هتافٌ، ودموعٌ، وصراخٌ إلى حدّ الجنون، اعتلت مدرّجات ستاد الثمامة في الدوحة، بعد هدف يوسف بلايلي الأسطوري الذي سدّده من منتصف الملعب تقريباً، ليسكن في شباك أنس الزنيتي، حارس مرمى المنتخب المغربي، في المباراة التي أقيمت بينهما في الدور ربع النهائي من كأس العرب المقام في قطر.
هدف بلايلي المذهل، والذي تجاوزت أصداؤه ملعب الثمامة، لتهزّ أرجاء الوطن العربي، جعلت الجميع يتساءلون: كيف لهذا اللاعب الأسطوري أن لا يكون ضمن تشكيلة أعتى الفرق الاوروبية؟
تفتح تساؤلاتهم صفحة قصّةٍ دراماتيكيةٍ بامتياز، عن فتى الملاعب الجزائرية المدلّل الذي سقط وأضاع مستقبله بيديه، قبل أن يقوم ويلملم شتات ذاته، ليعود من جديدٍ معلناً للجميع: "أنا الملك جئت".
قبل ست سنوات، وفي السابع من آب/ أغسطس 2015، وخلال مقابلةٍ بين اتحاد العاصمة ومولودية العلمة الجزائريَين، في دوري أبطال إفريقيا، حمل مرسال الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، عيّناتٍ للاعبين جرى اختيارهم بقرعةٍ عشوائية، لاختبار كشف المنشّطات، ووقع الحظّ العاثر على بلايلي لإجراء الاختبار. حينها، أكّد مقرّبون من يوسف، أن ملامحه قبل الفحص، كانت شاحبةً، وتوحي بشيءٍ مريبٍ وغريب، وبتوترٍ وقلقٍ وتردد، قبل أن يؤكد الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، في ما بعد، أن عيّنته حملت بقايا مادة الكوكايين، وهو ما نفاه بلايلي حينها، عادّاً القضية شيئاً لا أساس له، مهاجماً أطرافاً "لم يسمِّها"، بمحاولة تحطيمه.
هدف بلايلي المذهل، والذي تجاوزت أصداؤه ملعب الثمامة، لتهزّ أرجاء الوطن العربي، جعلت الجميع يتساءلون: كيف لهذا اللاعب الأسطوري أن لا يكون ضمن تشكيلة أعتى الفرق الاوروبية؟
إنكار بلايلي لواقعة تعاطيه الكوكايين، وركونه إلى نظرية المؤامرة، لم يقفا حائلاً أمام قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بإيقافه لمدة عامين، قبل أن يضاعفها لتصبح أربع سنوات، بسبب عدم مثوله أمام لجنة الانضباط التابعة للهيئة الكروية القارية، ثم تلتها عقوبة أخرى بأربع سنوات من اتحاد الكرة الجزائري، بعد ثبوت تعاطيه الكوكايين، في لقاء فريقه اتحاد العاصمة، مع شباب قسنطينة… ليدرك الجميع أن أسطورة بلايلي انتهت قبل أن تبدأ.
تصفية حسابات عمّقت جراح بلايلي
وعلى الرغم من الخطأ الجسيم الذي وقع فيه بلايلي، إلا أن عشّاقه يرون أنه لم يحظَ بالحماية الكافية من اتحاد الكرة الذي تعمّد تدميره بمضاعفة العقوبة إلى أربع سنوات، على عكس ما ينصّ عليه القانون في حالته، مشيرين إلى أن بلايلي كان ضحية معركة كسر العظام، بين رئيس اتحاد الكرة آنذاك، محمد روراوة، ورئيس نادي اتحاد العاصمة، علي حداد، ليكون بلايلي هو أداة روراوة في إفقاد غريمه نجم فريقه الأول وملهمه على أرض الميدان.
في حين يرى البعض أن الإصرار على تحطيم يوسف بلايلي، كان لأسبابٍ تسويقيةٍ لها علاقة بالفساد الرياضي في الجزائر، كما يشرح عميد رؤساء أندية كرة القدم الجزائرية، عبد المجيد ياحي، في تصريحٍ لرصيف22، قائلاً: رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم السابق، محمد روراوة، لم يساعد اللاعب للنفاذ من العقوبة، وحاول تحطيمه، لأنه لا يتماشى مع خطّته التسويقية، المعتمِدة على لاعبين أجانب.
