شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"إن المتضررين من موجة الثلوج هم العمال السوريون"... ثلوج إسطنبول ثقيلة حتى تذوب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 فبراير 202202:00 م

قد يكون منظر كثبان الثلوج ببياضها الساحر مغرياً للّهو به، ولقضاء بعض الوقت خارج المنزل للترفيه عن النفس، في ظل أجواء قارصة، لكنه ليس بهذا "الشكل الملائكي"، حين يهطل ويطيل البقاء على أسطح البيوت، وفي الشوارع، وقلوب المقيمين في إسطنبول أيضاً.

"الفواتير ترتفع إلى أكثر من 50% بسبب التدفئة، لتثقل كاهل الفرد، وتزيد مصاريفه"

يُعرف عن إسطنبول غلاؤها المعيشي مقارنةً بالولايات التركية الأخرى، والكثير من العرب عامةً أو السوريين خاصةً، لا يستطيع الواحد منهم أن "يصمّد" تحت وسادته أي مال، فالمهن التي يعملون فيها غالباً هي مهن حرفية، لا تدر الكثير من الدخل، بالإضافة إلى أن الحياة متطلبة جداً واستهلاكية، ومع الاختلال الذي أصاب الليرة التركية مؤخراً مقابل الدولار، تضاعفت الإيجارات والفواتير إلى أكثر من الضعف، لهذا موسم الثلوج هذه المرة مختلف ومغاير وقاسٍ.
من خلال هذا التقرير، سنتعرّف على ما تقاسيه مجموعة من المقيمين العرب في إسطنبول تحت وطأة هطول الثلوج، التي ستأخذ وقتاً طويلاً حتى تذوب، وتختفي من ملامح الحياة اليومية.

تعطيل عام للحياة

في حديث لرصيف22، مع محمد الشامي (سوري، 28 عاماً)، الذي يعمل كمصور فوتوغرافي حر في إسطنبول، قال: "إن أكبر متضرر من موجة الثلوج الحالية، هم العمال السوريون الذين يعملون باليومية أو بالأسبوع وليس براتب شهري ثابت، فكل يوم يضطرون فيه إلى الجلوس في البيوت بسبب الثلوج، يعني أن لا راتب!".
ومحمد الذي يكافح دوماً من أجل مصدر دخل مستقر، يقول عن القطاعين العام والخاص:" القطاع العام ليس كالقطاع الخاص، فالذين يعملون في القطاع العام ملتزمون بقرارات والي إسطنبول التي تنص على العطلة، أما القطاع الخاص فالمتحكم بدوام العمل فيه يكون المدير، أو المعلم 'صاحب العمل'. في القطاع العام، الأمان الوظيفي أعلى، أما في القطاع الخاص، فالثلوج نقمة كبيرة".
وعن السبب في ذلك، يعلل: "الفواتير ترتفع إلى أكثر من 50% بسبب التدفئة، لتثقل كاهل الفرد، وتزيد مصاريفه".
من خلال هذا التقرير، سنتعرّف على ما تقاسيه مجموعة من المقيمين العرب في إسطنبول تحت وطأة هطول الثلوج، التي ستأخذ وقتاً طويلاً حتى تذوب، وتختفي من ملامح الحياة اليومية

"حد الفقر، حد الجوع"

أما رغد سلمان، 27 عاماً، سورية وأم لطفلتين، فتقول: "في العاصفة الثلجية وما سبقها من برد، كنت أتخوف من استخدام الغاز في التدفئة، ولجأت إلى استعمال الكهرباء كونها أكثر أماناً مع وجود طفلتين، ولكني فوجئت بالفاتورة تتضاعف تماماً، فهي قد ارتفعت من 350 ليرةً تركيةً (22 دولاراً أمريكياً)، إلى 750 ليرةً ( 55 دولاراً أمريكياً)".
وعن العاصفة الثلجية التي مرت بها البلاد، فزادت حدة الصقيع أكثر من المعتاد في كل شتاء سابق، تضيف: "لقد بقيت أنا وزوجي في البيت، لا نتحرك لأيام، وواجهنا صعوبةً في تأمين الاحتياجات الاستهلاكية، والذهاب لتلقي العلاج، وانقطاع التيار الكهربائي الناتج عن الأعطال، كما أن زوجي لا يعمل، فقد فُصِل من عمله بشكل تعسفي، واضطررت أنا إلى العمل في مجال التعليق الصوتي، للمساعدة في المصاريف، ولا يبلغ راتبي الحد الأدنى للأجور في الوقت الحالي، وهو نحو 4،200 ليرة (300 دولار أمريكي)، وهو مصنّف كحدّ للفقر أو الأصح كحد للجوع".

لا توصيل في الثلوج

سائق التوصيل السريع، محمد أحمد (سوري، 24 عاماً)، يعمل "ديليفري" في مطعم في إسطنبول. وفي إجابة على سؤال حول مدى تأثير عاصفة الثلوج على العمل، قال: "عندما يتصل صاحب المطعم، ويطلب عدم قدومنا اليوم بحجة أنه 'لا توصيل في الثلوج'، فهذا يعني أنه لن تتوفر 'نقود اليومية'، بل التعطيل يوماً بعد يوم، ثم يأتي صاحب البيت مطالباً بالإيجار بلا رحمة، وبلا أي تفهم للظروف، وكذلك صاحب الفواتير!".
إن "يومية" العامل في "الديلفيري"، هي بمثابة مبلغ مالي متفق عليه مع رب العمل، يتقاضاه العامل كل يوم حين تنتهي فترة عمله. عن "يوميته" يقول محمد: "أعمل في التوصيل لمدة 12 ساعةً أو أكثر، حسب شدة الطلبات، وتكون يوميتي هي 140 ليرةً (عشرة دولارات أمريكية)، فإن لم أحصل على يوميتي، فهذا معناه أني لا أملك نسبةً كبيرةً من ميزانية الإيجار الذي يبتلع أكثر نقودي، بعدما وصل إيجار البيت الذي أقطنه إلى نحو 5،000 ليرة تركية (360 دولاراً أمريكياً)، بالإضافة إلى المصاريف المعيشية".

"في العاصفة الثلجية وما سبقها من برد، كنت أتخوف من استخدام الغاز في التدفئة، ولجأت إلى استعمال الكهرباء كونها أكثر أماناً مع وجود طفلتين، ولكني فوجئت بالفاتورة تتضاعف تماماً" - رغد سلمان (27 عاماً)

ضرره "صحي، نفسي، مادي"

يوضح عبد الله غسان (فلسطيني، 30 عاماً)، الأثر السلبي الذي تسببه الثلوج للمقيمين في إسطنبول، فيقول: "شهدت مؤخراً حادثة انزلاق سيدة عراقية طاعنة في السن، كانت وحدها في البازار تشتري حاجاتها الاستهلاكية، وعندما انزلقت قدمها شُجّ رأسها أمام ناظري، هرولت أنا وآخرون لنجدتها، فوضعنا بطانيةً أسفلها، وحاولنا وقف النزيف حتى يصل الإسعاف، ومع سوء خدمات بلدية إسطنبول في هذه الفترة، فقد وصل الإسعاف بعد 50 دقيقةً تماماً، كانت المرأة قد نزفت خلالها كثيراً".
ومع طول هذا الوقت والانتظار الذي شد الأعصاب والأنفس خوفاً على حياة المرأة، يقول عبد الله: "إن حوادث الانزلاق خلال الثلوج وبعدها تكثر، ويكون صعباً أغلب الأحيان على المقيمين تلقي العلاج اللازم أو الوافي".

ويبدو أن الأمر لا يقتصر على حوادث الانزلاق التي تسببها الثلوج، بل يتعداها إلى ما هو أكثر من هذا، فيعبّر عبد الله عن المشكلات التي يتسبب بها البرد: "مع العاصفة والبرد الشديد يتعطل التيار الكهربائي، وتصليحه يستلزم أياماً، وقد يأخذ وقتاً أطول إذا كان المصلّح تركياً، وصاحب العطل عربياً، لأن اللغة ما تزال عائقاً كبيراً بين العرب والأتراك، خاصةً في جانب تلقّي الخدمات، وهذا كله يستنزف المقيم في هذه الفترة نفسياً ومادياً وصحياً".

