسيقية مؤلفة من أحسن العازفين، ولا تنشد سوى الأغاني دسمة اللحن والمعنى، وتصّر على أن تدفع كل المرتب الذي تتقاضاه ثمناً لفساتين جميلة أنيقة تظهر بها على المسرح".
لعبت نورهان دوراً مؤثراً في الحياة الفنية في بلاد الشام حتى منتصف القرن العشرين إلى جانب زميلاتها سواء في الإذاعة أو السينما قبل أن يلمع نجم فيروز في الأفق. وبرحيل نورهان نطوي معها صفحة تفيض بالحنين والذكريات إلى ما بات يُعرف بالزمن الجميل.
مصادر المقال: النصّ الذي كتبته حفيدتها المخرجة مي قاسم باللغة الإنجليزية وترجمه إلى اللغة العربية الباحث في أنثروبولوجيا الفنون أكريم الريِّس؛ وثائقي (نورهان، حلم طفلة)، 2016، من إعداد وإخراج مي قاسم؛ برنامج (ألحان زمان)، إعداد وتقديم: مروان أبو نصر الدين، إذاعة لبنان، حلقة خاصة عن نورهان، 22/3/2022؛ كتاب (نجمات الغناء في الأربعينات اللبنانية)، تأليف: محمود الزيباوي وأسعد مخول، (بيروت: جمعية عِرَب لحفظ التراث الموسيقي) بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون AFAC، 2017.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع