شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أخيراً... الجزائر تسمع صوت الصُم بعد 60 عاماً من الاستقلال

أخيراً... الجزائر تسمع صوت الصُم بعد 60 عاماً من الاستقلال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 20 يناير 202204:10 م

بعد سنوات من التجاهل والنبذ، خطا أصحاب الهمم في الجزائر خطوةً مهمةً في مسار التعليم الصحيح.

ففي سابقة هي الأولى من نوعها، تتجه السلطات الجزائرية نحو تشييد أول مدرسة وطنية عليا لفئة الصم والبكم، مع نهاية 2022، استجابةً لتعليمات الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الذي أمر بالتكفل بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة.

من النقاط التي تُحسب للرئيس تبون، اهتمامه الجلي بالصم والبكم، المغبون حقهم في الجزائر، فما أن بلغ الرجل سدة الحكم، حتى قرر منحهم التجهيزات التي استعملها لإدارة حملته الانتخابية، ثم خصّهم في نيسان/ أبريل 2021، بلقاء رسمي في مقر رئاسة الجمهورية، في إطار المشاورات التي أجراها مع ممثلي المجتمع المدني. وهو اللقاء الذي أسفر عن مشروع تدشين المدرسة العُليا للصم والبكم، في نهاية العام الجاري، التي ستشرفُ على تكوين أساتذة الثانوي والمتوسط والابتدائي، للصم والبكم.

من النقاط التي تُحسب للرئيس تبون، اهتمامه الجلي بالصم والبكم، المغبون حقهم في الجزائر، فما أن بلغ الرجل سدة الحكم، حتى قرر منحهم التجهيزات التي استعملها لإدارة حملته الانتخابية

وعلى الرغم من أن أعداد أصحاب الهمم في الجزائر لا يمكن رصدها بدقة، إلا أن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة حقوقية غير حكومية)، أشارت في أحد تقاريرها إلى وجود  قرابة 80 ألف شخص من أصحاب الهمم من الصم والبكم في البلاد، في حين صرح وزير التضامن الوطني السابق، جمال ولد عباس، في آذار/ مارس 2009، بأن عدد المعاقين سمعياً في الجزائر، يتجاوز 71 ألف شخص، وصرح حينها ​​بأن الوزارة تعتزم إقامة مدارس متخصصة لصغار الصم، في كل ولاية على الأقل... وهو ما لم يحدث بالطبع.

لكن بعيداً عن تباين الأرقام، وتبخّر الوعود الزائفة، الثابت هنا هو أننا نتحدث عن فئة كبيرة من المستفيدين من تلك المدرسة.

معوقات الاندماج الاجتماعي

إحدى العقبات الصعبة في وجه من يعانون من إعاقة سمعية في الجزائر، هي افتقار المدارس إلى مترجمي لغة الإشارة. ولا يقتصرُ هذا الوضع على المؤسسات التربوية فحسب، بل يشمل كذلك المؤسسات المهمة، مثل المستشفيات والمحاكم والبلديات، وحتى مراكز الأمن، فهي تفتقر إلى أشخاص يتقنون لغة هذه الفئة.

تحدّثنا الخالة فطيمة، والدة كمال (شاب جزائري في العقد  الرابع من عمره)، عن تلك النقطة تحديداً، فتقول: يُعاني ابنه، مثله مثل معظم الصم والبكم في الجزائر، من صعوبات كبيرة في الاندماج الاجتماعي، ويعود ذلك لانعدام لغة التواصل في ظل ندرة مترجمي لغة الإشارة.

تسترسل فطيمة وتقول: تلك الإشكالية أجبرت ابني على تغيير مساره، والتخلي عن خططه وطموحاته، ليبقى طوال عمره فلاحاً في المزارع.

رئيسة الفيدرالية الجزائرية لذوي الاحتياجات الخاصة المعنية بالعمل على دمج المعاقين في المجتمع، عتيقة عمري، تحدثت إلى رصيف22، قائلةً: للأسف هناك تعامل غير عادل مع المعاقين في الجزائر، على أصعدة مختلفة، بدءاً من وضعهم التعليمي، انتهاءً بحقوقهم السياسية.
تدلل عمري على حديثها بما حدث في الانتخابات البرلمانية التي جرى تنظيمها يوم 12 حزيران/ يونيو الماضي، وتقول: عانت الغالبية من ذوي الهمم، من غياب التجهيزات الخاصة الملائمة لهم، على الرغم من أننا نتحدث هنا عن الحدث الوطني الأهم في البلاد، ومع ذلك تم تهميشهم وتجاهلهم.

ومضات غير كافية

إحدى المحاولات الناجحة لاستيعاب الصمّ والبكم في المجتمع الجزائري، وإيجاد فرصة عمل ملائمة لهم، تمت عبر برنامج دعم التنمية المستدامة والنشاطات الاجتماعية في شمال الجزائر وغربها، وهو البرنامج الذي وصلت تكلفته الإجمالية إلى 44 مليون يورو، نصفهم مساهمة من الاتحاد الأوروبي.

نجح البرنامج بالفعل في تدريب 23 شاباً من الصمّ والبكم على تربية النحل، وساهم في خلق مشاريعهم الخاصة، في تجارب شديدة التميّز في ولاية تيارت، لكنها تظلّ غير كافية لملء فراغ احتياجات المعاقين سمعياً في الجزائر.

أم أحمد من مدينة براقي، تفتح معنا ملف الدعم المالي الذي تتلقاه أسر ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقول: أحمد ابني لم يبلغ العاشرة من عمره بعد، وقد شاءت الأقدار أن يولد أصمَّ وأبكمَ بالفطرة. تستطرد الأم قائلةً: الدعم المادي الذي تستفيد منه هذه الفئة ضعيف للغاية، فنحن نحصل شهرياً على منحة تتجاوز الثلاثة آلاف دينار شهرياً، وهو مبلغ لا يغطّي إطلاقاً احتياجات أبنائنا الصحية، فعلى سبيل المثال لا الحصر -والحديث ما زال لأم أحمد- عملية زرع الصمام الواحد في الأذن تكلف الشخص المُعاق مبلغاً مالياً يتراوح بين 200 و250 مليون سنتيم، وطبعاً تضاف إليها تكاليف الجراحة، وتكاليف المتابعة النفسية، وتصويب النطق كذلك.

إعاقات متزايدة

وفي الوقت الذي تعاني فيه الجزائر من انخفاض الموارد والعجر المالي، شهدت البلاد في السنوات الأخيرة، ازدياداً في اعداد المصابين بالصمم والبكم.

الباحثة في علم الاجتماع العائلي، صارة زقاد، تحدثت إلى رصيف22، قائلةً إن ارتفاع نسبة الإعاقة في الجزائر، اضطر الهيئات العليا في البلاد إلى اتخاذ إجراءات تسمح باندماج هذه الفئة اندماجاً مقبولاً في المجتمع، عبر فتح أقسام خاصة لهم في المدارس الحكومية.

"لكن للأسف -والحديث لزقاد- حدث تراجع في عدد تلك الأقسام في المدارس، كما أغلقت مدارس أخرى هذه الأقسام نهائياً، وذلك لنقص الإمكانات، فضلاً عن نقص المربّين المتخصصين، ما زاد من تفاقم الوضع وتدهوره في الجزائر، لنجد أن بعض الجمعيات والمراكز الخاصة تحملت هذه المسؤولية، بمساعدةٍ من وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة الجزائرية".

بين عتمه العجز، وظلم التجاهل، يقف المعاقون سمعياً في الجزائر، في مربع شديد القسوة، متلهفين لأي بارقه أمل تلوح لهم في الأفق، تسهّل حياتهم وحياة ذويهم

وتعتقد المرشدة التربوية بأن الخلل يكمن في البرامج، وفي المنهاج الدراسي الخاص بفئة الصم والبكم، التي تحتاج إلى تعليم متخصص يعتمد على لغة الإشارة الموحدة عالمياً.

وتختم زقاد حديثها قائلةً: نتيجة العجز الحادث في الجزائر، يضطر أغلب الأولياء إلى توجيه أطفالهم من فئة الصم والبكم، نحو اكتساب مهارات وحِرف تحدّ من قدراتهم العقلية، وتوجههم إلى استعمال القدرات البدنية والنشاط الفيزيائي، على الرغم من أنهم قادرون على مزاولة دراستهم، لو توفرت الشروط المناسبة لتعليمهم.

بين عتمه العجز، وظلم التجاهل، يقف المعاقون سمعياً في الجزائر، في مربع شديد القسوة، متلهفين لأي بارقه أمل تلوح لهم في الأفق، تسهّل حياتهم وحياة ذويهم، آملين أن يكون قرار تبون بافتتاح مدرسة وطنية عليا لفئة الصم والبكم، خطوةً في المسار الصحيح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard