شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تطبيع يحيي الرميم في السودان

تطبيع يحيي الرميم في السودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 6 مارس 202203:00 م

عادت سيرة اليهود في السودان، لتُفتح مجدداً، مع إبرام الحكومة السودانية اتفاق سلام مع نظيرتها الإسرائيلية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

وكالعادة، تجيء سيرة اليهود في السودان ضمن مستويات عدة، أرفعها بلا شك المستوى السياسي الذي يربط بين اليهودي والإسرائيلي في ظل تحرك السودان نحو التطبيع مع إسرائيل بعد عقودٍ من القطيعة.

لكن على الصعيد الاجتماعي، تتعالى أصوات مطالبة بالتمييز بين الدين اليهودي والدولة العبرية، ومرحّبة بعودة اليهود إلى السودان، وتمكينهم من استعادة أصولهم وممتلكاتهم في العاصمة الخرطوم، وفي بقية الولايات، مع السماح لهم بزيارة المناطق التي تُعدّ مقدسةً في الديانة اليهودية.

عادت سيرة اليهود في السودان، لتُفتح مجدداً، مع إبرام الحكومة السودانية اتفاق سلام مع نظيرتها الإسرائيلية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

رحلة يهود السودان

يعتقد البعض أن جبل الطور المقدس، هو جبل مرة الكائن في إقليم دارفور غرب السودان، فيما تذهب معظم الروايات إلى أن ملتقى النيلين في الخرطوم، هو مكان التقاء نبي الله موسى، مع الرجل الصالح، المعروف بالخضر.

وقد بدأ تشكّل الجالية اليهودية في السودان بشكل قوي، مع حملة محمد علي باشا لغزو السودان في 1821، وازدهر نشاطهم هناك لا سيما التجاري منه، خلال مرحلة الغزو الإنكليزي للسودان (1899-1956).

في المقابل، فإن حقبة الثورة المهدية ذات المرجعية الإسلامية، شهدت تنكيلاً باليهود، خاصةً بعد تحرير الخرطوم في 1885، مما دفع بكثيرين منهم لإعلان اعتناق الإسلام وقتذاك، هرباً من البطش.

لكن القهر لم يدُم، ليشهد منتصف القرن العشرين انفراجةً نجم عنها نشاط لافت لليهود في السودان، إذ سيطروا على بعض الأنشطة التجارية، مثل تجارة النسيج والخمور، وتمددوا بنشاطهم إلى خارج العاصمة، خاصةً إلى الولايتين، الشمالية وكردفان.

ومن الإشارات الطريفة التي أشار إليها المؤرخ، د. فتح العليم عبد الله، في حديثه إلى رصيف22، أن كثيراً من أشعار عصر الغناء الذهبي في السودان، المعروف بـ"الحقيبة"، جرى نظمه تغزلاً بيهوديات، كالأغنية الذائعة "زهرة روما".

يختتم عبد الله حديثه إلينا قائلاً: "انتكاسة اليهود في السودان أتت مع شروع الرئيس السابق، جعفر النميري، في سياسات التأميم الاقتصادي، وإعلان العمل بقوانين الشريعة الإسلامية؛ وهو ما حمل اليهود على الهجرة بشكل كبير، فيما توارى البقية منهم لعقود، قبل أن يطلّوا على السطح مجدداً في 2020".

إن حقبة الثورة المهدية ذات المرجعية الإسلامية، شهدت تنكيلاً باليهود، خاصةً بعد تحرير الخرطوم في 1885، مما دفع بكثيرين منهم لإعلان اعتناق الإسلام وقتذاك، هرباً من البطش

تطبيع يحيي المقابر

بعد عقودٍ من الإهمال، ها هي الحياة تدبّ مجدداً في مقابر اليهود في الخرطوم، عقب شروع جهات عدة في ترميمها بشكلٍ لائقٍ يتناسب مع نزوع الحكومة السودانية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد إبرام اتفاق السلام مع إسرائيل في 2020، وأعقبت ذلك بتوقيعها على الاتفاقات الإبراهيمية.

وتقع المقبرة اليهودية على مساحة 800 متر تقريباً في قلب العاصمة السودانية، وعلى مقربة من جسر الحرية الشهير، ضمن منطقة تضم سوقاً للعمال، ومحال لبيع معدات المباني، وورش صيانة السيارات.

داخل المقبرة المؤسَسة في القرن التاسع عشر، طُمست معظم شواهد القبور، المقدرة بنحو 60 قبراً، جرّاء الإهمال، وغياب من بقي من الجالية اليهودية أو انزوائهم، جراء حالة المعاداة التي كنّتها الحكومات السابقة لإسرائيل والصهيونية.

ويقول مؤرخون إن الدفن قد توقف كلّياً في المقبرة منذ حرب 1948، ويؤرخ آخرون الموعد باستقلال السودان عام 1956، بينما يذهب آخرون إلى القول إن مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم، هو موعد القطيعة التامة بين السودان واليهود.

بين الأمس واليوم

كانت مقابر اليهود في العقود السابقة، بشجيراتها النامية من دون تهذيب، وسورها المنخفض المقسَّم في تكوينه بين الطوب والحديد، مكاناً مفضلاً لأصحاب ورش السيارات لرمي مخلفات الزجاج، وأحياناً القمامة، فيما اتخذت بعض بائعات الشاي السور ذاته محلاً لتجارتهن، في وقتٍ عدّه فيه بعض العاملين والعابرين في المنطقة الصناعية، مكاناً للتبول في ظل أزمة المراحيض العامة التي تعاني منها العاصمة السودانية.

بيد أن المنظر حالياً، ينحو نحو التغيير بشكل جذري، فالمقبرة تبدو أكثر نظافةً، سواء من الداخل أو الخارج.

ابتدرت جمعية الصداقة الشعبية السودانية الإسرائيلية حملةً لنظافة المقبرة اليهودية في الخرطوم، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وذلك بالتزامن مع التقارب السياسي بين الخرطوم وتل ابيب.

ويقول مهيد نجم الدين، أحد المنضمّين إلى الجمعية، لرصيف22، إنهم ساعون إلى تمكين اليهود في السودان من حقوقهم كمواطنين، بما في ذلك إقامة الشعائر الدينية علانيةً، واستعادة مقبرتهم التاريخية.

بعد عقودٍ من الإهمال، ها هي الحياة تدبّ مجدداً في مقابر اليهود في الخرطوم، عقب شروع جهات عدة في ترميمها بشكلٍ لائقٍ يتناسب مع نزوع الحكومة السودانية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل

وقال حسين سمير، صاحب متجر لبيع زجاج السيارات على مقربة من المقبرة، لرصيف22، إنه لاحظ وصول شركات نظافة بشكل منتظم إلى المقبرة. وأضاف: "حتى العمال باتوا يخافون من رمي الزجاج والقاذورات، مخافة غضب الحكومة الساعية إلى التطبيع مع إسرائيل".

وأظهرت صفحة إسرائيل بالعربية، فيديو لسياح إسرائيليين يصلّون في قلب المقبرة اليهودية في الخرطوم.

عن ذلك تقول ماريا رضوان يعقوب، المتحدرة من جدٍّ يهودي، إنه مع كونها تدين بالإسلام، فإنه من حق اليهود استعادة مقبرتهم في الخرطوم، وليس المقبرة وحدها، وإنما كافة أصولهم ودور عبادتهم التي استولت عليها الحكومات السودانية المتعاقبة من دون وجه حق.

وتنادي في حديثها إلى رصيف22، بضرورة طرح هذه المسائل في كافة اللقاءات التي تجمع القادة الإسرائيليين والسودانيين مستقبلاً. وقالت: "الظروف السياسية تسمح بطرح هذه المطالب حالياً، خشية تغيّر الطقس السياسي، وعودته إلى مناهضة اليهود مجدداً".

لكن المؤرخ د. محمد جلال، وإن أشار إلى وجود إمكانية لاستعادة اليهود مقبرتهم في الخرطوم، لا سيما وأنها باقية على حالها تقريباً، فإنه لا يخفي خشيته من أن تقود الخطوة إلى مطالبتهم باستعادة مناطق وأراضٍ أخرى تشمل مقرّ وزارة الخارجية الحالي، الذي يتم الزعم بأنه كان ديراً لليهود في فترات سابقة.

بين رفض معلن للتطبيع مع إسرائيل، وقبول على مضض بعودة اليهود السودانيين، يقف الكثيرون متوجسين خوفاً من أن تكون المقبرة اليهودية في الخرطوم، حصان طروادة لمطالَبات أخرى بأملاك يهودية طُمست هويتها بفعل الزمن، وآلت ملكيتها إلى جهات عدة... بعضها رسمي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image