دفع خبر تعرض "نابغة" الموسم الدراسي الماضي، التلميذة الجزائرية وصال شعيب للظلم في إحدى إقامات الجزائر الجامعية، إلى فتح ملف شائك، طالما أثار جدلاً كبيراً في الساحة التربوية، وهو ملف تدهور الأوضاع في الإقامات الجامعية.
وشكت والدة وصال شعيب، التي كرَمها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في احتفال ضخم، من الأوضاع "المزرية" التي تعيشها ابنتها في إقامة "العالية" للبنات التي تقع في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية.
والدة الطالبة التي التحقت بإحدى المدارس العليا في البلاد، كشفت أن ابنتها تُقيم حالياً في غرفة "صادمة"، فضلاً عن الوجبات التي تُقدم للطالبات فهي - بحسب وصفها- "ناقصة الجودة".
أخرجت حادثة مقتل نصيرة بكوش داخل غرفتها الجامعية مئات الطلبة في احتجاجات ومظاهرات، شكوا خلالها سوء الخدمات، وطالبوا بتحسين أوضاعهم داخل الأحياء الجامعية
أشغال شاقة
"تطاول، أشغال شاقة، تنمر، وأخيراً إهمال" هذا ما جرى تسريبه أيضا على لسان والدة الطالبة من دون الحديث عن تفاصيل مؤلمة أخرى خيبت آمال وصال والكثير من المتفوقين في شهادة البكالوريا الذين تفاجؤوا بواقع "مر".
ما حدث مع وصال شعيب لا يعتبر سابقة في تاريخ الإقامات الجامعية الجزائرية، بل سبقتها حوادث مشابهة بعضها سلط عليها الضوء إعلاميا، وأخرى بقيت طي الكتمان. ولعل أبرزها حادثة وفاة الطالبة الجزائرية "نصيرة بكوش" داخل غُرفتها بالإقامة الجامعية "أولاد فايت" الخاصة بالبنات، بسبب حدوث شرارة كهربائية تسببت في حريق مهول، وأخرجت هذه الحادثة المئات من الطلبة في احتجاجات ومظاهرات كبيرة، يشكون خلالها سوء الخدمات، ويطالبون بتحسين أوضاعهم داخل الأحياء الجامعية.
قبلها، وبالتحديد في 12 فبراير/ شباط 2019، اهتزت إحدى الإقامات الجامعية على وقع جريمة راح ضحيتها الشاب "أصيل"، وكان في العقد الثاني من عمره، وذلك بعد تعرضه للذبح والتنكيل بجثته داخل غرفته في الحي الجامعي حيث كان يقيم. ولا يعتبر مقتل أصيل حادثة فردية، إذ تحصي الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان - تنظيم حقوقي بارز مستقل- أكثر من 200 اعتداء على الطلاب خارج أسوار الجامعة والإقامات الجامعية سنوياً، من دون احتساب التحرش الذي تتعرض له الطالبات الجزائريات يومياً.
وقبل تسع سنوات خلت، شهدت سنة 2012 حادثا مأساوياً راح ضحيته 8 أشخاص، وأصيب 30 آخرين إثر انفجار للغاز بإقامة "بختي عبد المجيد" بمحافظة تلمسان (مدينة تقع شمال غرب الجزائر). وحسبما أوردته تقارير إعلامية آنذاك؛ فإن مديرية الخدمات الجامعية تأخرت في معالجة تسرب الغاز بمطعم الإقامة رغم تحذيرات الطلبة المتكررة.
رداءة خدمة الطعام
في بيان صدر بمناسبة انطلاق الموسم الجامعي الجديد، سلط الاتحاد العام الطلابي الحر (تنظيم طلابي جزائري) الضوء على استمرار رداءة خدمة الإطعام لدى أغلب الإقامات الجامعية والمطاعم المركزية، مع تسجيل "اكتظاظ رهيب" في الإقامات، وعدم تهيئة بعضها الآخر، ونقص فادح في التجهيزات. واستدل التنظيم الطلابي الجزائري بكل من محافظات المسيلة وبسكرة والطارف وقسنطينة وسطيف وعنابة.
وتحدث الاتحاد الطلابي الحر كذلك عن غياب سيارات الإسعاف والمناوبات الطبية الليلة بأغلب الجامعات في شرق البلاد. زيادة على ذلك؛ تأخر استئناف التدفئة لدى الكثير من الإقامات الجامعية، فبعض الطلبة يضطرون لاقتناء مواقد الطهي سواء الكهربائية أم الغازية لتشغيلها طيلة الليل بهدف الحصول على التدفئة داخل الغرف، رغم أنها تشكلُ خطراً كبيراً على حياتهم. وهو السيناريو الذي وقع العام الماضي مع نصيرة بكوش، الطالبة في علم الاجتماع البالغة 24 عاماً بعد حصول "تماس كهربائي في غرفتها" في حي أولاد فايت الجامعي الذي كانت تقيم فيه في ضاحية الجزائر الغربية، وهي الحادثة التي أخرجت الطلبة الجزائريين في مظاهرات عارمة للمطالبة بتحسين ظروف الإيواء.
تأسف الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين لـ"عجز الديوان الوطني للخدمات الجامعية عن ضبط بوصلته اتجاه احتياجات الطلبة الجزائريين وتطلعاتهم، رغم كل الإمكانيات الضخمة التي وفرتها السلطات العليا في البلاد على إنجاح الدخول الجامعي"
وتأسف الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين عن "عجز الديوان الوطني للخدمات الجامعية عن ضبط بوصلته اتجاه احتياجات الطلبة الجزائريين وتطلعاتهم، رغم كل الإمكانيات الضخمة التي وفرتها السلطات العليا في البلاد على إنجاح الدخول الجامعي".
وأكد ذات التنظيم الطلابي أنه "رغم توفير أغلفة مالية مرتفعة، غير أن رداءة خدمة الإطعام لازالت مستمرة في العديد من الأحياء الجامعية، رغم التعليمات المتتالية الموجهة إلى الإقامات من الهيئات الوصية، وهو ما يستدعي الصرامة في التسيير ومحاسبة كل المسؤولين المقصرين وكذلك المتورطين في الفساد".
وبسبب التجاوزات التي تحدث في قطاع الخدمات الجامعية، شهدت أروقة المحاكم الجزائرية في عدة ولايات قضايا فساد تتعلّق بسوء التسيير في إقامات جامعية، ومؤسّسات أخرى محسوبة على قطاع التعليم العالي.
وحسبما ورد في بيان للتنظيم، فإن الواقع المعاش للطلبة الجزائريين "كشف العجز التام للمشرفين على تسيير الديوان، فلم ينجح في تحسين مستوى معيشة الطالب التي بقيت مجرد حبر على ورق، وأحياناً يتغنى بها بعض المسؤولين والمفسدين". ومن بين الوعود التي بقيت حبراً على ورق – حسب بيان الاتحاد الطلابي-: تخصيص غرفة لكل طالب جامعي وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للطالب الجزائري. "فبدل دعم الدولة الجزائرية لوجبة الطالب مقابل مبلغ زهيد، تدفع مبلغاً مضاعفاً. أي تخصيص منحة مالية معتبرة للطالب الجزائري تغطي تكاليف غذائه وسكنه".
هذا الوضع السيء لم ينكره الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التعليم العالي في الجزائر، وفي الأرشيف نجد تصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر عبد الباقي بن زيان، الذي كشف خلال ندوة تقييمية للجامعات نُظمت منذُ تسعة أشهر تقريباً، أن "التحقيقات الميدانية التي أجريت حول الخدمات الجامعية خلصت إلى أن 40% [من الإقامات] في حالة حسنة، و40% متوسطة، و20% من الأحياء الجامعية سيئة للغاية".
يحدث هذا رغم الأموال الضخمة التي ترصدها الخزينة العمومية سنوياً، إذ تُخصص وزارة التعليم والبحث العلمي أكثر من 30% من ميزانيتها لصالح خدمة الإقامات الجامعية
يحدث هذا رغم الأموال الضخمة التي ترصدها الخزينة العمومية سنوياً، إذ تُخصص وزارة التعليم والبحث العلمي أكثر من 30% من ميزانيتها لصالح خدمة الإقامات الجامعية.
وبلغت ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مشروع قانون الموازنة لسنة 2022 حوالي 400 مليار دينار جزائري فيما قدرت في العام 2020 بـ 370 مليارات دينار وفي 2018 بلغت (313.336 مليار دينار) (ما يوازي 2.636 مليار دولار) في العام 2018، فيما قدرت الميزانية في العام 2017 بـ 310.791 مليارات دينار (2.615 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت 312.145 مليار دينار (2.626 مليار دولار) في عام 2016 وفقا للجريدة الرسمية.
في حديثه لرصيف22، يرجعُ رئيس مكتب الحركة الجزائرية للطلبة (تنظيم طلابي) لمحافظة الجزائر العاصمة، أسامة مرجان أسباب تدهور الإقامات الجامعية إلى "وجود خلل في تسيير الأموال الضخمة التي تخصصها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر للديوان الوطني للخدمات الجامعية، الذي يوزعه بدوره على كامل المديريات على المستوى الوطني".
ويعلق مرجان: "يستدعي الوضع المأساوي الذي تشهده العديد من الأحياء الجامعية، الصرامة في التسيير ومحاسبة المُقصرين. ولن يتوفر هذا إلا من خلال إيجاد آليات حقيقية وواقعية يتم المصادقة عليها في البرلمان الجزائري".
ووفق الطالب الجزائري أسامة مرجان؛ فإن الجامعة الجزائرية "تفتقرُ لأدنى شروط مزاولة الدروس" مثل مقاهي الإنترنت. و"حتى المنحة المخصصة للطلبة، لا تكفي من أجل اقتناء الأجهزة التكنولوجية التي يحتاجونها في الدراسة، فبعضهم يضطرون للتدين من أجل سد متطلباتهم بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...