هز الرأي العام الإيراني في الأيام الأخيرة، خبر رافقه مقطع فيديو يظهر شاباً مبتسماً في أحد شوارع مدينة الأهواز، مركز محافظ خوزستان الواقعة جنوب غربي إيران، وهو يحمل بيده رأس زوجته الذي قطعه، وفي يده الأخرى سكين كبير.
وأعلنت قوات الشرطة في مدينة الأهواز أنها اعتقلت الشاب الذي قام بقطع رأس زوجته وابنة عمه مونا البالغة من العمر 17 عاماً، وشقيقه الذي ساعده في الجريمة.
وحول إذا وقعت هذه الجريمة بدافع "الشرف"، أعلنت وسائل إعلام محلية نقلاً عن السلطات القضائية أن والد مُنى أعاد ابنته مؤخراً إلى البلاد من تركيا، وعندما علم زوجها بوجودها في المدينة قام بقتلها.
كما أعلنت تقارير إعلامية أن مُنى قد تزوجت من ابن عمها في الـ12 من عمرها، وكان لها طفل من هذا الزواج.
وفي تفاصيل أخرى عن الضحية وعن سبب قتلها، قالت تقارير إعلامية إيرانية، وأيضاً شخص من أقرباء عائلة الصحية في تصريحات لإذاعة "زَمانه" الإيرانية إن الضحية تزوجت غصباً، وكانت غير راضية عن زواجها من ابن عمها الذي كان يضربها ويعاملها معاملة سيئة، وكانت تحاول الطلاق منه لكن عائلتها لم تساعدها في ذلك.
وأضاف الشخص القريب أن مُنى هربت إلى تركيا قبل 6 أشهر، بمساعدة شخص سوري يسكن في تركيا تعرفت عليه عبر تطبيق إنستغرام، لكن عند وصولها سرق منها الذهب والأموال التي كانت تحملها معها، كما قام بإيذائها واغتصابها، واحتجزها كرهينة، وطلب من عائلتها دفع مبلغ لإطلاق سراحها.
كانت سعيدة بعودتها إلى البلاد، وكانت تظن أنها ستكون في أمان عند عائلتها، لكن مصير آخر كان ينتظرها حيث علم زوجها بوجودها وقام بقتلها
ويضيف الشخص أن والد مُنى ذهب إلى تركيا، وأعاد ابنته بمساعدة السفارة الإيرانية والشرطة وأقرباء له إلى الأهواز، وهي كانت سعيدة بعودتها إلى البلاد، وكانت تظن أنها ستكون في أمان عند عائلتها، لكن مصير آخر كان ينتظرها حيث علم زوجها بوجودها وقام بقتلها.
وفي رواية أخرى، قالت والدة سجاد، زوج مُنى، في مقابلة مع وكالة أنباء فارس الإيرانية، إن مُنى هربت قبل أشهر إلى تركيا بمساعدة رجل سوري وكانت لها علاقة معه وحملت منه، وكانت تبعث هي وصديقها السوري صوراً لزوجها سجاد، الذي كان غاضباً بشدة منها، وزاد من شدة غضبه خلال فترة هروب زوجته، أحاديثُ الناس الذين كانوا يتهمونه بأنه ليس لديه غيرة تجاه ما حدث، وكانوا يثيرون مشاعره، حسب قول والدته.
وأضافت والدة سجاد أن مُنى أعيدت بواسطة والدها ووالد زوجها الذي هو عمّها أيضاً في يوم الجمعة الماضي، وكانت مختفية لديهما، ثم في يوم السبت كشف سجاد مكانها وقام بقتلها. وعن سبب طريقة قتلها قالت والدة سجاد إنه كان يريد أن يؤكد للجميع بأنه ليس رجلاً "بلا غيرة".
