شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"بيلا تشاو" منتدى شباب العالم في مصر: هدفٌ رائع، لكنه في مرمانا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 12 يناير 202211:24 ص

"هدف رائع لكنه في مرمانا"

الجملة الساخرة التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية، أمس، بعد انتشار مقطع من منتدى شباب العالم المنعقد الآن، فيه تؤدي فرقة استعراضية أغنية "بيلا تشاو" الإيطالية، على المسرح، أمام ممثلي الدولة وحاضري المؤتمر، في أداء فخم تظهر جليةً تكلفته الباهظة.

فلماذا كان هذا الأداء، على الرغم من روعته، في "مرماهم"؟

مؤتمرات الشباب في مصر، لمن لا يعلم، هي تقليد بدأته السلطة في مصر عام 2016، في شرم الشيخ، في محاولة لرسم صورة مشرقة لعلاقة الدولة بالشباب.

مؤتمرات الشباب في مصر، لمن لا يعلم، هي تقليد بدأته السلطة في مصر عام 2016، في شرم الشيخ، في محاولة لرسم صورة مشرقة لعلاقة الدولة بالشباب، تحتوي على مجموعة من الفعاليات والعروض، وتحضرها في الغالب عيّنة من الشباب الـ"نموذجي" الناجح البعيد عن السياسة أتمّ البعد، مع مجموعة منتقاة من "شباب الأحزاب" الملتحفين بأستار السلطة، رغبةً في تأمين مناصب قيادية في مكاتب بعض الوزراء، مع ملف أمني ناصع يلمع.

تطورت المؤتمرات بإضافة حدث سنوي إليها، يُسمّى منتدى شباب العالم، تأتي فيه نخبة من الشباب من أنحاء العالم لحضور المؤتمر وفعالياته المتنوعة، كي يعودوا إلى بلادهم حاملين صورةً بديعةً عن مصر، وشبابها، واحتواء النظام لهم، صورة لا تشمل قطعاً ساكني الزنازين الضائعة أعمارهم وراء القضبان، لتعبيرهم عن رأي، أو لمخالفتهم للتوجه السياسي المعتمد.

أما أغنية بيلا تشاو، وهي أغنية ثورية من الفولكلور الإيطالي، فيرجع أصلها إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين ابتدعها العمال والمزارعون الإيطاليون في حقول الأرز، اعتراضاً على ظروف العمل القاسية التي كانت تقسم ظهورهم.

تطورت الأغنية، وتغيرت كلماتها لنسخ عدة، حتى تم إحياؤها بقوة خلال الحرب العالمية الثانية، مع حركة المقاومة المسلحة اليسارية ضد موسوليني، والتي ضمت أطيافاً من الأناركيين والشيوعيين وكارهي الفاشية، فامتلأت كلماتها بمدح النضال، وتمجيد المقاومة المسلحة، ومن يومها صارت رمزاً مرتبطاً بالنضال والمقاومة من أجل الحرية حول العالم.

 الرمزية في المشهد تستحق التأمل: مؤتمر مصنوع صناعةً من الدولة التي يقبع كل من يمسّ الثورة، من شبابها، في السجن، أو في المنفى... يجلس ممثلوها أمام المسرح فاغرين أفواههم، ومصفقين على ألحان أغنية ثورية خُلقت خصيصاً لمقاومة أشباههم في شتى أنحاء العالم

فكيف وصلت أغنية بيلا تشاو الثورية الحاثة على المقاومة إلى مسرح مؤتمر شباب العالم في مصر؟

استضاف المؤتمر في هذه النسخة، الممثلة الإسبانية إتزيار إيتونيو، والشهيرة بدورها في مسلسل "لا كاسا دي بابل" الإسباني على منصة نتفليكس، والتي لعبت دور أحد أبطاله، ضابطة الشرطة "راكيل"، بغرض الدعاية للمؤتمر، وجذب أنظار العالم نحوه، نظراً لشعبية المسلسل الجارفة.

لكن موضوع المسلسل ورسالته، نفسيهما، أثارا العجب الشديد من الاختيار، فمسلسل "لا كاسا دي بابل"، يحوي رسالةً ثوريةً قويةً ضد النظام والحكومة والرأسمالية، مُناظراً بين السارقين المسلحين والمقاومة المسلحة ضد الفاشية في أثناء الحرب العالمية الثانية، ومظهراً إياهم بشكل ممجد وداعم للفعل الثوري المقاوم.

كيف وصلت أغنية بيلا تشاو الثورية الحاثة على المقاومة إلى مسرح مؤتمر شباب العالم في مصر؟

ثم جاء اختيار الممثلة أعجب وأعجب، إذ إن دورها في المسلسل هو ضابطة شرطة قررت في نهاية المطاف التخلي عن الشرطة، والانضمام إلى الثوار المسلحين عن قناعة بصحة مسعاهم.

وهنا ظهرت الأغنية الأشهر في المسلسل على مسرح المؤتمر لتختمه، فقد اشتهر ارتباط بيلا تشاو بالمسلسل الثوري بعد لعبها في إحدى أقوى حلقاته في ختام الجزء الرابع، وقد مارس هذا الارتباط دوراً كبيراً في اختيارها للعرض في فقرة من فقرات المؤتمر.

لم تهدأ منصات التواصل الاجتماعي في مصر منذ بداية المؤتمر، وامتلأت بالسخرية والاستنكار لكل هذه الاختيارات الغريبة، وانتشرت النظريات عما كان يجول في خاطر المعدّين عند اختيارهم للشخصيات والأغنية. لكن النظرية الأرجح هي جهلهم التام بكل هذه الأمور، إذ لم يلقِ أيهم بالاً لرسائل ولا لرموز، بل وجدوا مسلسلاً شهيراً، فدعوا إحدى نجماته على سبيل الدعاية، ثم خصصوا فقرةً لأغنية من المسلسل ذات إيقاع راقص بهيج، رأوا أنها مناسبة للحدث السعيد.

نتأمل الرموز ونهزّ رؤوسنا، فما عدنا نملك سواها من آنٍ إلى آخر، لتعزية أنفسنا عما نعيشه، ولربما بعدما استمعنا إلى "بيلا تشاو" في الافتتاح، نشنّف آذاننا بـ"شيّد قصورك" للشيخ إمام في يوم الختام، أو نشاهد نجم فيلم V for Vendetta، ضيفاً في النسخة القادمة، فما صار شيء عليهم ببعيد

لكن الرمزية في المشهد تستحق التأمل: مؤتمر مصنوع صناعةً من الدولة التي يقبع كل من يمسّ الثورة، من قريب أو بعيد، من شبابها، في السجن، أو في المنفى، ويتم منع كل منصة أو مصدر إعلامي لا يتّبع سرديات نظامها بالحرف، وتصادر الكتب وتغلق دور النشر، ويرتبط خروجك من سجنها حتى لو امتلكت جنسيةً أخرى، باستغنائك عن جنسيتها، ويجلس ممثلوها أمام المسرح فاغرين أفواههم، ومصفقين ضحكاً على ألحان أغنية ثورية خُلقت خصيصاً لمقاومة أشباههم في شتى أنحاء العالم، وهي تصدح في أنحاء القاعة، ظانّين أنها مجرد لحن لطيف.

نتأمل الرموز ونهزّ رؤوسنا، فما عدنا نملك سواها من آنٍ إلى آخر، لتعزية أنفسنا عما نعيشه، ولربما بعدما استمعنا إلى "بيلا تشاو" في الافتتاح، نشنّف آذاننا بـ"شيّد قصورك" للشيخ إمام في يوم الختام، أو نشاهد نجم فيلم V for Vendetta، ضيفاً في النسخة القادمة، فما صار شيء عليهم ببعيد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image