أثار قرار مدرسةٍ سودانيةٍ، فصل أحد تلاميذها، البالغ من العمر ست سنوات، بتهمة أن سلوكه منافٍ للعقيدة، وقد يؤثر على بقية أنداده، جدلاً واسعاً في الشارع السوداني، وعلى منصّات التواصل الاجتماعي، واحتدمت النقاشات بين الرفض والتأييد، وصولاً إلى طرح تساؤلاتٍ عن أوضاع المنظومة التربوية، سواء في المدارس، أو حتى داخل البيوتات السودانية.
تفاصيل الحكاية
وفي التفاصيل أن أكاديمية فيغن الإنكليزية، في ولاية الجزيرة (جنوب العاصمة)، أقدمت على فصل التلميذ معتصم أحمد، بسبب طرحه تساؤلاتٍ عن الذات الإلهية، والشيطان.
واستنكر بيان الفصل، وقوف والدة التلميذ، ميسون مساعد، في صفّ نجلها، وعدِّها تساؤلاته أمراً مشروعاً يندرج تحت بند حرية التعبير.
ردّة فعل الأمّ
دافعت ميسون، عبر صفحتها على فيسبوك التي أغلقتها لاحقاً، عن ابنها، في مقابل استنكارها عجز أساتذته عن الإجابة على تساؤلاته، من شاكلة أين مكان الله؟ وكيف يكون الله في السماء مع الكواكب؟ ولماذا يأكل الشيطان مع الشخص الأعسر، أو مع من يأكل بيده اليسرى؟
زعمت الأكاديمية، بأن والدة التلميذ أخبرتهم بأنها ملحدة، وبأن الله غير موجود، وبأن الإسلام دينٌ قذِر، مع القول بشروعها في سحب ابنها، لعدم أهلية المدرسة، بحجة أنها تُدرّس أوهاماً غير حقيقية
ونعتت الوالدة بيئة التعليم الحالية، بأنها مسمّمة ومريضة، مشيرةً إلى أنها باتت في حاجةٍ ماسّةٍ إلى عرض ابنها على متخصّص نفسانيّ لعلاجه من التأثيرات السلوكية التي طالته خلال فترة انتظامه في الدراسة.
آخر فصول الصراع
وفي آخر فصول الجدل، نقلت المدرسة الصراع إلى مربّعٍ جديدٍ، بالتصويب على الأمّ، بدلاً من الطفل.
وقالت في بيان من صفحتَين، إن الطفل بدأ بترديد عباراتٍ تنفي وجود الله والشيطان، مع التشويش بذلك على زملائه، ثم تبيّن خلال الجلوس معه، أنّ والدته هي من غذّته بهذه الأفكار.
وزعمت الأكاديمية، بأن والدة التلميذ أخبرتهم بأنها ملحدة، وبأن الله غير موجود، وبأن الإسلام دينٌ قذِر، مع القول بشروعها في سحب ابنها، لعدم أهلية المدرسة، بحجة أنها تُدرّس أوهاماً غير حقيقية.
خوف على العقيدة من طفل
اصطفّ بجانب المدرسة، عدد كبير من السودانيين؛ منهم من يخشى على العقيدة من تساؤلات الطفل، ومنهم من عبّر عن خشيته من أفكار الأمّ، وصولاً إلى أصحاب المنهاج الذي يرى ضرورة رسم مربّعٍ يحتوي على إجابات جاهزة على التساؤلات التي يطرحها الأطفال بشأن الدين والجنس.
يرى الباحث ذو التوجهات السلفية، طارق عبد الرازق، أن تساؤلات الأطفال أمر مشروع، فحتى الأنبياء طرحوا تساؤلاتٍ شبيهةً، وردت بين دفتَي القرآن الكريم.
بيد أن طارق عاد وقال إنه مع ضرورة إخبار الأبناء بأن الإجابة على هذه التساؤلات، تتطلب وصولهم إلى سنٍّ معينة، خشية أن يؤدي الخوض في النقاشات معهم حول هذه الأمور، إلى طرح مزيدٍ من التساؤلات التي قد تدفع، في حالة عدم التخصص، إلى التجديف والإلحاد.
وتابع: سؤال "أين الله؟"، قاد أصحاب مدارس فكرية تدّعي الإسلام إلى مناطق خطيرة، فما بالكم بطفلٍ حدثٍ صغير؟
وبشأن واقعة فصل معتصم، أيدّ طارق قرارات المدرسة، وقال إنه وطبقاً لبيان المدرسة بشأن اعترافات والدته بالإلحاد أمام الملأ، وتمرير قناعاتها إلى الطفل، بات من الضرورة الشرعية إبعاده عن مخالطة بقية نظرائه، خشية تأثيره على عقيدتهم، وسلوكياتهم.
وفي تعليقاتهم في منصّات التواصل، حكى عدد من السودانيين عن تجاربهم مع المنهج الأبوي القائم على قمع تساؤلات الأطفال، سواء بالضرب أو التخويف أو الزجر، كالقول إن هذه التساؤلات سترديهم في نار جهنّم.
منهج سلفي
أبدى عدد مقدَّر من السودانيين سخطهم من إجراء محاكمة ناجزةٍ للطفل معتصم، بنزع البراءة عن تساؤلاته، والتأكيد على أنها محاولة واعية لجرّ بقية الصغار إلى نواحي الكفر والإلحاد، كما اتّهموا المدرسة بالعمل على تعمية قرارها الخطأ، عبر رمي كرات الدخان المشككة في عقيدة الأم.
ووصف نصر الدين محمود، وهو شيخ منتمٍ إلى الطريقة التيجانية، قرار فصل تلميذٍ بسبب تساؤلاته الدينية، بأنه أمر جلل، ويستوجب وقفةً جادّةً، من قِبل الدعاة والمسؤولين عن التعليم في البلاد.
وقال محمود، لرصيف22، إن التساؤل كان طريق وصول الأنبياء إلى الله تعالى، مضيفاً: ذلك لم يحدث للأنبياء في طفولتهم، وإنما في فترة شبابهم ورجولتهم، ومرّات بعد اصطفائهم بالرسالة، حسب ما روى القرآن الكريم.
وتابع: وعليه، ينبغي تشجيع منهج طرح التساؤلات لدى الأطفال، لكن مع إعطائهم إجاباتٍ تناسب أعمارهم، مشدداً على أن التهرّب من إجابة الأطفال بشأن العقيدة، لا سيّما مكان الله، أو تحويلها إلى وعيدٍ وثبورٍ، إنما هو منهج سلفي يرفض تثوير الدين، ليأخذ عنصر الصلاحية في كلّ زمان، والعمل على سجن الناس في تابوهات جاهزة تجرّم التفكير، لمساعدتهم في سوق المسلمين إلى أفكارهم الإقصائية والمتشددة.
وبالعودة إلى قصة معتصم، ذكر محمود أن الأطفال كانوا يحضرون حلقات الدرس في عهد النبي، وبرزت مواهب كثيرين من الصحابة والتابعين في وقتٍ مبكرٍ، نتيجةً لكون تساؤلاتهم كانت تجد إجاباتٍ شافيةً ووافيةً، فلماذا نحرّم ذلك اليوم؟
وحول بيان المدرسة عن الأمّ، قال الشيخ إن تهمة التكفير تهمة خطيرة، لما لها من تبعات، ويحتاج إثباتها إلى استيفاء عددٍ كبيرٍ من الشروط، لا تتوافر بالضرورة عند إدارة المدرسة.
"الأطفال أصحاب نزعة نحو المعرفة، من أدواتها التساؤل والتشكيك، وهو أمر يتطلب تعاملاً خاصاً لتنمية هذه المعارف، كون قمعها يؤدي إلى مشكلاتٍ سلوكية مستقبلية، تقود إلى التبعية المفرطة لأول من يقدّم لهم إجاباتٍ جاهزةً، وهذا أحد أهم مداخل التطرّف"
لافتاً إلى أن ذلك كله، وإن حدث، لا يعطي المبرر لأخذ الطفل بجريرة أمّه، إذ يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.
وختم حديثه بأنه يقع على عاتق المدرسة دور تربوي كبير، شطر كبير منه متعلّق بتصحيح المفاهيم الخطأ، بما في ذلك التي يستقيها الأبناء من الآباء، وأفراد الأسرة.
مدارس بلا خبراء
من منظورٍ اجتماعيٍّ، تؤكد الباحثة الاجتماعية، تماضر حسين، وجود خللٍ كبيرٍ داخل المنظومة التعليمية، ذي صلةٍ بتأهيل المعلمين، وبخلوّ غالبية المدارس من خبراء علوم النفس والاجتماع.
وتشدد حسين في حديثها إلى رصيف22، على أن الأطفال أصحاب نزعة نحو المعرفة، من أدواتها التساؤل والتشكيك، وهو أمر يتطلب تعاملاً خاصاً لتنمية هذه المعارف، كون قمعها يؤدي إلى مشكلاتٍ سلوكية مستقبلية، تقود إلى التبعية المفرطة لأول من يقدّم لهم إجاباتٍ جاهزةً، وهذا أحد أهم مداخل التطرّف.
ولفتت إلى أنّ أيّ شخصٍ يقوم بجولةٍ على مدارس السودان، سيكتشف الصعوبات التي يعاني منها الأساتذة في التعامل مع تساؤلاتٍ بديهيةٍ للأطفال، بشأن الأديان، أو الجنس.
وقالت: طرحت على كثيرين من الأساتذة، سؤال الأطفال الشائع عن كيفية وصولهم إلى الحياة، وهو أمر لم أجد له إجاباتٍ سوى التلعثم، أو فرضيات تتّسم بالغباء والتسطيح، وهو أمر سيّئ على عقلية الصغار التي يُعدّ التقليد والتلقين من مصادرها الرئيسة.
لإعادة صياغة المعلمين
لم تصدر –على الأقل حتى موعد كتابة التقرير- ردة فعلٍ من الجهات الرسمية إزاء القضية، الأمر الذي دفعنا إلى إحالة الأمر على خبراء في المجال.
يقول الخبير التربوي، عثمان الحاج، إن قرار المدرسة قد جانبه الصواب، الأمر الذي يستدعي تدخّل إدارة التعليم، لإعادة الطفل إلى الدراسة بصورة فورية، لجهة عدم التأثير على مستقبله، وغض الطرف عن سلوك والديه.
وأبدى الحاج، في حديثه إلى رصيف22، امتعاضه الشديد، من عجز المعلمين عن التعامل مع تساؤلات طفلٍ صغيرٍ، ورميه بمنافاة العقيدة، مع كونه لم يصل إلى مرحلة التكليف التي حددها الدين، ولاحقاً بجعله أداةً للصراع عبر إعطاء بياناتٍ خاصة عنه، وإشاعتها، مختتماً إفادته بضرورة اتخاذ القضية الحالية مدخلاً لإعادة صياغة المعلمين، للمساهمة في خلق أجيالٍ مبدعةٍ ومفكّرة.
الخاسر الأكبر
لا شك أن أحد أكبر الخاسرين في معركة الطفل والمدرسة، هو الطفل نفسه، إذ هو أصغر متّهمٍ بمنافاة العقيدة، ولكن الخاسر الأكبر هو المجتمع السوداني الذي يحتاج إلى تداركٍ يجعله قادراً على إيجاد إجاباتٍ موضوعية على تساؤلات الأطفال، وذلك قبل دعوة أفراده –مع كامل الاحترام- إلى عدم الاصطفاف في معارك قيمية، أحد أطرافها أطفال بكامل البراءة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com