ردود فعل وانتقادات واسعة ودعوات لتعديل القوانين
بنشر الخبر في وكالة "رُكنا" للأنباء، امتلأت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من الأخبار والتعليقات بشأن الحدث المريع، ورافقت التعليقات والانتقادات من استمرار وقوع جرائم الشرف في إيران، وعدم وجود قوانين لحماية المرأة، انتقادات واسعة من قيام وكالة ركنا بنشر الفيديو الذي وُصف بـ"العنيف" و"المريع"، وإعادة نشر صور مروعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً زيادة العنف في المجتمع الإيراني.
وقررت هيئة الرقابة على الصحافة في إيران بوقف وكالة رُكنا عن العمل، على خلفية نشرها مقاطع فيديو وصور من الحادث التي قالت بأنها تتعارض مع الآداب العامة وتروّج العنف في المجتمع، كما تمت إحالة قضيتها إلى المحكمة الخاصة بالصحافة في طهران.
وعلق المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري على ذلك، وقال: "يجب ألا يُسمح للمواقع الإلكترونية بنشر محتويات تتعلق بحدث سيئ ومروع في البلاد، ونشر مثل هذه المقاطع له آثار ونتائج سيئة للغاية".
وقال حسن موسوي، رئيس الجمعية الإيرانية للرعاية الاجتماعية، إن نشر صور مثل صور جريمة قتل مُنى يؤثر سلبياً على نفسية المواطنين، وطريقة التغطية الإعلامية لهذا الحدث يمكن أن تؤدي إلى ترويج مثل هذه الجرائم، وتجعله لاحقاً أمراً عادياً.
ورداً على الانتقادات من وكالة أنباء ركنا، غردت آزاده مختاري، محررة القسم الاجتماعي في وكالة ركنا: "ركنا أُغلقت لأنها نشرت صورة لقتل طفلة على يد زوجها، وبإغلاق ركنا انتهت جرائم الشرف!"
كما علقت شخصيات سياسية على الجريمة، منها آذر منصوري، أمينة عام حزب "اتحاد ملّت ايران اسلامي" الإصلاحي، التي كتبت في تغريدة: "هذه المرة كانت مُنى ضحية جرائم الشرف لأن مشروع قانون حماية المرأة لم يصل إلى نتيجة حتى الآن، حيث تم تعليقه بعد تنقله بين المؤسسات والجهات المعنية.
وخلال التعليقات الواسعة على مقتل مُنى، استذكر العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي قضية رومينا أشرفي، الفتاة التي قطع والدُها رأسها بمنجل في محافظة كيلان، شمال إيران، العام الماضي.
وانتقدت التعليقات عدم مصادقة البرلمان على قانون حماية النساء، إلى جانب تجاهل السلطات العنف ضد المرأة وجرائم الشرف. وعلق بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بقولهم إن هناك آلافاً من النساء الإيرانيات التي ربما لم تقطع رؤوسهن، لكنهن يعانين من العنف بأشكاله المختلفة، وهن "مُنى" من نوع آخر، ورجال عائلاتهن ومجتمعهن هم رجال عائلة مُنى، ولكن بشكل مختلف، وإن حدثت ظروف مماثلة لهم من الممكن أن يقوموا بنفس الجريمة.
لا يعاقب القانون الإيراني جرائم الشرف بالإعدام کما یتم التعامل مع قضايا القتل المعتادة، ويتهم القانون الإيراني بأنه يتساهل مع مرتكبي مثل هذه الجرائم
وقال خبير في علم الاجتماع والقانون إنه بصرف النظر عن عدم وجود قوانين رادعة لمنع وقوع جرائم الشرف، فإن عدم رفع شكوى من عائلة الضحية ضد القاتل يدل على أن حل القضية يتطلب إصلاحات ثقافية واجتماعية في البلاد. كما يعتقد الخبیر أن الفقر في جميع المجالات، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، يدفع الناس إلى التمسك بالتقاليد الخاطئة والتعصبات. من ناحية أخرى، فإن عدم حظر الزواج القصر يؤدي إلى مثل هذه الأحداث.
الإحصاءات والأسباب
شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة العديد من جرائم الشرف والتي يطلق على حالات قتل النساء على يد رجال العائلة بدافع الشرف. ولا تنشر إحصاءات رسمية عن جرائم الشرف، وحسب الإحصاءات غير الرسمية في إيران 20 في المائة من عمليات القتل في البلاد هي جرائم شرف. ومحافظات خوزستان، وکردستان، وکرمانشاه، ولرستان، وسیستان وبلوتشستان، أكثر المحافظات التي حدثت فيها جرائم شرف في السنوات الأخيرة.
وقالت عاطفة برواية الناشطة الاجتماعية العربية الإيرانية لمجلة "اَنديشه بويا" في كانون الثاني/يناير 2022 إن 60 امرأة على الأقل قُتِلن في محافظة خوزستان خلال العامين الماضيين بدافع "الشرف"، حسب دراسات أجريت في هذا الشأن.
كما قالت إن من بين هذه الضحايا هناك فتيات تتراوح أعمارهن بين 10 و15 عاماً، مضيفة أنه لم تتم معاقبة أي شخص على صلة بجرائم القتل الـ60 التي تم تأكيدها، وعائلات الضحايا لم ترفع شكوى ضد القتلة.
ويؤكد النشطاء في مجال حقوق المرأة أن فقدان قوانين وعقوبات رادعة يؤدي إلى تكرار مثل هذه الأحداث في البلاد.
مُنى لن تكون الضحية الأخيرة لجرائم الشرف في إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط، طالما لم تتغير القوانين، وبعض العادات والتقاليد والثقافة السائدة في بعض المجتمعات، والنظرة التي ترى المرأة بأنها "شرف" الرجال
وقُدم مشروع قانون حماية المرأة ضد العنف الذي أثار انتقادات المتشددين، من الحكومة للبرلمان الإيراني قبل عشر سنوات لكن لم يتم المصادقة عليه حتى الآن. وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى تعديل مشروع القانون، والموفقة عليه في أسرع وقت. ومن جهة أخرى، إيران واحدة من أربع دول التي لم تنضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولها انتقادات أيضاً لهذه الاتفاقية.
ولا يعاقب القانون الإيراني جرائم الشرف بالإعدام، کما یتم التعامل مع قضايا القتل المعتادة، ويُتهم القانون الإيراني بأنه يتساهل مع مرتكبي مثل هذه الجرائم. وتجيز المادة 630 من قانون العقوبات الإسلامية في إيران لكل رجل قتل زوجته وأي رجل غريب ترتكب معه الزنا، وتنص المادة 220 من هذا القانون أنه إذا ثبت أن الرجل مذنب بقتل ابنته، فإن العقوبة تتراوح بين 3 و10 سنوات في السجن، بدلاً من عقوبة الإعدام أو دفع الدية.
ريحانة عامري (15 عاماً) قتلها والدها في مدينة کِرمان لأنها عادت إلى المنزل في وقت متأخر، وفاطمة بریحي (18 عاماً) قتلت على يد زوجها في مدينة عبادان في خوزستان، وشكيبا بختيار (16 عاماً) قُتلت طعناً على يد والدها في كِرمانشاه، ومبينا سوري (16 عاماً) قتلت على يد زوجها وأفراد أسرته في لُرستان، ومراهقتان تم قتلهما في سيستان وبلوتشستان بإطلاق النار من قبل عائلاتهما. هذه الفتيات هن أحدث ضحايا جرائم الشرف في إيران، قبل مُنى.
والواضح أن مُنى لن تكون الضحية الأخيرة لجرائم الشرف في إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط، طالما لم تتغير القوانين، وبعض العادات والتقاليد والثقافة السائدة في بعض المجتمعات، وطالما تستمرّ النظرةُ التي ترى المرأة بأنها "شرف" الرجال، والأيديولوجية الحاكمة التي تتجاهل المرأة ولم تحمِها، وتتوقع منها الزواج وإنجاب الأطفال فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون