وصل فيلم "قوة الكلب" للمخرجة النيوزيلاندية، جين كامبيون، إلى 12 ترشيحاً لجوائز الأوسكار بنسختها الرابعة والتسعين، ورأى نقّاد أن مثل هذه الترشيحات لمثل هذا النوع من الأفلام يعيد للسينما قيمتها، خاصةً أن أفلاماً جماهيريةً مثل "سبايدر مان" على سبيل المثال لا الحصر، لم يحصل سوى على ترشيح واحد، لذا كان الثناء على خيارات الأوسكار لهذا العام مرضياً للبعض، ومتفاوتاً تجاه خياراتها لفئة أفضل فيلم أجنبي (غير ناطق بالإنكليزية).
ومع ذلك، ومع نوعية فيلم "قوة الكلب" المأخوذ من رواية للكاتب الأمريكي توماس سافاج تحمل العنوان نفسه، من الممكن التكهن بخطوات تجاه إعادة تعريف معنى الاحتفاء بالصناعة، وهذا يعيدنا إلى وقت فوز الفيلم الكوري الجنوبي "باراسايت" للمخرج بونغ جون في النسخة 92، والذي دخل تاريخ السينما كأول فيلم غير ناطق بالإنكليزية يفوز بأوسكار أفضل فيلم، وهنا المقاربة لها علاقة بمثل هذه النوعية من الأفلام التي عادةً يقال عنها إنها "غير جماهيرية".
يُعرض فيلم "قوة الكلب" على منصة نتفلكس حالياً، وتدور أحداثه في عام 1925 في ولاية مونتانا الأمريكية.
يُعرض فيلم "قوة الكلب" على منصة نتفلكس حالياً، وتدور أحداثه في عام 1925 في ولاية مونتانا الأمريكية. الفيلم من بطولة بنديكت كامبرباتش في شخصية "فيل"، هذا الممثل الذي من دقة تعابير أدائه وتمكّنه يشعرك بأنك تشاهده من على خشبة المسرح، من هكذا قرب، فهو يشكل المحور الرئيسي الأول في العمل في مواجهة كيرستن دانست في شخصية "روز"، بحضرة شقيق فيل، "جورج" الذي مثل شخصيته جيسي بليمونز، و"بيتر"، ابن "روز"، وهو زوجها السابق الراحل، وعملياً بيتر هو بمثابة محركٍ للشخصيات الرئيسية، وأدّى دوره سميث ماكفي.
في هذا الفيلم ثمة شعور يحفزك على البحث عن الضوضاء في حضرة الهدوء والريتم المتثاقل للأحداث الذي يخدعك، فأنت أمام شخصيات تنتمي إلى شكل العائلة، خاصةً بعد زواج "روز" و"جورج" وانتقالهما إلى بيت "فيل" الكبير المحاط بمزرعة واسعة فيها الأبقار والخيول، واللون الأصفر الطاغي على الحقول المطلة على جبل، يخفي خلفه تندراً بحكايات من نسج الخيال، ستدمرها لاحقاً عندما يبدأ "فيل" بالحديث عن معلمه برانكو هينري، وفي وقت الحديث عنه فحسب تلمع عيون "فيل" وتشعر بما يخبّئه، وهذا الشعور يتصاعد مع المشاهد المثقلة بالندية التي يمارسها "فيل" تجاه "روز"، والتي تتعجب لأمرها، في حضرة بيانو تحاول "روز" العزف عليه و صوت آلة المندلين يربكها قادماً من غرفة "فيل"، و"جورج" زوج روز وشخصيته الضعيفة، و"بيتر" ابن "روز" الذي يكون مادةً لسخرية أهل المدينة عليه وتلقيبه بـ "المخنث" (حسب الوصف المعتمد في تلك المرحلة الزمنية للمثليين أو العابرين جنسياً). ذلك الخداع في البداية، كان لا بد من الإشارة إليه، فأنت ستقع في الحيرة فعلاً، أمام شخصية "فيل" تحديداً؛ رجل وحشي أمام كل من يقف أمامه، لديه الخبرة في إخصاء الثيران بكف يديه العاريتين، وسلخ جلود البقر، ونسج الحبل من الجلد الخام، لكنه بعد ذلك كله، يهرب بعيداً إلى مكان سري، ويسبح عارياً، وخلفة غرفة مهجورة، تدرك بعدها أنها تحوي كتباً عن الثقافة البدنية والجنسية المتعلقة بالذكور... واسم معلمه يظهر بين الحين والآخر.
وصل فيلم "قوة الكلب" للمخرجة النيوزيلاندية، جين كامبيون، إلى 12 ترشيحاً لجوائز الأوسكار بنسختها الرابعة والتسعين، ورأى نقّاد أن مثل هذه الترشيحات لمثل هذا النوع من الأفلام يعيد للسينما قيمتها، خاصةً أن أفلاماً جماهيريةً مثل "سبايدر مان" على سبيل المثال لا الحصر، لم يحصل سوى على ترشيح واحد
هنا تقع في فخ تحديد معنى المثلية الجنسية، المرتبطة عادةً بشكل سائد مرتبط بشخصية "بيتر"، الذي يهابه "فيل" من الداخل، فيتفنن في إذلاله علناً مع رضوخ تام من قبل "بيتر"، وهنا تدرك معنى الإجابة عن سؤال وجّهه أحد العاملين لدى "فيل" حول ماذا يوجد خلف الجبل، فيرد عليه: "لا يوجد شيء ما لم تكن قادراً على رؤيته" .
بوجود "روز" وابنها "بيتر" في منزل "فيل"، ثمة خطورة مرتبطة بالشكل الذي لا يريد "فيل" أن يكشفه أمام الناس، لذلك يبدأ بمحاصرة "روز" والتلاعب والتشكيك بكل خطواتها، حتى يحوّلها إلى مدمنة، هو ينتقم من نفسه من خلالها، وتستسلم "روز" لهذا التجبر، ويزداد خوفها عندما يعود "بيتر" من جامعته لقضاء الإجازة. تخاف من نظرات "فيل" له، و تتيقن بداخلها من أن ابنها لن يحتمل، لكن الواقع أن تربيتةً واحدةً من قبل "بيتر" على كتف "فيل"، كانت كفيلةً بمنح كل الإجابات العالقة حول شخصية "فيل"، وابتعاد الكاميرا عنهما بلقطة حميمية تجمع بين خليلين.
لدى المخرجة كامبيون القدرة والخبرة التي تجعلها تدير معنى الذكورة عبر أفلامها، مثل رائعتها فيلم "بيانو" الذي أهّلها لتكون أول امرأة تحصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1993، والذي يُعدّ من الأفلام التي تعيد اكتشاف رغبات الأنثى في حضرة الذكورية، ومعنى الذكورية في فيلمها الجديد "قوة الكلب"، يرتبط بكيفية تصدير المجتمع لها، لذلك كان من الذكاء تجسيده عبر شخصية تختبئ من واقعها وأحاسيسها والمتركزة عبر "فيل"، كي لا يفقد احترامه أمام المجتمع الذي يهابه، ويتمنى أن يصبح بقوته، وهنا قمة السخرية من المعنى المرتبط بواقع الذكورية المتعلق بالقمع والسيطرة، بحيث تمت تعريتها من خلال شخصية مثلية كانت بالنسبة إليهم مثالاً للقوة.
لدى المخرجة كامبيون القدرة والخبرة التي تجعلها تدير معنى الذكورة عبر أفلامها، مثل رائعتها فيلم "بيانو" الذي أهّلها لتكون أول امرأة تحصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1993، والذي يُعدّ من الأفلام التي تعيد اكتشاف رغبات الأنثى في حضرة الذكورية، ومعنى الذكورية في فيلمها الجديد "قوة الكلب"، يرتبط بكيفية تصدير المجتمع لها
هذا الكشف أيضاً ارتبط بطريقة إدارة المشاهد، والسحر في الصورة، والهدوء الذي يسبق العاصفة فعلاً، على الرغم من كليشيه العبارة، لكن كل شيء يتهاوى، فجأةً، وهنا الحديث عن زمن بعيد، في عشرينيات القرن الماضي، ولغة الكاوبوي المسيطرة، والمرعبة لكل من يحاول المساس بمنطقتهم حتى لو كان من الهنود الحمر السكان الأصليين للمدينة، لا شيء يمر عبر مزرعة "فيل" مروراً عابراً، والعبارات واللهو والنظرات كلها جزء أصيل من إدارة المشاهد كلّها.
في النهاية تسير الأحداث بلطف، تخفف من وطأة التشنجات التي طالت، لكن هذا التحرك يصل نحو خاتمة تنفجر في وجه المتلقي، لترى نفسك أمام تراجيديا حول كل ما تبقى من دون حل داخل أكثر النماذج رجولةً في مونتانا.
نتفلكس في الأوسكار
من جهة أخرى، ومع الحضور الملفت لإنتاجات نتفلكس في المحافل الدولية، سواء من خلال التنافس في المهرجانات السينمائية أو الوصول إلى الأوسكار، تعود الذاكرة إلى عام 2017، وإلى تصريح حول نتفلكس أدلى به المخرج الإسباني بيدرو المودوفار الذي شغل عندها منصب رئيس لجنة التحكيم في مهرجان "كان" السينمائي الدولي، مع مشاركة فيلمين من إنتاج نتفلكس، بأنه لا يتوقع أي سعفة لهما، وهذا التصريح كان من الممكن أن يكون طبيعياً إذا ما كان المودوفار ليس رئيساً للجنة، فقد حسم استبعاد أفلام "نتفلكس" من الفوز، والمفارقة أنه وبعد هذا التصريح تم عرض أول أفلام "نتفلكس" الذي يحمل عنوان "أوكجا"، والذي قوبل بصرخات واستهجان وتنديد من قبل من يعارضون دخول مثل هذه النوعية من الأفلام إلى المسابقة، مما أخّر عرض الفيلم نحو 20 دقيقةً.
لكن، على ما يبدو، تغيّر الحال كثيراً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 11 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت