فرضت السلطات العمانية "مواصفات قياسية مُلزمة" للأزياء التراثية للرجال في البلد الخليجي، محددةً غرامةً باهظة للمخالفين تتجاوز 2500 دولار أمريكي، ضمن خطوات معلنة للحفاظ على التراث الوطني أولاً، وتحقيق فوائد اقتصادية ثانياً.
تشمل القرارات الملزمة جزءين أساسيين لملابس الرجال التراثية: الكمة (أو القحفية/ قلنسوة دائرية تغطي الرأس) والدشداشة (أو الصورية/ جلباب طويل).
وتتعدد مكونات الزي التراثي للرجل العماني، فهناك صنفان، أولهما الزي الملبوس، ويتكون من: الدشداشة ولها نحو ستة أنواع تختلف من محافظة لأخرى، والمِصَر (عمامة) والكمة - وهما الجامع المشترك في أزياء الرجال العمانيين، والبشت (عباءة مطرزة عند الكمين)، والشال.
وقديماً، كان هناك ما يُعرف بـ"السباعية"، وكان الآباء يضعونها على الكتف أثناء التنقل من منطقة لأخرى.
أما الصنف الآخر من ملابس الرجل العماني، فيتمثل في ما يرتديه فوق الثوب الأساسي، وكثيراً ما يكون في المناسبات الاجتماعية كالأفراح وفي الترحال والسفر. وتشمل: الخنجر وله أكثر من سبعة أنواع، ومحزم الرصاص ، والجنبية (أحد أنواع الخناجر)، والتلاحيق (مخزن بارود)، والسيف، والعصا، والوشاح، والخزام (ما يربطه الرجل على عمامته).
الكمة أولاً
وفي 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، نقلت صحيفة "أثير" العمانية عن الجريدة الرسمية، قرار وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، قيس بن محمد اليوسف، الذي قضى بتحديد "مواصفاة قياسية عُمانية ملزمة" في ما يخص ارتداء الكمة.
غرامة 2500 دولار للمخالفين تضاعف لدى تكرار المخالفة… عُمان تفرض "مواصفات قياسية مُلزمة" على صناعة الدشداشة العمانية والكمة العمانية لصون الهوية الوطنية
ونصت المادة الأولى من القرار رقم 2021/21 على تطبيق المواصفات القياسية العمانية رقم (1646/2021 OS) إلزامياً على الكمة على نحو يحافظ على تفردها عن الطاقية الأفريقية.
وفرضت المادة الثانية من القرار "غرامة إدارية لا تتجاوز ألف ريال عماني (نحو 2600 دولار أمريكي) على من يخالف أحكام هذا القرار" على أن "تُضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة". وأوضحت المادة الثالثة من القرار بدء سريانه في اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية.
وفي عداد المواصفات القياسية لصنع الكمة، وفق القرار الحكومي، "أن يكون القماش المستخدم مطابقاً للمواصفات الخاصة به، وأبيض، وعدم تطريز الشعار السلطاني أو الشعار الرسمي للدولة على الكمة بموجب إذن مسبق، وعدم تطريز رموز أو عبارات خارجة عن الذوق العام أو مخالفة للشريعة الإسلامية، وعدم تطريز شعارات لأندية رياضية أو لعلامات تجارية أو رسوم أشخاص أو حيوانات" عليها.
وحدد القرار الوزاري أربعة أنواع للكمة وفق نوع التطريز: الكمة بتطريز نجم كامل، والكمة بتطريز نصف نجم، والكمة بتطريز العقدة، والكمة بتطريز السلسلة.
الدشداشة تلحق بالكمة
وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية، في 7 شباط/ فبراير، بأنه "لم يعد ممكناً في عُمان إدخال تغييرات على الدشداشة البيضاء التي يرتديها الرجال"، لافتةً إلى وقوع المخالف منهم "تحت طائلة دفع غرامة مالية، بعد قرار حكومي أوائل الشهر الجاري للحفاظ على هذا الموروث".
تشمل المواصفات القياسية المُلزمة اللون ونوع القماش وشكل الرموز والنقوش والتطريز، وهو ما يعتبره البعض مصادرةً للحرية الشخصية وتعدياً على الذوق الخاص
وزادت الوكالة أن القرار الذي أثار استغراباً في السلطنة، أصدره وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العماني. وعقّبت بأنه يأتي عقب قرار للوزير مطلع الشهر الماضي "يحظر استيراد أو تصميم الملابس العمانية التقليدية، أو المساس بها أو إجراء أي تعديلات عليها تسيء إلى الهوية العمانية".
ولفتت إلى أن الغرامة على مخالفي القرار تعادل الغرامة المتعلقة بالكمة. أما المواصفات القياسية المحددة للدشداشة فهي: "أن تكون من دون ياقة، وأن تكون حياكة القطع الرئيسة المكونة للدشداشة خارجية وظاهرة للعين، مع استخدام قماش من لون واحد".
هذه الخطوة سبقها، في العام الماضي، تحذير السلطات في البلد الخليجي من "المساس والإساءة أو القيام بالتجاوزات التي تسيء للملابس والأزياء العمانية التقليدية"، من خلال خياطة أو رسم أو طبع شعارات أو علامات تجارية لأندية خارجية، أو أية رسوم "مخالفة للذوق العام عليها".
وشملت التحذيرات أيضاً "الدمج بين تصاميم بين الكمة والمصر والعباءة، بأشكال ونماذج تخل بمظهر هذه الأزياء العمانية التقليدية".
صون الهوية vs الحرية الشخصية
وفي حين قوبلت الإجراءات المراعية للملابس التراثية قبولاً واسعاً في المجتمع العماني، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، باعتبارها "تدافع عن الهوية العمانية" و"يمنع التلاعب بها وتشويهها"، أعرب البعض عن قلقهم إزاء ما اعتبره مصادرةً على الحرية الشخصية والذوق الخاص.
بينما قوبلت القرارات الحكومية بتأييد واسع باعتبار أنها "تدافع عن الهوية العمانية"، تمنى معلقون لو أن السلطات تهتم بالقدر نفسه باللغة العربية أو بقضايا أخرى تمس المواطن مثل الرواتب والديون
ويشير مؤيدون للقرارات إلى "التقصير، وإضافة النقوش والرسوم والتطريزات بمساحات وأحجام أكبر من المعتاد، أو استخدام ألوان غير مألوفة كالأبيض والبني والأسود" بوصفها "أبرز التشوهات" التي كانت تزعجهم في تصاميم الدشداشة مثلاً. لكن آخرين يرونها أموراً تخضع للذوق الخالص.
وذكر المواطن العماني وهيب الجديدي (36 عاماً) للوكالة: "البعض يريد أن يرتدي دشداشة ترضي ذوقه الخاص. مثل هذا القرار سيحد من ذلك، ويجعل بعض الأشخاص لا يتمكنون من ارتداء دشداشة وفق رغباتهم الشخصية".
وثمة آخرون استهجنوا القرار قائلين إنهم كانوا بانتظار قرارات حكومية أكثر أهمية للمواطن مثل توفير فرص عمل وسداد الديون ورفع الرواتب وما شابه. وتمنى فريق كبير من المواطنين لو تتحرك السلطات للحفاظ على اللغة العربية "التي باتت مهمشة" في بعض المجالات.
في سياق متصل، أشار الخبير الاقتصادي العماني خلفان الطوقي إلى أن الدشداشة ليست مجرد "رمز" للشعب العماني، وإنما لها "أهمية اقتصادية كبيرة" أيضاً إذ يرتديها نحو 1.4 مليون رجل عماني.
وأضاف أن عدة محالّ لبيع الدشاديش كانت "ترسلها إلى الخارج، غالباً إلى الصين والهند، وهذا ما أضرّ بالحفاظ على مواصفاتها القياسية وعلى الهوية، وتالياً بالاقتصاد العماني".
وليس واضحاً بعد إذا كانت السلطنة بصدد إصدار المزيد من القرارات لمنع استيراد أو فرض مواصفات قياسية على بقية مكونات الأزياء التراثية للرجال والنساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...