أصدرت محكمة جنح أمن الدول العليا طوارئ اليوم الأربعاء 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، حكمها في قضية "نشر أخبار كاذبة عبر الإيحاء" المقدم إليها 6 مواطنين بينهم محام حقوقي ونائب برلماني سابق هو زياد العلمي وصحفيين ونشطاء بالإضافة إلى مواطنين تعرضا بحسب محاميهما للإخفاء القسري.
وقال المحامي الحقوقي الحقوقي خالد علي إن محكمة جنح مصر القديمة، أمن الدولة طوارئ، حكمت بحبس النائب البرلماني السابق والمحامي الحقوقي زياد العليمي خمس سنوات، وعلى الصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس بالحبس 4 سنوات وثلاثة سنوات مع الشغل لمحمد البهنسي وهشام ناصر، كما حكمت غيابياص بالحبس 3سنوات لفاطمة رمضان، على أن يؤدي الجميع غرامة تبلغ 500 جنيه (نحو 33 دولار) لكل منهم. وينتظر الحكم التصديق من الرئيس عبدالفتاح السيسي بصفته "الحاكم العسكري" بموجب قانون الطوارئ الموقوف العمل به.
القضية التي نطق الحكم فيها اليوم هي قضية إضافية، أعدت خلال الأشهر الماضية وأحيل إليها ثلاثة من أعضاء "خلية الأمل" - كما أسمتها البيانات الصادرة عن النيابة العامة والجهات الأمنية-، وهم النشطاء السياسيون المعارضون المحكوم عليهم اليوم، ومواطنين آخرين غير معروفين بالنشاط السياسي وهم محمد البهنسي وحسام ناصر وفاطمة رمضان.
القضية التي نطق الحكم فيها اليوم هي قضية مفاجئة، أعدت خلال الأشهر الماضية وأحيل إليها ثلاثة من أعضاء "خلية الأمل" - كما أسمتها البيانات الصادرة عن النيابة العامة والجهات الأمنية
وتختلف القضية التي نطق الحكم فيها اليوم عن القضية المعروفة باسم "خلية الأمل" التي تعرض بموجبها المتهمين الثلاثة الأًول للحبس الاحتياطي لمدة زادت على السنتين المقررتين قانوناً كحد أقصى للحبس الاحتياطي. فقضية اليوم هي "نشر أخبار كاذبة عبر الإيحاء الذي كان من شأنه ضرب مصلحة البلاد وإضعاف هيبتها وإلقاء الرعب في قلوب المواطنين".
التهمة "إيحاء"
بعد إنهاء المتهمين في قضية "خلية الأمل" سنتين كاملتين قيد الحبس الاحتياطي، بات على السلطات إطلاق سراحهم خاصة وأن التحقيقات لم تنته إلى توجيه اتهامات واضحة وبالتالي لم يجر إحالتهم إلى المحاكمة.
وجهت إليها نيابة أمن العليا طوارئ تهماً جديداً استنادًا إلى مقالات منشورة وتصريحات صحفية أدلوا بها قبل سنوات وبحسب فريق الدفاع المكون من المحامين أحمد راغب ومحمد عبدالعزيز ومحمد عيسى السروي، وأحمد فوزي؛ لم يتم مواجهتهم بتلك "الأدلة" أو توجيه ذلك الاتهام إلأيهم طوال عامين قضوها في الحبس الاحتياطي.
وتأتي تهمة "الإيحاء بإلقاء الرعب في قلوب المواطنين" الموجهة إليهم أمام محكمة الطوارئ التي لا يوجد استئناف او نقض على أحكامها، كحلقة جديدة في سلسلة الاتهامات المثيرة للتساؤل التي تم توجيهها لمعارضين خلال الأعوام القليلة الماضية، من دون تقديم أدلة أو شهود تثبت صحة ارتكاب الجريمة بوقوع أثرها.
الحكم الصادر لا يمكن نقضه أو استئناف النظر فيه أمام القضاء، وينتظر التصديق من الرئيس بصفته "الحاكم العسكري" بموجب قانون الطوارئ الموقوف العمل به
البداية "أمل"
وتعود وقائع قضية "خلية الأمل" إلى شهر حزيران/ يونيو 2019، حين اقتحمت قوات الأمن المصرية منازل عدد من النشطاء وبرلمانيين سابقين ومدافعين عن حقوق الإنسان ورجال أعمال، كان بعضهم يعدون لتشكيل تحالف انتخابي تحت مسمى "قائمة الأمل" استعداداً لخوض لخوض الانتخابات البرلمانية التي كان مقرراً انعقادها في نهاية العام نفسه.
ويواجه المتهمون اتهامات ارتكاب جرائم "الاشتراك مع جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها"، وهي اتهامات مختلقة وفضفاضة حسب تعبير منظمات حقوقية مصرية.
تضم قضية "الأمل" شخصيات من خلفيات سياسية مختلفة، على رأسهم المحامي اليساري والبرلماني السابق زياد العليمي، والناشط في مجال مقاطعة إسرائيل رامي نبيل شعث، وحسام مؤنس مدير حملة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، ورجل الأعمال الليبرالي عمر الشنيطي، والداعية خالد أبو شادي زوج ابنة خيرت الشاطر، والقيادي في حزب الاستقلال الدكتور أسامة العقباوي، والصحافي الناصري هشام فؤاد، والمحامي قاسم عبد الكافي، والناشط العمالي حسن البربري، ورجل الأعمال مصطفى عبد المعز عبد الستار الشريك الرئيسي في مجموعة شركات المعز للتنمية العمرانية، بالإضافة إلى أحمد عبد الجليل مدير مكتب النائب السابق بالبرلمان المصري أحمد طنطاوى المحسوب على تكتل 25/30.
ولم تقدم النيابة العامة كل المتهمين في خلية الأمل إلى المحاكمة في قضية "الإيحاء" الجديدة، ولا يزال معظم المتهمين بـ"الأمل" قيد الحبس الاحتياطي من دون إحالتهم إلى المحكمة على الرغم من انتهاء المدة القانونية للحبس الاحتياطي.
وحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، بلغ عدد المتهمين في قضية الأمل 82 متهماً. وبالإضافة إلى المعتقلين حضورياً؛ تم إضافة مجموعة من الأسماء البارزة الهاربة خارج مصر، في مقدمتهم أمين عام جماعة الإخوان المسلمين محمود حسين (المعزول من جبهة القائم بأعمال مرشد الإخوان إبراهيم منير) والمرشح الرئاسي السابق أيمن نور، والإعلاميين المحسوبين على جماعة الإخوان معتز مطر ومحمد ناصر.
وفي 16 ديسمبر 2019 أخلت محكمة جنايات القاهرة سبيل 7 متهمين في القضية، قبل أن يتم إخلاء سبيل 4 متهمين آخرين في 11 أكتوبر من العام 2020 بتدابير احترازية، إلا أنه النيابة قررت ضم بعض المتهمين إلى قضايا جديدة، كالناشط العمالي أحمد عبد القادر الذي أخلي سبيله في أكتوبر 2020، حيث مثل مجددًا أمام نيابة أمن الدولة العليا متهمًا في القضية رقم 1065 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، حسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
المحامي الحقوقي جمال عيد: "التاريخ يعيد نفسه، والفرق أن العدالة أصبحت أكثر بؤساً. محاكمة غير عادلة تفتقر للإنصاف".
في 2020 تقدم النائب العام - حسب قانون الكيانات الإرهابية - بطلب إلى محكمة الجنايات حمل رقم 1 لسنة 2020 للموافقة على إدراج المتهمين بقضية الأمل على قوائم الإرهابيين، لتقرر محكمة جنايات القاهرة في 18 أبريل / نيسان 2020 الموافقة على طلب النائب العام، بإدراج المتهمين على القائمة لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ إصدار القرار، مع توقيع كل ما يترتب على ذلك من آثار طوال هذه المدة ضدهم.
وبحسب المادة الثانية من قانون الكيانات الإرهابية، تتولى النيابة العامة إعداد قائمة بمن تعتبرهم كيانات إرهابية، وقائمة تدرج عليها أسماء من تعدهم إرهابيين، وتقدم هذه القائمة إلى دائرة أو أكثر من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة تحددها الجمعية العمومية للمحكمة سنوياً، لبتّ طلبات الإدراج على قائمتي الكيانات الإرهابية والإرهابيين، بحسب المادة الثالثة من القانون.
تترتب على الإدراج على القوائم آثار قانونية، أبرزها سحب جواز السفر أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد أو تجديده، والمنع من التصرف في الأموال والممتلكات الشخصية مدة خمس سنوات، وفقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية أو المحلية، وعدم التعيين أو التعاقد بالوظائف العامة أو بشركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، والوقف عن العمل مع صرف نصف الأجر، وحظر مزاولة جميع الأنشطة الدعوية أو الأهلية، ووقف العضوية في النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والنقابات والأندية، حسب ما تنص عليه المادة 7 من قانون الكيانات الإرهابية وتعديلاته.
وفي 14 يوليو من العام الحالي، أيدت محكمة النقض قرار محكمة الجنايات السابق، بإدراج زياد العليمي ورامي شعث و11 آخرين على قوائم الإرهابيين، لمدة 5 سنوات، إذ جاء " الحكم البات" بتأييد إدراج المتهمين، بعد رفض طعنهم لإلغاء القرار.
ما أشبه اليوم بالبارحة
تتشابه قضية الأمل مع قضية جرت وقائعها قبل 17 عاماً، وهي قضية تنظيم الاشتراكيين الثوريين، التي اتهم فيها 5 أشخاص بالانضمام إلى تنظيم يساري، وهم الناشط اليساري أشرف إبراهيم محمد، وناصر فاروق البحيري، باحث بمركز الأرض، ويحيى فكرى أمين، مهندس، ومصطفى محمد البسيونى، بدون عمل وريمون إدوارد جندي مرجان، طالب.
وتمت محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ وفقاً لقانون الطوارئ في ذلك الوقت، وهو القانون نفسه الذي أحيل بموجبه متهمي "الإيحاء" إلى محكمة أمن الدولة التي لا يوجد استئناف أو نقض لأحكامها.
أحيل المعارضون المنتمون إلى تيار الاشتراكيين الثوريين وقتها إلى المحكمة بعدد من الاتهامات منها القيادة والانضمام إلى "جماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسات أعمالها مع علمهم بالغرض التي تدعو إليه، وهي جماعة الاشتراكيين الثوريين، المؤسسة على خلاف القانون والتي تدعو إلى إسقاط نظام الحكم وإقامة نظام آخر يستند إلى الشيوعية المتشددة، ويعتمد في مباشرته لسلطاته على ما سمى بالمجالس العمالية مع علمهم بأغراض هذه الجماعة".
كما نص قرار الإحالة أيضاً على اتهامهم بحيازة مطبوعات تتضمن ترويجاً و"تحبيذ" أغراض الجماعة المذكورة والمعدة للتوزيع وإطلاع الغير عليها، بالإضافة إلى "الإذاعة العمدية لأخبار كاذبة في الخارج عن الأوضاع الداخلية في البلاد، من شأنها إضعاف هيبة الدولة واعتبارها بتعمد إرسال معلومات كاذبة لجهات خارجية هي منظمات أجنبية لحقوق الإنسان، على خلاف الحقيقة تتضمن انتهاكات حقوق إنسان بالبلاد".
وتتشابه القضية مع قضية الأمل في شيء آخر، وهو استخدام نفس مصطلحات الاتهام، إذ عرفت القضية التي حكم فيها اليوم إعلامياً باسم "قضية الإيحاء"، نظراً لما نص عليه قرار الإحالة لأكثر من متهم وعلى رأسهم زياد العليمي بـ"الإيحاء للرأي العام بفشل قناة السويس، والإيحاء للرأي العام العالمي باضطهاد أهالي النوبة"، أما قضية الاشتراكيين الثوريين فقد استخدمت مصطلحي "تحبيذ" أغراض جماعة إرهابية و"إسقاط" نظام الحكم، والمصطلح الأخير وصفه المحامي نجيب الهلالي أثناء مرافعته في نفس القضية في 6 مارس 2004 بقوله " الإسقاط على نظام الحكم يعني ألقّح على النظام".
ويعلق المحامي والحقوقي جمال عيد على هذه المفارقة بأن "التاريخ يعيد نفسه، والفرق أن العدالة أصبحت أكثر بؤساً. و[ال]محاكمة غير عادلة تفتقر للإنصاف".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...