على مدى بضع ساعات، تحقق ما كان البعض يظن أنه مستحيل. فقد اتّحد اليمنيون في شتى بقاع الأرض -في الداخل والشتات- وملأت السعادة قلوبهم وكست ملامحهم، بفضل "أقدام" فريق الناشئين اليمني لكرة القدم الذي فاز ببطولة غرب آسيا للناشئين متغلباً على نظيره السعودي في معقله مساء الاثنين 13 كانون الأول/ ديسمبر.
ما إن أطلق حكم المباراة صافرته، عقب نجاح حارس المنتخب اليمني، وضّاح أنور، في التصدي لركلة الترجيح السعودية، حتى انطلق الشباب في مناطق اليمن فرحاً وخرج كبار السن في سياراتهم، وأطلت النساء من منازلهن، واتحد الجميع على هتافي: "بالروح بالدم نفديك يا يمن" و"حيوا اليماني حيوه" احتفالاً بالإنجاز التاريخي غير المسبوق في تاريخ الكرة اليمنية.
طغت أصوات الألعاب النارية الاحتفالية على القذائف والرصاص، وامتزجت مشاعر الفخر بدموع الفرحة وصخب الاحتفالات في أرجاء اليمن. لأول مرة منذ سنوات، لا يكون الخلاف السياسي محركاً أو حاضراً في المشهد، ولا العصبية لمنطقة أو قبيلة، فقط كان "الانتماء" و"حب" اليمن.
وقدم وزير الشباب والرياضة في الحكومة نايف البكري "الشكر للاعبينا الصغار في الأعمار، الكبار في الآداء" على "الفوز المستحق" على "الشقيق السعودي" بـ"رغم كل المشقات والصعوبات وقلة الإمكانيات".
"فرحة مستحقة" في "زمن الانكسار"... منتخب اليمن للناشئين ينتزع فوزاً تاريخياً غير مسبوق بكأس غرب آسيا لكرة القدم للناشئين، ويحقق ما ظن البعض أنه مستحيل: وحدة اليمن وعودة السعادة إليه ولو بضع ساعات
وقال وزير الإعلام الأسبق نصر مصطفى طه عبر تويتر: "فرحة مستحقة نعيشها الليلة كشعب يمني واحد من صعده إلى المهرة. شباب اليمن الأطهار المتدفقون صدقاً وبراءة وعزيمة أنجزوا اليوم نصراً رياضياً رائعاً بروحهم الوثابة وإرادتهم الجبارة وحبهم اللا متناهي لبلدهم".
وقالت الوزيرة السابقة لحقوق الإنسان حورية مشهور: "الشباب يبلون بلاءً حسناً بالرغم من التحديات والظروف الصعبة التي يمر بها #اليمن، وهم جزء من هذه البيئة".
وغرّدت الإعلامية منى صفوان: "يوم مذهل… وحّد كل اليمنيين. كل الكلمات لا يمكن أن تصف شعورنا".
حتى الخصم، شهد باستحقاق الفوز للمنتخب اليمني. كتب الصحافي السعودي المتخصص في الشأن الرياضي محمد البكيري: "مبروك للمنتخب اليمني الذي جاء مجرداً من الاستقرار، من منافسة محلية، من إعداد لائق، من بذخ مالي، إلا من عزيمة القائمين عليه وإرادة اللاعبين وجمهور مغترب يبث الحماس فيه. فظفر بأول بطولة بالتاريخ". ووصف الإعلامي الرياضي السعودي عبد العزيز البكر الفريق اليمني بأنه "جيل يبعث الأمل والفرح للكرة اليمنية".
"شبابنا صنعوا الفرحة، أبلغونا رسالة، وقدموا درساً بليغاً ليقولوا لنا: لقد توحَّدنا فانتصرنا لليمن. توحدوا أنتم في مواجهة الأخطار، وتغلبوا على أنفسكم، وانتصروا لـ #اليمن"
أكثر من مجرد انتصار
لم تكن الفرحة الغامرة ناتجة عن ولع بلعبة كرة القدم أو نشوة الانتصار على منتخب ذائع الصيت كالمنتخب السعودي وحسب، بل ناتجة عن تعطّش للوحدة والانتصار والفرح بعد سنوات مريرة من الانكسارات والخسائر منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2014.
عكس ذلك العديد من منشورات اليمنيين النشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذين شددوا على أن "قدم صغيرة نحيلة، أعادت دمجنا داخل البوتقة الوطنية، بركلة واحدة".
وأوضح رئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر: "هذه هي اليمن، لا تعيش كبوة، إلا ويلوح الأمل من رحم الألم، شبابنا صنعوا الفرحة، أبلغونا رسالة، وقدموا درساً بليغاً ليقولوا لنا: لقد توحَّدنا فانتصرنا لليمن. توحدوا أنتم في مواجهة الأخطار، وتغلبوا على أنفسكم، وانتصروا لليمن. أشبالنا فعلوها، فقط لأنهم توحدوا".
وبينما شكرهم على "الفرح العارم في زمن الانكسار"، أعلن بن دغر تكريم لاعبي وإداريي منتخب الناشئين بمليوني ريال يمني (نحو 8000 دولار أمريكي) لكل منهم.
ورأى وزير الخارجية الأسبق أبو بكر القربي أن أبطال الفريق "جسدوا فيه ارادة الانتصار بوحدة الهدف والعمل بروح الفريق الواحد وبذلك قدموا نموذجاً يحتذى في حب اليمن، وعلينا جميعاً استلهام تلك الروح الوطنية الوحدوية وحفظ الله اليمن وشبابها وشعبها".
"هذه البهجة أصدق تعبير على الهوية الجامعة"... لأول مرة منذ سنوات، لا يكون الخلاف السياسي محركاً أو حاضراً في المشهد، ولا العصبية لمنطقة أو قبيلة، فقط كان "الانتماء" و"حب" #اليمن
واعتبر البرلماني علي المعمري: "اليمن يتجلى على حقيقته الآن، هذه البهجة أصدق تعبير عن الهوية الجامعة. الهوية التي كلما أرادوا طمسها، عادت من أضيق الأبواب، ومن حيث لا يتصورون".
وكتب الباحث الكويتي بدر السيف: "وقف اليمنيون اليوم جميعاً خلف الفرحة. وقفوا بمدنهم وقراهم ومهجرهم على قدم واحدة يستعيدون شيئاً من حياة حاولت الحرب سلبها. لقد صنع صغار اليمن الكبار سعادة امتلأنا بها جميعاً".
صبيحة اليوم التالي، عادت الأمور إلى مجاريها. واستؤنفت الحرب. لكن، على الأقل، انتزع اليمنيون سويعات من الفرحة والوحدة مع أمل أقوى أن يأتي يوم تنتهي فيه التفرقة إلى غير رجعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...