ويستطرد ياحي، قائلاً: يوسف بلايلي لم يكن الضحية الوحيدة لفساد رئيس الاتحاد الجزائري، فهناك بوعلام خوخي، وكريم بوضياف، اللذان تركا البلاد بسببه، ليتم تجنيسهما لصالح منتخب قطر، وسيواجهان منتخب بلادهما في نصف نهائي كأس العرب.
من النجومية إلى لاعب شوارع جُرِّد من مجده
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، لم تتوقف الضربات عند حد الإيقاف، ليفاجَأ بلايلي بقرار ناديه اتحاد العاصمة فسخ عقده معه، متبرِّئاً من سلوكياته التي لا تعكس صورة النادي، ومبادئه، على حد تعبير رئيسه... وهكذا، انتهى مشوار اللاعب فجأةً، وهو في قمة عطائه.
ودّع بلايلي الستادات، والأضواء، وانزوى في ملاعب أحياء مدينته، أو خارجها، ليمارس لعبته المفضّلة من خلال المباريات العادية، والدورات الرمضانية، كلاعبٍ هاوٍ، لا كنجمٍ جماهيري.
"يوسف بلايلي لم يكن الضحية الوحيدة لفساد رئيس الاتحاد الجزائري، فهناك بوعلام خوخي، وكريم بوضياف، اللذان تركا البلاد بسببه، ليتم تجنيسهما لصالح منتخب قطر، وسيواجهان منتخب بلادهما في نصف نهائي كأس العرب"
في كتابه "القصص السرّية لأبطال إفريقيا"، يروي الكاتب نجم الدين عثمان، واقعةً شديدة الوطأة على نفس نجمٍ هوى من قمة هرمه.
ففي سهرةٍ رمضانيةٍ عام 2016، تلقّى اللاعبان رياض محرز، وإسلام سليماني، دعوةً لتكريمهما في مدينة وهران. وتضمّن حفل التكريم مشاهدة نهائي دورة "راديوز" الشعبية، بين فريقي حيَّي "ڨمبيطة"، و"بلاطو". وهنا، فوجئ النجمان بزميلهم السابق يوسف بلايلي على أرض الملعب.
بلايلي الذي كان قبل أشهرٍ معدوداتٍ فقط، يلعب بجوارهما حين كان أغلى لاعبٍ في الجزائر، ها هو اليوم ينتهي به المطاف كلاعبٍ هاوٍ يشارك في الدورات الرمضانية!
التشبّث بالأمل
وفي الوقت الذي أيقن الجميع فيه أفول نجم بلايلي الذي قضى الكوكايين عليه، كان للساحر الشاب رأي آخر
تشبّث الفتى الذهبي بالأمل، وذهب إلى المحكمة الرياضية الدولية لاستئناف قرار عقوبته، مقرّاً بتدخينه الشيشة، لكن نافياً علمه بوجود مادة الكوكايين في التبغ، لترأف المحكمة به، وترى أن عقوبة الإيقاف عامين فقط، هي الأنسب لهذه الحالة.
وبذلك أصبح بلايلي قادراً على العودة إلى المستطيل الأخضر مرةً أخرى، بدءاً من أيلول/ سبتمبر 2017.
بعد انتهاء عقوبة يوسف بلايلي على المستوى القاري، توجّه إلى فرنسا للّعب من نادي أنجي، في الدرجة الثانية، في تجربةٍ لم تكن موفقةً، قرر بعدها العودة إلى ناديه السابق الترجي التونسي، الذي تألّق معه تألقاً باهراً، قاد به فريقه للتتويج بلقبين في الدوري المحلي، ولقبين في رابطة أبطال إفريقيا 2018-2019، على التوالي، قبل أن يبرز أكثر مع المنتخب الجزائري، ويتوَّج بكأس إفريقيا للأمم في مصر، عام 2019.
تألّق اللاعب مباشرةً بعد العودة من العقوبة، لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى الكاتب والصحافي الرياضي الجزائري، نجم الدين سيدي عثمان، الذي صرح لرصيف22: "تألّق بلايلي بعد العقوبة، لم يأتِ صدفةً، لأنه كان يتدرّب أكثر من ثلاث ساعات يومياً خلال سنوات العقوبة، بين الغابة والشاطئ والمباريات في الحي. لقد كان متلهّفاً للعودة فحسب".
عاد بلايلي إلى الملاعب ليسحر العالم بهدفه الأسطوري في مرمى المغرب، وليتغنّى عشّاق كرة القدم بموهبته باللّغات كلها... يوسف بلايلي الموهبة الجامحه الذي سقط ضحيةً لمحيطه، وطيش شبابه، يعود من جديدٍ، ويولَد كفينقٍ من رماده!رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين