شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أمي تُكبّر في الكنيسة وأنا أحاور يهودياً في القدس…

أمي تُكبّر في الكنيسة وأنا أحاور يهودياً في القدس…

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 22 يناير 202201:26 م

الخارج إلى الضوء

مجاز جديد من تدبير أحمد شهاب الدين


انخرطتُ في عالم الأحلام عندما أصبح لي روتيناً يتضمن يومياً نصف ساعة على الأقل بعد الاستيقاظ، أسرد فيها لصديقي ما حلمته باليوم الفائت.

نتحاور سوياً حول كل الدلالات المفترضة التي يمكن أن يحملها ذلك الحلم، وهل هو مجرد حلم اعتباطي أم رسالة مشفّرة نسعى خلال دقائق، وربما ساعات لفكّها وحلها؟

بات شغفي اليوم اكتشاف ما تمثله لغة الأحلام الخاصة بي، والرموز والشفرات التي يُرسلها لي عقلي الباطن عن أحداث يومية أو مخاوف أو هواجس، أو ربما إنذارات من أشياء مستقبلية أو عبّرت بشكل مختلف عن أفكار نشأت عليها تخالف ما أعتنقه الآن.

يحاول صديقي أن يقنعني بأن أحلامي هي تعبير أدبي وأسطوري عن حياتي الخاصة، لا بل عن حياة جيلي ومن يشبهنني، فعلاً؟!

أما أنا، فأجد إحساساً قوياً بحلمي، يدفعني للدوار حول ماهية الحلم والواقع، وأجدني أقتبس هنا ما قاله شاعر صيني: "حلمت في الليلة الفائتة أنني كنت فراشة، والآن لم أعد أدري ما إذا كنت رجلاً أبصر حلماً رأى نفسه فيه فراشة، أم فراشة ربما كانت تحلم الآن بأنها رجل".

سأسرد لكم بعضاً من أحلامي، علكم/نّ تساعدوني في الإجابة عن سؤالي الذي أثاره فيّ صديقي: هل فعلاً تعبر عني وعمن يشبهنني بشكل أسطوري وأدبي؟

الحلم الأول: أسطورة المرأة الخائفة

الحديث عن الأحلام، ربما يشمل أمنياتك في المستقبل، لكني أتحدث عن ذلك الواقع الآخر، والبعد المختلف من العالم، الذي ربما تتحول فيه إلى فيل يشعر بالأسى لكونه "سمباتيك" رقيق، ووديع، وضئيل الحجم، ويتم استهدافه من كافة حيوانات الغابة، وهذا كان إحدى أحلامي الكوميدية المتكررة.

مررت بظروف اجتماعية ونفسية مُلخبطة ومتخبّطة، منذ سنوات طوال، ناجمة عن استقلالي عن بيت العائلة، والأزمات المالية التي أغرق بها من آن لآخر، لكن حلمي ذا الرموز القوية كان واضحاً، للدرجة التي جعلت طبيبتي النفسية تقول لي: "لم أسمع حلماً واضحاً بهذا الشكل من قبل".

رأيت أنني في بيت واسع، يشبه القصر، منصوب على تلة مرتفعة عن المدينة، ومن تحته الخضرة والزرع، وأنا أخرج منه في هيئة أنثى كاملة، وأنيقة، وعندما خرجتُ لم يعترضني أحد، ولم أخرج مهانة.

عندما نزلت من التلة، الخضرة تتحول شيئاً فشيئاً إلى اصفرار، ليمسي المكان صحراء جرداء، ثم يستحيل المشهد إلى الارتباك والفوضى حتى أجدني في أسفل الطريق تماماً، أمامي بيوت ضيقة جداً، ملاصقة لبعضها، مغبرة، "مطيّنة"، وأنا أتحول إلى رجل وليس أي رجل عادي، بل رجل متسول بملابس بالية، رثة، أنزوي في أحد أركان المدينة، التي يرفضني أهلها ويطردوني منها كلما رأوني أسير بها.

تسألني طبيبتي ممّ أخاف؟

الفقر، أخاف أن أكون فقيرة ووحيدة.

ربما تكون هناك فتاة أخرى في بلد آخر، حلمت نفس الحلم، فمن غير المستبعد أن نكون فتيات بالعشرات وربما الآلاف أو المئات، حلمنا حلماً له نفس الرؤية، ما كان إلا انعكاساً عن واقع عشناه ونعيشه.

بداية من تحديات يفرضها علينا الاستقلال عن بيت العائلة، وتركه بالخير الوفير إلى ما نواجهه بمفردنا، العيش بالكفاف أو المشاكل التي قد تعترض أمننا وسلامنا، وأبرزها الاستقرار المادي.

بعد قراءتي لكتاب "اللغة المنسية في الأحلام" لإريك فروم، باتت نظرتي تتضح شيئاً فشيئاً في تفسير الرموز القوية، التي ليست غريبة على لغة الأساطير، مما ذكره الكاتب وغيره من المتبحّرين في هذا الفن، وأبرزهم كارل يونغ تلميذ فرويد.

فوجئت بأني بت أعرف بعضاً من دلالات أحلامي، وأربطها بما أعيشه من واقع مختلف الأبعاد في أحلامي.

وبالعودة إلى الحلم السابق، أجد أن هناك تفسيرات متعددة، فإذا نظرت إلى التفسير الفرويدي فربما كان خوفاً داخلياً لدي منذ الطفولة، من البعد عن العائلة أو أمنية أن أتحول لرجل.

ربما أراد عقلي أن يحميني من أمنيات لا عقلانية، كوّن صورة لي أتحول بها إلى رجل مشرد، وحيد، ومنبوذ، أما تفسير إريك فروم، فسيقول إن ما رأيته هو انعكاس لتجربة واعية حقيقية، لكن العقل الباطن حولها لرموز من نوع خاص.

حتى أتعايش في القاهرة بمفردي، كان عليّ أن أنسلخ من جذوري ذات الخير الوفير في حضن العائلة، لأصبح مستقلة أواجه صروف الحياة وحدي، ثم كان عليّ أن أصبح كما الرجال، وكما يقول العقل الجمعي الباطني عن الرجل أنه المتحمل للمسؤولية، وأنه الذي يعمل، ينفق ويدبر الأمور للبيت.

اضطررت أن أقوم أنا بدور "الرجل" لحياتي التي يخبرني عقلي اللاواعي أنني كما لو كنت نسيت "أنوثتي" في خضم ما يحدث.

أما كارل يونغ فسيقول إن الأنيموس، وهو الصورة الأخرى الذكرية مني، قد ظهرت في شكل سيء وقبيح كرد فعل على الانسلاخ من العائلة، حتى لا أغرق في توهمات تدفعني إلى تخيل الحياة كرجل، فلا أعرف فتاة لم تتمن يوماً أن تولد رجلاً، حتى لا نعاني ما نعانيه في حياتنا.

 لا أحب أن أغرق في توهمات تدفعني إلى تخيل الحياة كرجل، فلا أعرف فتاة لم تتمن يوماً أن تولد رجلاً، حتى لا نعاني ما نعانيه في حياتنا... مجاز في رصيف22

رغبتي الدفينة في أن أصبح رجلاً، اتحدت مع ما فرضته علي الظروف، أن أتحول ظاهرياً في تصرفاتي وأفعالي إلى رجل، رجل أثقلته مسؤولية الاستقلال عن العائلة وخيرها وما تتمتع به الحياة معهم من مميزات.

الغريب، والذي أثار ضيقي تماماً، حينما بحثت عن تفسير ابن سيرين، مفسّر الفقهاء الأشهر، حول الحلم، وجدت فارقاً بين أن تحلم المرأة أنها تتحول إلى الرجل والعكس، قرأت أن الرجل الذي يتحول إلى امرأة في الحلم فإن ذلك يشير إلى الخضوع والذل والحقارة، وإلى تراجع مستواه الاجتماعي، وقد يصيبه بلاء في نفسه، فإن عاد الى حالته الطبيعية في الحلم، سلم ونجا.

أما المرأة إذا رأت في المنام، كأنها رجل، وتجامع النساء، وتتزوج بامرأة، فإنها تصيب خيراً وعزاً وشرفاً ومكانة.

وتساءلت: هل هذا يستقيم؟ هل تقبلن جداتي العربيات والمُسلِمات في العصور الغابرة هذه التفسيرات باعتبارها مسلّمات، ونقلنها إلى مشاعري بنفسي كامرأة؟

الحلم الثاني: عندما أدت أمي صلاة الجمعة في الكنيسة

رأيتني بصحبة أمي – رحمها الله- في مكان واسع مكتظ بآلاف من البشر، والحركة داخله ليست انسيابية بل تحتاج إلى جهد جهيد، لكن كل هؤلاء كانوا مسيحيين، يجتمعون ربما لسماع إحدى العظات في مكان مفتوح، أشبه بالساحات المفتوحة التي يصلي فيها المسلمون، الجمعة.

ما كان من أمي التي كانت ترتدي الأسود، إلا أن رفعت يديها بمحاذاة وجهها، وبدأت في إقامة الصلاة، قائلة: "الله أكبر"، صُدمتُ، وحاولت حلّ المسألة سريعاً، أخفضت يد أمي بسرعة، وأخبرتها "ليس هنا، ليس هنا"، وحاولنا الهرب سوياً من وسط الجموع.

كان خوفاً كبيراً يجتاحني وقتها، ربما أن يجهزوا علينا، فنحن كنا محاصرين تماماً من كافة الجهات، وإذا بادروا بضربنا مثلاً فسنموت، كان الهرب ضرورة حتمية لإنقاذ حياتنا.

طوال الحلم وأنا أحاول التسلل من بين الجموع، يميناً ويساراً، وأصعد سلالم وأهبط إلى الساحة، كل هذا وأنا ممسكة بيد أمي، أدعو الله ألا يلحظ أحد أننا مسلمون، ثم وصلنا إلى منتصف الساعة، والتي كان بها ما يشبه البئر لكن لم نتوقف، كانت أمي مستسلمة لي ولتدبير هروبنا، تماماً كما كانت مستسلمة لي في حياتها عندما أدبر نزهة لنا أو فسحة.

رغم الخوف الذي اعتراني في الحلم، ومحاولات الهروب إلا أني لم أشعر أنني في كابوس، كان حلماً غريباً ذا رموز قوية، تحتاج إلى التفسير.

أخبرت صديقتي به، فقالت أول ما قالت مستلهمة تفاسير أصحاب النظرة الدينية إن رؤية المسيحيين في الحلم هي "نصرة". في الواقع لا أعلم حقيقة الأمر، هل هو حقاً يمكن أن يكون تفسيره كذلك أم لا؟

بالطبع عدت لابن سيرين، فقرأت تفسيره لرؤية المسيحيين في المنام بأنها إشارة إلى الانتفاع والخير والبركة، ومعنى "النصارى أو النصرانيين" تدل على النصر والظفر من الأعداء.

لكن كان من الغريب ما ظهر في اليوم التالي للحلم، حينما هاتفتني صديقة لتطلب مني الظهور على الهواء مباشرة في قناة مصرية مسيحية، أتحدث خلالها عن تغطيتي لقضايا المرأة، رابط غريب أليس كذلك؟

عدت أحاول أن أرى حلمي بعيون يونغ، ربما سيفترض أن ما نتغذى عليه في وعينا منذ طفولتنا أن المسيحيين كفرة، وغير مؤمنين بالله، ويقولون إن الله "ثالث ثلاثة"، وأنهم يظهرون لنا المودة لكن في باطنهم ربما يجهزون علينا لو استطاعوا.

كان دخولي للقدس صعباً، واحتاج ترتيباً كبيراً مسبقاً، وخشيت في الحلم أن أضيع هذا المجهود بسبب هفوة قد تصدر من شقيقتي المؤمنة...مجاز في رصيف22

ربما سيقول إن تلك الصورة هي قديمة داخلي، وربما أقدم من عمري أنا شخصياً، مترسّخة في العقل الجمعي لعائلتي، جعلت الخوف يدبّ داخلي عندما وجدنا أنفسنا محاطين بالمسيحيين، في مكان يخصّهم، وأننا أمام مشكلة، وهي أن أمي تريد الصلاة حالاً، وأنها أعلنت عن هويتها وسطهم.

لكن ربما يساعدني إريك فروم على فهم مدلولات الحلم الظاهرية، فهو يعتبر أن الأحلام تعبيراً عن قوى لا عقلانية بدائية، تقيم في دواخلنا.

وقد يقول لي فروم أيضاً إنه قد يكون هناك حادث وقع أثّر على العقل اللاواعي، حينما شاهدت قبل أيام من الحلم، منشوراً لصديقة، تقول إن من غرائب القدر أننا ربما كمسلمات نجد رجلاً مناسباً لنا، لكنه لسوء حظنا يكون مسيحياً، وهو الأمر الذي يجعل الارتباط مستحيلاً، وأمر بات يتكرر مع صديقات كثر هذه الآونة، ومجرد التفكير فيه بصوت عال سيخلق اللعنات والويلات والتكفيرات لصحاب/تها لأن مجتمعنا يدين و"يحرّم" ارتباط المسلمين/ات بالمسيحيين/ات.

الحلم الثالث: تفاصيل منسية

رغم أنه حلم لا يختلف كثيراً عن سابقه، لكن نسيانه كان أهم من تفاصيله، ولا أعلم لماذا اختار عقلي نسيان تفاصيل حلم بهذه القوة، واضطررت لمهاتفة صديقي لتذكر تفاصيل الحلم، لكن كلانا فشل في تذكره كاملاً.

كل ما أتذكره أنني وشقيقتي في مكان أشبه بالقدس – قمت فعلاً بزيارتها في عام 2016- وأن المكان يعجّ باليهود، وأنني خائفة ألا تخطئ شقيقتي بشيء وقتها قد يثير الشكوك فينا أننا مسلمون ومصريون، ربما نكون مخفيين؟

لا أعلم ولا أتذكر. كل ما أذكره أنني أردتها أن تزور تلك المدينة معي مثل زيارتها لمكة، زارتها قبل عام مضى.

كل ما أتذكره وربما يجد مكانه للتفسير أنني أردت أن أعبر لشقيقتي وربما لعائلتي أو للمقربين مني أن زيارة القدس قد تكون مثل زيارة مكة، على الأقل زيارة القدس هو دعم للفلسطينيين في نضالهم، لكن زيارة مكة ربما لا تكون بهذه الفائدة، فما هو مترسّخ داخلي أنها زيارة عادية وتأدية سهلة لطقوس قد تتكرر، أما زيارة القدس فهي واحدة ولا تتكرر.

والأمر أن دخولي للقدس كان صعباً، واحتاج ترتيباً كبيراً مسبقاً، وخشيت في الحلم أن أضيع هذا المجهود بسبب هفوة قد تصدر من شقيقتي.

الغريب، أنني عندما عدت لابن سيرين، إذ يعتبر رؤية اليهود في المنام هي دليل على التوفير الشامل والخير، كما تدل على صلاح الحالم وتوبته المخلصة، خاصة إذا تجنب الكثير من الذنوب والخطايا.

كم غريبة هي أحلامي، وكم غريبة تفسيرات ابن سيرين، والأغرب منهما تأويلات فروم وفرويد ويونغ النفسية.

ولكن، هل يمكن أن تعتبروا/ن أحلامي تعبيراً أدبياً وأسطورياً لحالنا كما يحاول صديقي إقناعي؟ 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image