ضغط نفسي كبير

وباستهجانٍ كبير، عبّر عمار الخضري (سوري، 23 عاماً)، من خلال مجموعة عبر فيسبوك، عن قيمة فاتورة الغاز التي وصلته هذا الشهر، وهي تتجاوز الـ900 ليرة تركية، أي ما يعادل 66 دولاراً أمريكياً، وعدّها قيمةً مضاعفةً عما دفعه الشهر الماضي.

وعلى الرغم من الحذر من موسم البرد، ومحاولة التخفيف من أثقاله، إلا أنه يجثم بطريقة ما، وعن هذا يقول عمّار: "نستخدم في البيت ثلاثة شوفاجات فقط بسبب البرد، وننتبه إلى استخدام الغاز، ومهما حاولنا التوفير في هذا البرد والثلج، تبقى الفأس في الرأس".
يبدو اليأس واضحاً، وهو يتآكل عمّار داخلياً في أثناء توضيحه لما يمر به من ظروف: "يزيد الضغط النفسي مع هطول الثلوج وازدياد حدة البرد والبقاء في البيت لفترة أكثر من المعتادة، وهذا يقابله عدم اتفاق الرواتب مع المعيشة، فراتبي 3،300 ليرة (240 دولاراً أمريكياً)، يذهب نصفه إلى إيجار البيت، وأرسل إلى أهلي بعضه، ولا يتبقّى لي إلا النذر اليسير، حتى الطعام وهو أيسر الأشياء، لا أتمتع برفاهية اختيار ما أشتهيه منه، وأكتفي بأقل القليل، فكيف مع الملابس والأغراض الشخصية".

وعن كيفية نجاته من مصاريف الشهر منتقلاً إلى الشهر الذي يليه، كمن يقفز من حفرة إلى حفرة، يقول: "لولا 'السلف' التي نقترضها منذ منتصف الشهر، ما تجاوزنا مرور الشهر، لي على هذه الحال تقريباً خمس سنوات ونصف، قضيتها عاملاً في معمل أحذية عسكرية يعود للأتراك، وقد حرمونا حتى من إجازة العاصفة الثلجية، وبقينا نعمل في صقيع الليل من دون تدفئة!".

وإن كانت العاصفة الثلجية قد غابت حيناً، فإن أشهر البرد التي تمتد من كانون الأول/ ديسمبر، وحتى نيسان/ أبريل، هي أثقل ما في السنة كلها على صدور أغلب المقيمين، لما فيها من ازدياد في الفواتير، والأعطال والمصاريف الشهرية

وبخيبة أمل من الواقع المعاش، يختم حديثه: "لا يمنحني عملي أيضاً تأميناً صحياً. وعند أي شيء يحدث لي، لن يتعرف علي أحد، كل عيشي في إسطنبول هو زحف للأيام، ومجهول يقوده مجهول آخر".
وكانت تركيا الأسبوع الماضي، قد مرت بعاصفة ثلجية بدت آثارها كارثيةً على مدينة إسطنبول، فتعطلت الطرقات العامة، وأُغلقت الطرق الفرعية، ومُنعت المواصلات الخاصة، وبقي الناس في بيوتهم، بينما ارتبك أداء بلدية إسطنبول في هذه الأزمة، وهو ما انعكس على معاناة أغلب الناس عامةً، والمقيمين خاصةً. وإن ذابت ثلوج إسطنبول، فظلالها لا تذوب عن قلوب المقيمين فيها.

وإن كانت العاصفة الثلجية قد غابت حيناً، فإن أشهر البرد التي تمتد من كانون الأول/ ديسمبر، وحتى نيسان/ أبريل، هي أثقل ما في السنة كلها على صدور أغلب المقيمين، لما فيها من ازدياد في الفواتير، والأعطال والمصاريف الشهرية، ومما يتبع هذا من ضغوط نفسية طاحنة، تزداد هذا العام ويتضاعف حجمها مع ارتفاع إيجارات البيوت وغلاء المعيشة والفروقات المتقلبة بين سعر الليرة والدولار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard