وضعت الحكومة السورية نفسها في خانة النقد الواسع والجدل العام، إثر قرارها برفع الدعم عن سلسلة من الشرائح الاجتماعية، وإجرائها تعديلات جذرية بكتلة الدعم المالي المخصصة بنحو 5530 مليار ليرة سورية في موازنة 2022، والتي تشكل نحو 40 % من حجم الموازنة المرهقة أصلاً، بفعل الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية وحالة شبه الانهيار التي أصابت قطاعات عديدة إثر الحرب الدائرة منذ عام 2011، لا سيما قطاع الصناعة والإنتاج المحلي.
وأعلنت الحكومة عن آلية استبعاد العائلات السورية من الدعم الحكومي، والتي ستشمل عشرات الآلاف من العائلات خلال المرحلة الأولى من تنفيذ الآلية الجديدة، وبلغت النسبة المختارة نحو 15% من عدد البطاقات الأسرية البالغة نحو 4 ملايين بطاقة، أي أن نحو 3 ملايين سوري أصبحوا خارج مظلة الدعم لأسباب متعددة، بحسب الخبير الاقتصادي د.علي محمد.
وقالت معاونة وزير الاتصالات والتقانة، فاديا سليمان، إن المرحلة الأولى من آلية رفع الدعم، ستشهد استبعاد 596628 بطاقة أسرية من الدعم، وأوضحت سليمان خلال تصريحاتها مؤخراً لقناة "السورية" الحكومية، أن الثروة والملكية ومستوى الدخل، من أبرز معايير الاستبعاد من الدعم، مشيرة إلى أن "عدد السيارات المملوكة للأسر المستبعدة 432173 سيارة، وأن النسبة المئوية لاستبعاد السيارات الخاصة هي 47 بالمئة".
وفق رسميين في الحكومة السورية فإن المرحلة الأولى من آلية رفع الدعم، ستشهد استبعاد 596628 بطاقة أسرية من الدعم
وبحسب تصريحات سليمان، فإن الحكومة عمدت إلى "تحديد أصحاب السيارات الخاصة المستبعدة من الدعم من خلال بيانات وزارة النقل، حيث سيتم استبعاد من يملك سيارة ذات محرك أكثر من 1500 سي سي موديل 2008 وما بعد من دعم المشتقات النفطية، أو من يملك أكثر من سيارة".
ولاقت المعايير التي اتخذتها الحكومة استهجاناً كبيراً، على اعتبار أن الشرائح التي تم استبعادها من مظلة الدعم لم تكن محددة بشكل دقيق، في حين يتفق الجميع على أن بعض الشرائح التي تم استبعادها جاءت نتيجة وجود دخل جيد لديها، كالمصدرين والمستوردين وبعض أصحاب المهن الأخرى.
وتساءل محمد: "هل يعقل أن يكون معيار امتلاك سيارة موديل 2008 وباستطاعة 1500 سي سي وأكثر، هو المعيار الأنسب لاستبعاد صاحبها من مظلة الدعم في زمن تعاني فيه البلاد من أزمة مواصلات خانقة، وعلى أي أساس تم تحديد هذا المعيار، الذي بسببه يستبعد المواطن من كل أنواع الدعم، من الخبز والبنزين والمازوت وغيرها، لاسيما وأن نسبة كبيرة من مالكي السيارات التي ينطبق الشرط السابق عليهم، اشتروا آلياتهم قبل الحرب، يوم كانت الأسعار مناسبة وتتوفر القروض والتسهيلات المصرفية".
ورأى محمد أن المشكلة الأخرى، "ستكون في حال تم استبعاد أي مواطن يمتلك عقارين من خانة الدعم، في ظل وجود أنواع عديدة لملكية العقارات، ووفق أي أسس سيستبعد مواطن يمتلك عقارين بقيمة نحو 200 أو 300 مليون في أحد الأرياف من الدعم، في حين سيبقى مالك عقار وحيد في العاصمة دمشق أو إحدى المدن الأخرى، وتبلغ قيمته مئات الملايين أو أكثر من مليار ليرة في خانة الدعم".
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن "تبعات تطبيق القرار ظهرت واضحة بالفوضى التي تبعته، وتمثلت باعتذار وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك د.عمرو سالم نيابة عن الحكومة، بسبب وجود أخطاء طالت نحو 16 ألف بطاقة".
تبعات تطبيق القرار ظهرت واضحة بالفوضى التي تبعته، وتمثلت باعتذار وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك د.عمرو سالم نيابة عن الحكومة
وأوضح أن كل مواطن سيستبعد من الدعم، سيتكلف نحو 260 إلى 300 ألف ليرة سورية على أقل تقدير شهرياً، كمصاريف إضافية، منبهاً إلى الانحدار الذي سيطرأ على شرائح اجتماعية صنفتها الحكومة أنها ميسورة، وسيحولها إلى طبقات معدومة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "الحكومة قد تصحح بعض الأخطاء في القرار، لكنها جادة بتوفير نحو 1000 مليار ليرة من كتلة الدعم آنفة الذكر، وستواصل العمل كي تحقق تساوياً ما بين كتلة الدعم وكتلة التوفير، عبر تشميل شرائح جديدة في قرار رفع الدعم"، مؤكداً أن معالجة إرهاق الميزانية، ممكن بطرق أخرى، كالتحصيل الضريبي والجمركي وتفعيل الانفاق الاستثماري بشكل جيد لا أن يبقى محصوراً فقط بنحو ألفي مليار ليرة سورية في موازنة 2022، بحسب الخبير الاقتصادي.
ورأى الخبير الاقتصادي د. شادي أحمد في حديثه لرصيف22 أن "رفع الدعم عن هذه الشرائح، سيؤثر بشكل كبير أو متوسط على قدرة أفرادها في التأقلم مع الوضع الجديد في ظل الحالة التي يعيشها الآن الاقتصاد والمعيشة السورية، من ارتفاع أسعار، وأحياناً فقر وافتقار للمواد".
سيؤثر رفع الدعم عن شرائح اجتماعية، بشكل كبير أو متوسط على قدرة أفرادها في التأقلم مع الوضع الجديد في ظل الحالة التي تمرّ فيها سوريا وسيؤدي إلى زيادة معدلات الفقر المرتفعة أساساً
وأضاف: "هناك خطأ منهجي أيضاً، في كلمة الشرائح، نحن نعلم أن مستويات الدخل ليست متوازنة في معظم أفراد وعناصر هذه الشريحة، مثلاً المحامين لا يتقاضون جميعهم أتعابهم، أو لديهم دخل متقارب"، مشيراً إلى أن "معيار الشريحة لم يكن معياراً موثقاً، كان يجب أن ينظر إلى معيار الدخل، ما هو دخل الشخص، حتى يستحق الدعم أم لا، ورغم تيقني أنه يوجد أسباب اقتصادية لرفع الدعم، لكني اختلف على طريقة رفعه هكذا".
برأي أحمد أن "الطريقة سريعة وارتجالية، وهي تُبحث من عام 2006- 2007 وبالتالي كانت مناسبة حينها جداً، أكثر من الوقت الحالي في ظل الظروف والضغوط والحصار، وهذا الأمر يؤدي إلى فروقات اجتماعية، تباينات في الإنفاق وسيضعف حركة السوق الداخلية، وعندما تضعف حركة النشاط الاقتصادي، سوف يؤدي ذلك إلى ضعف الإنتاج".
وأثار القرار ردود فعل عديدة في الأوساط السورية على اختلافها، إذ رأى رئيس تحرير شبكة شام تايمز الإعلامية المحلية، هاني هاشم، لرصيف22 أن "الدعم الحكومي حق للمواطن السوري والأخطاء في تقدير المستحقين للدعم من عدمه التي تحدّث عنها الوزير عمرو سالم ليست بمحلها وغير مقبولة، ومن حق المواطن السوري ألا يغفرها سريعاً، فمن قال إن مشكلة الدعم هي المشكلة الوحيدة للسوريين اليوم؟ ومن قال إن الاعتذار الحكومي يكفي؟ ومن قال إن كل من يملك سجلاً تجارياً أو لديه سيارة قديمة استطاعتها 1600 أو 1800 cc هو لا يستحق الدعم؟، ألم يرى الوزراء حال السوريين كيف انقلبت رأساً على عقب خلال الحرب على سورية؟".
هذا أبي المقهور الذي لديه شاب شهيد وشاب من ذوي الإعاقة. رفعوا عنا دعم الخبز بسبب امتلاك سيارة من قبل الأزمة وأمنّي بأن تنتشر صورته على جميع الصفحات
بدوره، اعتبر المحامي مصطفى رستم، في تصريح لرصيف22، أن "قوننة الدعم باتت حاجة ماسة في ظل الحصار والعقوبات، وحصره يجب أن يتم وفق نظام تقنين عادل كي لا ينعكس بشكل سلبي على أصحاب الدخل المحدود وهذا ما لم نلمسه بشكل جدي حسب ردود الافعال المرصودة"، معتبراً أن الشعب الذي صمد خلال العقد المنصرم في ظل الضيق الاقتصادي، يجب على الحكومة العمل بعقلانية تامة لاستبقاء هذا الصمود لتجاوز هذه المرحلة بمراعاة أولوية الاحتياجات لديه.
وفي إطار الانتقادات التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، كتب الإعلامي في قناة سما الفضائية نزار الفرا على صفحته عبر فيسبوك: "بعد كل ما قيل وسيقال عن لا أخلاقية ولا دستورية قرار استبعاد الدعم عن فئات من المجتمع، وبعد كل ما قيل وسيقال عن خطورة تداعيات هذا القرار، وبعد كل ما قيل من القلّة عن صوابية القرار رغم تنفيذه المشوه، نعود لنسأل الذين ينظرون بالوطنية: أليست قرارات الحكومة من هذا العيار هي التي توهن العزائم والنفسيات وتجعلها بالحضيض؟".
ونشر مياس سلمان على صفحته على فيس بوك صورة والده وهو يحمل ورقة كتب عليها "تكريماً لذوي الشهداء ربطة الخبز 13 ألف"، مع تعليق كتب فيه: "هذا أبي المقهور الذي لديه شاب شهيد وشاب من ذوي الإعاقة. رفعوا عنا دعم الخبز بسبب امتلاك سيارة من قبل الأزمة وأمنّي بأن تنتشر صورته على جميع الصفحات".
جدير بالذكر، أن الحرب والعقوبات الاقتصادية، أطاحت بقدرة السوريين الشرائية، في حين تستمر محاولات الحكومة لرأب الصدع الاقتصادي الحاصل بإجراءات مختلفة ينقسم الرأي العام حول جدواها، فيما قدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في تشرين الأول/أكتوبر 2021 أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، والكثير منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين