القصة مكررة حد القتل. يهددون شخصاً ما، وحين يطرح صوته عالياً مستنكراً ومستنجداً، يتهمونه بافتعال ظلامة من دون سبب. ومَن يتهمه بافتعال قضية تهديده يكون هو نفسه الذي هدده. في هذه الحال، ما الذي يراد لنا أن نفهمه؟
المهدِّد والملوِّح طوال الوقت بقدرته على إنزال العقاب يريد القول إن الذين يتنطحون لخصومته هم مجرد كائنات ناقصة، لا يحق لها التمتع بحماية القانون أو السلطة، ولا يمكن لجهودها وأفكارها أن تكون على درجة من الأهمية التي يمكن أن تهدِّد، ولو عرضاً، بُنية سلطته الراسخة والقوية، إنما مع ذلك، ورغم أن هؤلاء المعترضين ليسوا على قدر من الأهمية ليستحقوا عقاب هذه السلطة، يمكن معاقبتهم كما لو أنهم كائنات من دون عقول، تماماً كما يصف أرسطو العبيد الذين يفرّقهم عن الأحرار، بوصفهم كائنات "تقتصر مهمتها على استخدام أجسادها"، وعليها أن تخضع لأوامر "العقل المستبد" الذي يتمتع به الأحرار من الناس دون غيرهم.
على هذه الخلفية، يصير العقاب الذي قد ينزل بأي معارض لحزب الله نوعاً من رد لهذا المعارض إلى طبيعته التي يراها عليه حزب الله، أي طبيعة المستعبَد الذي تقتصر مهمته على استخدام جسده. والعقاب الذي قد ينزل فيه هو جسدي بطبيعة الحال، أكان قتلاً أو اعتداء بالضرب أو سجناً في سجن سرّي، وتالياً فهو لا يشكل انتقاصاً من كرامته، لأنه مفطور على استخدام جسده فقط، والعقاب بطبيعته هو استخدام لإحدى وظائف هذا الجسد.
"الملوّح طوال الوقت بقدرته على إنزال العقاب يريد القول إن الذين يتنطحون لخصومته هم مجرد كائنات ناقصة، لا يحق لها التمتع بحماية القانون أو السلطة، ولا يمكن لجهودها وأفكارها أن تكون على درجة من الأهمية التي يمكن أن تهدِّد، ولو عرضاً، بُنية سلطته الراسخة والقوية"
لا يهم أن يكون المعترض على سياسات حزب الله أستاذاً جامعياً أو نائباً في البرلمان أو كاتباً أو صحافياً. فهذه صفات كلها لا يَعتدّ بها أهل السلطان في حزب الله، ولا تخوّل هؤلاء المعترضين نيل حق أن يكونوا أصحاب رأي وحاملي وجهة نظر. الوحيدون الذين يحق لهم هذا الامتياز هم الذين يقرر حزب الله أنهم عملاء لإسرائيل وأمريكا. هؤلاء يصبحون أنداداً له، ويستحقون عقابه المعلن على أعلى المستويات. ومهمته، أو مهمة أجهزة أمنه في الحقيقة، تتلخص في مراقبة سلوك هذه الكائنات "غير العاقلة" وتعيين اللحظة التي يصبحون فيها عملاء، أي حين يتحولون إلى كائنات تملك عقولاً مستبدة.
توضيحاً لهذه الصورة، لا يعترف حزب الله بسياسية خصومه السياسيين. هم إما عملاء أو مجرد كائنات حية. وليس من حق الكائن الحي، شجرة كان أم حصاناً أم أستاذاً جامعياً معارضاً، أن يعترض على تربيته وتأديبه وتعليمه بالقوة العارية والعنف الأكثر عرياً.
"لا يعترف حزب الله بسياسية خصومه السياسيين. هم إما عملاء أو مجرد كائنات حية. وليس من حق الكائن الحي، شجرة كان أم حصاناً أم أستاذاً جامعياً معارضاً، أن يعترض على تربيته وتأديبه وتعليمه بالقوة العارية والعنف الأكثر عرياً"
على المشتغل في الشأن العام اللبناني أن يتصرف بوصفه معرّضاً للتأديب في أي لحظة إذا ما تجاوز الحدود أو نفر. والأهم، عليه ألا يعترض على العقوبة التي قد يقرر حزب الله إنزالها فيه، لأنه كائن لا يملك رأياً أصلاً. هكذا يستطيع كتّابه ومعلقوه وناشطوه النطق بلغة متعالية على خصومهم، من دون ادّعاء. هم مقتنعون برفعتهم وسموهم وتحررهم، وكل الناس في مخيلة كتّاب حزب الله هؤلاء هم حمقى ومغفلون، ولا يعرفون مصلحتهم حقاً. وهم حين لا يعاقبونهم على ما يتفوهون به من حماقات، فلأنهم مشغولون بقضايا أهم من قبيل محاربة العدو الذي يملك عقلاً مستبداً كعقل حزب الله، ولا وقت لديهم لتربية الأقنان المتذمرين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
KHALIL FADEL -
منذ 19 ساعةراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ يومعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 5 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري