شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
وماذا لو لم تكن هناك معجزات للنبي محمد أصلاً... هل كنا سنكفر؟

وماذا لو لم تكن هناك معجزات للنبي محمد أصلاً... هل كنا سنكفر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 7 مارس 202204:52 م

كغيري من ملايين الطُلاب، درست وأنا صغير في المناهج التعليمية، أن هناك عنكبوتاً نسج خيوطه، وحمامتين وضعتا بيضهما، أمام غار حراء، كمعجزة إلهية دفعت المشركين إلى الإعراض عن مخبأ النبي الكريم محمد في أثناء هجرته، وتأكد ذلك بتجسيد المشهد سينمائياً في أكثر من عمل. لكن حين قرأت السيرة النبوية لابن هشام، لم أجد الواقعة على الرغم من بحثي عنها أملاً بتفاصيل أكثر. بالطبع شككت وقتها في ابن هشام، فليس من المعقول أن تكذب المناهج التعليمية. لاحقاً عرفت أنها كثيراً ما تكذب!

لكن بقدر صدمتي، كان أهم ما تعلمّته أن لكل قصة أكثر من وجه، وهو ما تأكدت منه حين قرأت بعض كتب التراث ورأيت اختلاف الصحابة حول الكثير من المعجزات، بين مؤيد ومنكر، ولم يطعن أحد في إيمانهم، بل إنني في أثناء مطالعتي للمرويات التي تنفي الكثير من المعجزات، لم أشك لحظةً في الإسلام وصدق نبوة النبي محمد، ففي النهاية لن يزيد إيماني مدى حقيقة أن هناك حجراً كان يسلم على الرسول قبل البعثة.

في أثناء مطالعتي للمرويات التي تنفي الكثير من المعجزات، لم أشك لحظةً في الإسلام وصدق نبوة النبي محمد، ففي النهاية لن يزيد إيماني مدى حقيقة أن هناك حجراً كان يسلم على الرسول قبل البعثة

أقول ذلك بمناسبة ما حدث مع الكاتب والإعلامي، إبراهيم عيسى، حين قال إن هناك روايات تنفي وقوع حادثة المعراج التي تشير إلى صعود النبي محمد إلى السماء، ولقائه بالأنبياء جميعاً، وبلوغه أقرب مكان إلى الله، كما أضاف عيسى أن كل ما حدث لا يصل إلينا، بل إن هناك شيوخاً "يفلترون" الأحداث، فما كان نصيبه سوى الهجوم عليه وتقديم بلاغات لإيقاف برنامجه واتهامه من قِبل النائب مصطفى بكري بازدراء الأديان، ولم يفوّت الأزهر الفرصة، فرأى أن ذلك جهل "وغلوّ علماني".

لن أتوقف كثيراً عند الحديث عن واقعة المعراج، لأن البعض فعلياً اختلفوا على وقوعها، وآخرون اختلفوا على بعض تفاصيلها. ما شغلني هو سؤال: وماذا لو لم تحدث حادثة المعراج؟ بل ماذا لو لم تكن هناك معجزات للنبي محمد أصلاً، هل كنا سنكفر؟

هذا الطرح يستلزم أن يسأل المسلمون أنفسهم لماذا يؤمنون بالإسلام؟

هذا الطرح يستلزم أن يسأل المسلمون أنفسهم لماذا يؤمنون بالإسلام؟ كمسلم، أنا على يقين من أنه دين يستحق أن يؤمن الإنسان به، سواء لما دعا إليه من مكارم أخلاق أو لترسيخ مبادىء إنسانية مثل التكاتف والمساواة وعدم التمييز، بجانب أنه شريعة إلهية راعت النفس البشرية وتقلباتها، فسمحت لها بالكثير، وجعلت المغفرة ركناً أساسياً. فما الذي يمنعنا من اعتناق دعوة كتلك، أو أي دعوة أخرى تنادي بالمبادئ نفسها؟

النبي محمد أيضاً قائد يستحق أن نسير وراءه، سواء من الناحية الدينية كنبي اصطفاه الله لتبليغ دعوته وتحمّل في سبيل ذلك العناء لحياة أفضل للبشرية، كما فعل أنبياء الله جميعاً، أو من خلال الناحية التاريخية كونه قائداً مؤثراً في التاريخ الإنساني وصاحب بصمة مستمرة حتى الآن، بصرف النظر إن كان صاحب معجزات إلهية أو لا.

أما من يُعارضون تلك الوجهة، ويشترطون الإيمان بالمعجزات الإلهية كجزء من الغيبيات التي تحتويها أي عقيدة، فسؤالي لهم: أليس يكفي أننا نعبد ربّاً لم نرَه، ونؤمن بنبي لم نعاصره ونقرأ كتابه المقدس ولم نشهد نزول آياته، ناهيك عن الحساب والعقاب والجنة والنار وكل ما بعد الموت؟ نحن بالفعل نؤمن بغيبيات كثيرة، لكن ليس معنى ذلك أن نسلّم عقولنا ونعتقد بأمور دنيوية مختلف عليها بين من عاصر النبي نفسه، ولم يحسم التاريخ أي وجهة أدق.

ثم على فرض أن تلك المعجزات الإلهية جميعها حدثت بالفعل، فعلينا أن نُدرك أنها وقعت لجعل "الكفار" يؤمنون بالنبي محمد، أي أنها دليل حسي لأناس لم يقتنعوا بالدعوة وأفكارها وما ترمي إليه، واحتاجوا إلى برهان عملي خارج عن المألوف، فلماذا كل هذا "الحزق" لنتساوى بـ"الكفار"؟ من المفترض أننا الأفضل لأننا اقتنعنا بأفكار لا بمعجزات، أم أننا كنا سنؤمن لو كانت الدعوة إلى مبادئ أخرى كالتمييز وسحق الآخر طالما أن المعجزات ثابتة؟

ثم على فرض أن تلك المعجزات الإلهية جميعها حدثت بالفعل، فعلينا أن نُدرك أنها وقعت لجعل "الكفار" يؤمنون بالنبي محمد، أي أنها دليل حسي لأناس لم يقتنعوا بالدعوة وأفكارها وما ترمي إليه، واحتاجوا إلى برهان عملي خارج عن المألوف، فلماذا كل هذا "الحزق" لنتساوى بـ"الكفار"؟

إن أكبر إهانة للدين الإسلامي تحدث من قِبل هؤلاء الذين يحاولون ملء أدمغتنا بأمور هامشية ثم يكبّرون تلك الأمور ويضخمّونها، ويرون أي مناقشة لها هدماً للدين أو تشكيكاً فيه، وكأن الإسلام يحتاج إلى دليل غير ما نزل به من مبادئ، وكأننا ضعفاء إلى هذا الحد الذي يجعلنا لا نملك سوى "خوارق" لنثبت بها أننا نتبع دعوةً إلهيةً كريمةً.

أخيراً، ذات يوم تناقشت حول الأحاديث المنسوبة للنبي والتي تصوّر حال أهل النار بأيادٍ يغطّيها النحاس، وآخرين يعلَّقون من شعورهم، ورأيت مُحدثي وهو يبذل مجهوداً ضخماً لإقناعي بذلك، فكان ردي: هل نخاف النار لأن أيادينا مغطاة بالنحاس، أم لأنها نار أصلاً؟ وهل نؤمن بالإسلام لمبادئه أو لمعجزاته؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image