لم تشهد المواقع الصحافية والقنوات التلفزيونية المصرية ترداداً لاسم الكاتب الصحافي الشهير، ياسر رزق، كما جرى خلال الأيام الماضية، بمناسبة إصدار كتابه اللافت "سنوات الخماسين... بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، الذي يوثق أحداث فترة صاخبة في تاريخ مصر بين عامي 2011 و2013، من وجهة نظر مؤلفه القريب من دوائر اتخاذ القرار في الدولة، وصاحب الخطوة الصحافية الأهم في التدشين الإعلامي لرئيس البلاد الحالي.
وبينما لم تفتر طاقة رزق عن مناقشة مؤلفه الجديد الذي كان جزءاً أول من ثلاثية يعتزم إصدارها تحت عنوان "الجمهورية الثانية"، كان للموت كلمة أخيرة أنهت مشواره الصحافي الثري في الساعات الأولى من صباح اليوم، الأربعاء 26 يناير/ كانون الثاني، إثر أزمة قلبية مفاجئة، ليتصدر اسمه عناوين الأخبار، لكن هذه المرة مصحوباً بعبارات الوداع والتعزية.
ياسر رزق هو ابن محافظة الإسماعيلية، شمال شرقي مصر. ولد فيها عام 1965، والتحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1986. وبينما كان طالباً في الفرقة الأولى بالكلية، اتخذ من الصحيفة القومية "الأخبار" بيتاً له، فتنقل بين أقسامها حتى صار محرراً عسكرياً، ثم مندوباً للصحفية في رئاسة الجمهورية حتى عام 2005، الذي شهد توليه منصب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون مدة ست سنوات، عاد بعدها إلى مؤسسة "أخبار اليوم" مرة أخرى، رئيساً لتحرير صحيفتها اليومية.
بينما لم تفتر طاقة رزق عن مناقشة مؤلفه الجديد الذي كان جزءاً أول من ثلاثية يعتزم إصدارها تحت عنوان "الجمهورية الثانية"، كان للموت كلمة أخيرة أنهت مشواره الصحافي الثري
لكنه عام 2012 انتقل إلى الصحافة الخاصة والمستقلة بعدما اختاره مجلس أمناء مؤسسة "المصري"، رئيساً لتحرير صحيفتها اليومية الصادرة باسم "المصري اليوم"، وذلك بعد إطاحته من مؤسسة "الأخبار" على يد المجلس الأعلى للصحافة عقب وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، إذ كان ياسر رزق يهاجمهم بشدة منذ وصولهم للسلطة حتى رحيلهم. وبعد سنة وثلاثة أشهر، عاد رزق إلى "الأخبار" رئيساً لمجلس إدارة "أخبار اليوم".
إضافة إلى هذا، تمكن ياسر رزق من الحصول على حوار صحافي مع وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران وعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، تحدث فيه عن علاقة المؤسسة العسكرية بالجماعة خلال فترة حكمها مصر، وكيف قرأ السيسي عقل مرسي. وهو الحوار الذي ينظر إليه باعتباره الخطوة الإعلامية الأهم في مشوار تدشين وزير الدفاع الأسبق سياسياً كرئيس منتظر للجمهورية.
الخبرات الصحافية التي اكتسبها زرق خلال مسيرة عمرها أكثر من 30 عاماً في مواقع شديدة الحساسية في المؤسسة العسكرية والرئاسية ومؤسسات قومية خلال فترة دقيقة في تاريخ مصر، منذ نهاية عصر الرئيس الراحل حسني مبارك حتى ثورتي يناير ويونيو، جعلته قريباً من التفاصيل التي لا يعرفها الجميع، وخولته كتابة شهادته في كتابه الجديد الذي أصدر الجزء الأول منه أخيراً، ولم يمهله القدر لإتمام الثلاثية.
مهندس الجمهورية الجديدة
في 15 تموز/ يوليو 2021، ألقو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلمته في المؤتمر الأول للمشروع القومي "حياة كريمة" لتحسين مستوى الحياة للفئات الاجتماعية الأكثر احتياجاً، معلناً انطلاق المشروع، ومعتبراً هذا اليوم تدشيناً لما أسماه "الجمهورية المصرية الجديدة" القائمة بثبات على مفهوم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، والتي تمتلك قدرات شاملة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتُعلي مفهوم المواطنة وقبول الآخر، وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، وتتطلع إلى تنمية سياسية تحقق حيوية للمجتمع المصري قائمة على ترسيخ مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
التقط زرق من كلمة الرئيس عنواناً لمقاله الذي نشره في بوابة "أخبار اليوم" في تشرين الأول/ أكتوبر 2021: "الجمهورية الثانية التي نريدها"، قسّم فيه تاريخ الجمهورية المصرية قسمين، الجمهورية الأولى، التي قامت في 18 حزيران/ يونيو عام 1953، على أنقاض النظام الملكي لأسرة محمد علي، قبل مضي عام على ثورة 23 تموز/يوليو 1952 وانتهت بسقوط نظام مبارك في 11 شباط/ فبراير 2011، والجمهورية الثانية تأسست على شرعية ثورة 30 يونيو عام 2013 ومشروعية بيان الثالث من يوليو من نفس العام، لكن أعلنها الرئيس المصري بعد قرابة ثماني سنوات من العمل.
التقط رزق من كلمة السيسي عنواناً لمقال نشره في "أخبار اليوم"، ممارساً دوره في الترويج والتأصيل لأحلام الرئيس من أجل مصر، ليبيت مصطلح "الجمهورية الجديدة" هو العنوان الإعلامي الأبرز في مصر
أما الفترة الممتدة بين شباط/ فبراير 2011 وحزيران/ يونيو 2013 فقال: "خلال هذه الفترة دفنت الأحلام وذبحت الآمال، إذ باع الإخوان المسلمون الوهم للجماهير وقفزوا من طريق الخديعة إلى سلطة الحكم في غيبة الوعي وغياب الرؤية، وصارت دولتهم نقيضاً للدولة المدنية وعدواً للحداثة وخصماً للديمقراطية".
وقبل أيام عدة، أصدر رزق كتابه "سنوات الخماسين... بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، متضمناً رصداً للأحداث منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حتى ثورة 30 يونيو 2013، إضافة إلى معلومات ومواقف يكشف عنها للمرة الأولى من موقع الشاهد بحكم قربه من دوائر صناعة القرار.
وكان ما قاله رزق في مقاله "الجمهورية الثانية التي نريدها" تلخيصاً لما حواه كتابه الذي تناول مقدمات ومجريات ثورة يناير التي رأى أنها أسقطت الجمهورية الأولى، ثم الفترة الانتقالية التي تولى فيها الحكم المجلسُ العسكري وفترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. كما ألقى الضوء على بعض المواقف والمشاهد المهمة عندما كان الرئيس عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع حتى قيام ثورة 30 حزيران/ يونيو 2013.
وفي مقدمة كتابه، كتب رزق الإهداء الآتي: "إلى شعب عظيم لا يرضخ لظلم ولا ينحني لعاصفة ولا يركع إلا لرب العباد. إلى أجيال آتية، هذه ملامح من قصة آبائكم في زمن عصيب، ولمحات من حكاية وطنكم في حقبة فاصلة، عساها تنير لكم طريقاً، وتعبد درباً، وأنتم تشيدون مجداً جديداً معطراً بعظمة تاريخ".
لم يكمل ياسر رزق ثلاثيته "الجمهورية الثانية"، اكتفى بسنوات الخماسين ورحل
وقال رزق إن كتابه ليس محاولة لكتابة تاريخ: "إنما محاولة لقراءة حاضر، علنا نهتدي بها عند مفارق طرق قد تقابلنا في المستقبل، فلا يمكنك أن تؤرخ لأحداث ماض قريب، بينما هي تنبض وتتحرك وتتفاعل، أو هي ما زالت تدمي وتؤثر، لكن يمكنك أن ترصد مجريات أمور تثري، بعد أن تنقضي مسبباتها وتفتش عن جذورها، ليس هذا أوان التاريخ لما جرى في مصر في العقد الثاني من الألفية الجديدة، الذي أعتبره أكثر الحقبات صعوبة وتقلبات، وأشدها جزراً ومداً في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ربما يحين الأوان عندما تكتمل مكونات "البازل" المصري في ذلك المنعطف غير المسبوق أمام من يتصدى لمسؤولية التاريخ".
وبينما لم يكمل ياسر رزق ثلاثيته "الجمهورية الثانية"، اكتفى بسنوات الخماسين ورحل.
ليس صحافياً وحسب
"الكثير من المعلومات عن الثورتين لا تزال مجهولة عند أفراد الشعب العاديين"، قال ياسر رزق، لكنه تحدث عن بعضها لدى مناقشة كتابه "سنوات الخماسين" في دار الأوبرا في 16 كانون الثاني/ يناير الجاري بحضور عدد من القنوات التلفزيونية، ومما قاله في الندوة: "إن الرئيس السيسي لم يكن ينوي الترشح للرئاسة بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران، بل كان بصدد إصدار بيان يعلن فيه رغبته في عدم الترشح". كما تحدث عن جماعة الإخوان المسلمين "وأفقها الضيق الذي لم يستوعب معنى الدولة". ورأى أن توتر علاقتها بالمؤسسة العسكرية كان بمثابة انتحار سياسي لنظامها. وفتح كوة على كواليس ذات صلة بكالمؤسسات العسكرية والسيطرة على المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
بعد كل هذه المسيرة لم يكن مستغرباً أن تنعى غالبيةُ مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القيادة العادة للقوات المسلحة، ياسر رزق: "تنعي القيادة العامة العامة للقوات المسلحة أحد رموز الصحافة المصرية الكتاب الصحافي الكبير ياسر رزق، الرئيس الأسبق لمجلس إدارة "أخبار اليوم"، الذي لطالما خط بقلمه وسجلت كتاباته في حب مصر وجيشها بحروف من نور".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين